إلي كل امرأة شرقية تمسك بالقلم لتكتب قصتها بيدها أيا كان نوع القلم !! فلها شرف المحاولة . وإلي كل مصري يعشق بغزارة ويكره بغزارة ويأكل الحلويات الشرقية . هذا هو الإهداء الذي اختارته الدكتورة ( ريم بسيوني ) ليتصدر روايتها ( الدكتورة هناء ) والتي طبعتها مكتبة الأسرة مؤخرا ، وكالعادة تختار ( ريم ) خلفية صراع الحضارات ممثلا في صدام قيم الحضارتين الغربيةوالشرقية داخل نفس البطلة ، ربما لأنها هي نفسها قد خاضت هذه التجربة ، فهي بنت الإسكندرية التي تشبعت بكل الأجواء المصرية حتي النخاع ثم سافرت للدراسة في انجلترا وحصلت علي الدكتوراة من جامعة أوكسقورد واستقر بها المقام في أرض الأحلام الأمريكية أستاذة في جامعاتها ، أعتقد أنه منذ ( رفاعة الطهطاوي ) في (تلخيص الإبريز ) و ( توفيق الحكيم ) في ( عصفور من الشرق ) حتي ( الطيب صالح ) في ( موسم الهجرة إلي الشمال ) وحاليا (ريم بسيوني ) في روايتها يتكرر دائما هذا الموقف الذي يمكن تسميته ( الصدمة الحضارية ) الدكتورة هناء أستاذة اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة والتي حصلت علي بعثة لأمريكا عادت منها بالدكتوراة وبقيم جديدة عاشت وفقا لها ، فبعد تجربة إعجاب فاشلة بزميلها قررت أن توصد باب العاطفة تماما في حياتها وتعيش بالعقل وللعلم فقط ، عاشت في شقة والديها بالزمالك وحيدة بعد رحيلهما وزواج أخوها و أختها ، ورفضت أن تكون امرأة شرقية تعتمد علي رجل أو تعيش في ظله ، ولماذا تحتاجه ؟ هي جادة صارمة في عملها لا تقبل واسطة ولا مجاملة وهي مدبرة مقتصدة في حياتها الرتيبة المنظمة التي تخلو من الضعف والتهاون وتخلو أيضا من السكر ، حققت انجازات علمية وأغرقت عقلها في الأبحاث والعمل ،تأكل قليلا جدا حتي لا تصبح مثل أختها التي تشفق عليها لأنها خاضعة لزوجها المفتري وتأكل الشيكولاتة لتعويض خللا عاطفيا وتصنع الطعام الجيد حتي تضخم جسدها و ترهلت شخصيتها . وصلت لعمر الأربعين ولم تتزوج وفي لحظة فوران عاطفي جنونية توقع طالب الدكتوراه ( خالد ) في شباكها وتتزوجه فورا ، خالد هو النقيض لها ، رغم أنه يصغرها بأكثر من عشر سنوات إلا أنه أحبها فعلا ولذلك لا يحب أن تكون رئيسته ، يعطي دروسا خصوصية مخالفا للوائح الجامعة لأنه يعول أمه و أخته بعد وفاة والده ولكنه في غاية الكرم والإيثار ، يرعي صديقه محمد الكفيف بشهامة وتلقائية ويطلب من هناء بعد أن أصبحت رئيسة القسم أن تعين فتاة فقيرة جارته من بولاق سكرتيرة لمساعدتها علي إيجاد مصدر رزق شريف ولكنها تقول له ( هناك من هو أكفأ منها ) يرد ( لكنها الأكثر احتياجا ) تقول ( أنا ولائي للمؤسسة وليس للأفراد ) يرد ( المصريون ولاءهم دائما لبعض وليس للحكومة إنهم يشعرون بآلام الجار والزميل والصديق ويساعدون بعضهم البعض ) تقول ( هذا ليس عدلا ) يرد ( الإنسانية فوق العدل ) في أول يوم لزواجهما تصرخ في وجهه لأنه لم يخلع الحذاء قبل دخول شقتها ، وعندما يشعران بالجوع تحتار جدا وتقول ( لم أعتد تحضير غداء لأكثر من شخص واحد ) ثم تنظر له في حدة و (أنت سوف تغسل الأطباق) ، يفاجأ بالطعام ( تونة وجبنة شيدر و زيتون ) لا يستسيغه ويطلب منها كوب شاي بثلاثة ملاعق سكر ، تقول ( ليس في بيتي سكر لأني لا أستعمله أبدا ) يحضر لها حلويات شرقية فترفضها لأن العسل يلتصق بأصابعها . وفي النهاية تعترف هناء بأنوثتها واحتياجها لزوجها وتتنازل عن صرامتها التي جعلت الناس تكرهها وتخافها وتترك رئاسة القسم ، مهما فعل الإنسان فهو محكوم بفطرته ، والتشدد في أي اتجاه يحمل في ثناياه ضعفا ونقصا ، وسرعان ما يتهاوي أمام حقائق الحياة. تطرح الرواية نموذج هناء وتمثل النموذج الغربي مقابل نموذج ليلي أختها وشقيقة خالد وأمه كلهن يمثلن المرأة الشرقية التي تخضع للرجل وتخدمه وتساعده في خلع البدلة ثم تنفضها وتعلقها في الدولاب وتطهو له الطعام اللذيذ وتصنع من أجله عصير المانجو و الحلويات الشرقية ،وتتمسك بالدين وتلجأ إليه كسلاح يحمي ضعفها ويجبر كسرها ويعينها علي مكابدة الحياة . كم من النساء الغربيات يتمنين هذا النموذج ؟ الكثير جدا ويحسدن المرأة المسلمة علي رعاية زوجها لها وتحمله مسئولية نفقاتها وتدليله لها أيضا ، مع تحفظ بسيط أن هناك نماذج أخري نجحت في المزج بين معطيات الحضارة الحديثة والحفاظ علي قيم وسمات حضارتنا التقليدية ، شخصيا أري الإنسانية فوق العدل ولا أوافق علي التطبيق الصارم للقانون علي نساء فقيرات يلقي بهن في السجون ويشرد أطفالهن من أجل مديونيات بسيطة تصل ل 700 جنيه ، قسط غسالة في جهاز ابنتها اليتيمة أو ثمن ملابس كسوة الشتاء لأطفال ترتعش من البرد بينما يرقد أبيهم مريضا ، وأحب الحلويات الشرقيةوالغربية أيضا ، ولا يخلو بيتي أبدا من السكر . [email protected]