أحيانا يشعر المواطن بعبثية مشهد الانتخابات ، أي انتخابات في بلادنا ، وخاصة الانتخابات البرلمانية ، لأنها تفتقر إلى أي معنى أو صلة بالديمقراطية فعلا وواقعا وممارسة ، وهو الأمر الذي قد يفتح السبيل أمام أفكار أخرى ربما يراها البعض أكثر عملية وجدوى وقيمة ، على الأقل كمرحلة انتقالية لحين انبلاج نهار الديمقراطية الحقيقية في مصر . لا يمكن لأحد أن يصدق أن عمليات البلطجة وشراء الأصوات واستعمال العنف والسلاح الناري أحيانا من أجل انتزاع مقعد في البرلمان يمكن أن يعبر عن رغبة في ممارسة ديمقراطية من هذا "المواطن" أو أن حرصه ذلك للدفاع عن مصالح الوطن والمواطنين وعن الصدع بكلمة الحق ومراقبة السلطة التنفيذية وتحديها ، كما أنه لا يمكن أن يخطر على بال أحد في مصر أن نتائج الانتخابات يمكن أن "تفلت" وأن تحقق فيها المعارضة أو الإخوان اختراقا كبيرا يغير موازين القرار داخل البرلمان ، والكل يعرف أن "الثلث المعطل" للقوانين والإجراءات خط أحمر لا يمكن السماح بوصول أي كتلة برلمانية إليه ، أو حتى وصول مجموع المعارضة بكاملها إليه أو مجرد الاقتراب من حدوده ، هذا فضلا عن تصور أن تنتزع قوى المعارضة أغلبية البرلمان أو النصف زائد واحد ، والكل يعرف أن الدائرة مغلقة في محاولات التصحيح أو الإنقاذ أو سيادة العدالة والقانون في أي أخطاء أو انتهاكات تحدث في الانتخابات ، حتى لو كانت من النوع "عيني عينك" ، وأن بعض المرشحين المظلومين لجأوا إلى محكمة النقض التي حكمت لهم بعد أشهر طويلة ببطلان الانتخابات في دوائرهم لما شابها من تزوير أو أخطاء فادحة في الإجراءات ، ويتم رفض أحكام النقض بالقول أن المجلس هو سيد قراره ، بمعنى أنه هو الذي يحدد ما إذا كان هذا العضو يستحق العضوية أو لا ، وليس صحة الإجراءات ، وليس نزاهة الاقتراع ، ووليس مشروعية الوسيلة التي وصل بها للبرلمان . إذن نحن أمام حالة لا صلة لها بالديمقراطية عمليا ، لأن السقف مغلق ومحكم تماما ، والممارسات التي تتم في القوانين والقرارات والإجراءات والسياسات والتشريعات ، لا صلة لها جوهريا بقرار البرلمان ، وإنما تعدها لجان من الخبراء في القطاعات المختلفة ، خارج البرلمان ، ويتم اعتمادها من جهات سيادية وبالتالي يتم التصديق عليها بصورة حتمية وآلية في البرلمان لاستكمال "الشكل" الدستوري ، وتجري أمور المداولات والنقاشات بشكل صوري إلى حد كبير ، لأنه لا يوجد معارضة تستطيع أن تعطل أي مشروع ، هي مجرد ظواهر صوتية لا أكثر ، ونوع من استكمال الديكور ، كما أن الأعضاء الممثلين للحزب الحاكم يعرفون كيف أتوا ويعرفون كيف يمكن أن يذهبوا ويدركون أن البرلمان ليس جهة رقابة على الحكومة أو صياغة التشريعات واعتمادها وإنما هو نادي سياسي يتيح لهم التواصل مع وزراء الحكومة وتحقيق مصالح خاصة وعامة كل حسب شطارته . ومن ثم ، يكون الاقتراح التالي له بعض الوجاهة : لماذا لا يتم إلغاء فكرة الانتخابات للبرلمان من أساسه، لمرحلة مؤقتة ، وأن يتم اختيار الأعضاء بالتعيين ، ويصدر بتشكيل البرلمان قرار جمهوري بتعيين الأعضاء ، من خلال ترشيحات قطاعات الدولة المختلفة ، بحيث يكون ممثلا لمجموعة خبراء في القانون أو التعليم أو البترول أو المالية أو الإعلام أو الأمن أو الشؤون الخارجية ، ونحو ذلك ، فهذا أجدى وأنفع من أجل تحسين عمليات طبخ القوانين ، كما أنه يوفر مبالغ طائلة من ميزانية الدولة أو ميزانية الأفراد تهدر في عبث شكلي لا قيمة له ، ومسرحيات معروف نهايتها ، كما أنه يحمى الأسر ونسيج المجتمع من تصدعات وتمزقات تتسبب فيها هذه الانتخابات وتترك آثارها الخطيرة لسنوات بعد ذلك ، كما أنه يجعل السلطة التنفيذية أقل عدوانية وشراسة بفعل قلق ما قبل الانتخابات الاعتيادي . أعرف بطبيعة الحال أن هذا موقف ضد الديمقراطية ، وأنه إهدار "للهامش الديمقراطي" وهذا صحيح قطعا ، ولكن بالمقابل ، هل ما نشهده في بلادنا يمثل أي معنى "عملي" للديمقراطية ، وأي جدوى لممارسة ديمقراطية ، بيد أن المقترح الجديد أعتقد أنه يجعلنا أكثر صدقا مع النفس والواقع والحال السياسي في بلادنا ، ويكون نضالنا السياسي فيه أكثر وضوحا وجدية بحثا عن ديمقراطية حقيقية وليس مشاركة في التدجيل والنفاق السياسي وخداع الوطن . [email protected]