عصر يوم الأربعاء20/11/2013م، طُفتُ حول مقر ديوان عام "وزارة الأوقاف" بشارع صبري أبو علم بمنطقة باب اللوق بالقاهرة. وامتلأت نفسي بالأسى والحزن على "الحالة" التي وجدت مبنى الوزارة عليها. فقد ذهبت إلى هناك يحدوني الأمل إلى أن أشاهد عمال نظافة، ومهندسي ديكور، وفنيين في الكهرباء، وخبراء في البستنة وأشجار الزينة، وغير ذلك من مستلزمات الاستعداد للاحتفال بمرور مئة سنة على نشأة "وزارة الأوقاف" في يوم 20 /11/1913م. ولكني فُجِعتُ بما وجدته وشاهدته حول المبنى العريق للوزارة من أضلاعها الأربعة. وعلمت أن لا أحد انتبه لهذه المناسبة، لا من داخل الوزارة ، ولا من خارجها. لهذا صممت أن أصف بإنصاف المظهر الخارجي الذي وجدت عليه ديوان عام وزارة الأوقاف. صممت أن أصف ما شاهدته ذلك اليوم بالعربي الفصيح دون تذويق أوتلوين. نبدأ الوصف ونستهله بالضلع الجنوبي لمبنى الوزارة، وهو الممتد من تقاطع شارع شريف مع شارع هدى شعراوي. أول ما شاهدته هو "الجراج الكبير" الممتد أسفل قسم من مباني الوزارة. وهو مخصص لسيارات كبار موظفيها، وأهمها سيارة السيد الوزير. سألت أحد عمال الجراج: هل يمكن لي أن أركن سيارتي لعدة أيام داخل الجراج" قال: "لا، ولكن يمكنك ركنها أمامه في الشارع بالاتفاق معنا". جدار الوزارة يئن على امتداده في شارع هدى شعراوي، من "أفعال الآدميين إياها"، ومن السيارات السليمة والخربة المكدسة والمركونة بجوار الجدار. وهي توفر ستاراً لقضاء الحاجات بعيداً عن عيون المارة. وفي منتصف المسافة من تقاطع شارع شريف مع هدى شعراوي، إلى تقاطع شارع محمد مظلوم مع هدى شعرواي سوف تتعثر في كومة من أجولة مليئة بالردم وملقاة بجوار الباب القديم ل"ديوان عموم الأوقاف" قبل أن يتحول لوزارة في سنة 1913م. والباب مغلق وشاهق الارتفاع وبعضه مهشم، والأتربة الممزوجة بعوادم السيارات تملأ تجاعيده وحشواته وتجاويفه الداخلية وبروزاته الخارجية. ولكن طرازه الإسلامي الفريد أغراني بالوقوف والتأمل فيه. فوجدت في أعلاه لفظ الجلالة "الله". ومكتوب أسلفه بخط غاية في الروعة "ديوان عموم الأوقاف". وقد أبصرته بصعوبة لكثافة الأتربة المتراكمة عليه. ثم أبصرت أدناه بيتاً من الشعر، ووجت صعوبة بالغة في قراءته لتداخل حروفه في بعضها بشكل بالغ الروعة، لكنه بالغ الصعوبة على القاريء، والبيت هو: " عناية الله أغنت عن مضاعفة .... من الدروع، وعن عالٍ من الأُطم". وهذا البيت من "بردة البوصيري" في مدح خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وأرسلت بصري يمينأً وشمالاً على طول جدار الوزارة المطل على شارع هدى شعراوي، فشاهدت أغلب أبواب الشبابيك نصف مفتوحة/نصف مغلقة، ومتروكة هكذا على مدار الساعة، بدليل أن الأتربة عليها كثيفة ومعلقة منذ أمد غير معلوم. وشاهدت أيضاً أجهزة التكييف المثبتة في أماكن متعددة على الجدار بامتداده، والتي تبدو كالدمامل بالغة القبح على الجسد الجميل؛ بينما تسريبات مياه التبريد المتسللة منها لا تتوقف عن السريان والتساقط في الشارع، أو على الجدار ذاته. إضافة إلى تسريبات مياه يبدو أنها من دورات مياه مطلة على شارع هدى شعرواي في الجزء القريب من تقاطعه مع شارع محمد مظلوم الذي يقع جامع جركس على ناصيته من جهة شارع صبري أبوعلم. مشيتُ بجوار جدار مبنى الوزارة المطل على شارع محمد مظلوم باتجاه شارع صبري أبو علم. ولا تزال أغلب المشاهدات التي وصفتها أعلاه موجودة هنا أيضاً: من أتربة، وتسريب مياه، ونشع من الداخل للخارج، ومخلفات آدمية، و"عمود نور" ملقى على الأرض، وسيارات سليمة وخربة مركونة بامتداد الجدار. وقبل أن الوصول إلى "جامع جركس" وهو يبدو للناظر جزءاً مندمجاً في مبنى الوزارة شاهدت أسرة مكونة من شيخ كبير، وامرأة عجوز، وفتاة صغيرة. وهذه الأسرة مستوطنة فوق الرصيف، في حالة يرثى لها. حاولت الاستفسار من الشيخ الكبير عن مدة وجودهم في هذا المكان، فلم يرد، وفهمت من إشارة بيده كأنه يقول لي "دع الملك للمالك وخليك في حالك". انعطفت يميناً في شارع صبري أبو علم الذي تطل عليه الواجهة الرئيسية للوزارة. حيث مدخل جامع جركس. ثم بداية سور مقر الديوان العام للوزارة . وكان أملي أن أجد في هذه الواجهة شيئاً من الرعاية يليق بالوزارة . ولكن خاب أملي للمرة الثانية. فقد وجدت في هذه الواجهة ثلاثة أبواب، محاطة بكثير من المشاهد التي أقل ما توصف به أنها لا تنتمي إلى الذوق السليم: الباب الأول صغير مقارنة بالبابين الآخرين وهو مخصص ليدلف منه جميع موظفي ديوان الوزارة ومن يريدون قضاء مصلحة هناك. وما أن يضع أحدهم قدمه بالداخل حتى يستلمه ممر ضيق داخل غرفة/ تشبه عريشة تمت إضافتها بشكل عشوائي تماما في باحة الوزارة جهة الجانب الملاصق لجدار جامع جركس. والعريشة "مقفصة" بأعمدة حديدية لونها أسود كئيب. وهي تبدو للناظر إليها من الخارج كأنها "قفص اتهام أعد بإحكام". وعلى يمين الداخل مكتب مستطيل يقف خلفه موظفو الأمن والاستقبال لفحص الداخلين طبقاً للتعليمات الرسمية. الباب الثاني، وهو الأكبر، ويلي السابق ببضع خطوات، وهو المدخل الرئيسي للوزارة، ومخصص لدخول وخروج الوزير وعدد قليل من كبار معاونيه، وكبار الضيوف. وإذا نظرت على يسارك وأنت تقف أمامه ستجد "كشك" حراسة متداعي الأركان، ولا يقف فيه أحد من الحراس!. ويلاصقه مباشرة ماكينة صرف نقود تابعة لبنك مصر، وهي من النوع المعروف باسم (ATM)مثبتة في جدار السور الخارجي لمبنى الوزارة!. أما إذا نظرت خلف الباب فستجد بقايا حديقة ضربها الإهمال بقسوة، بعد أن كانت غناء في سالف العصر، إلى الحد الذي تباهي بها أحمد باشا شفيق مدير ديوان عموم الأوقاف سنة 1912 في كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاح توسعة مقر الديوان ووصفها بأنها "رحبة غنَّاء". وإذا أجلْت النظر حول الحديقة ستجد بضعة كراسي "خرزان" موزعة هنا وهناك كأنها للحراس. وستجد "ميني باص"! تبدو عليه آثار السفر، وهو مركون جهة الجانب الأيمن وقرب السلم المؤدي للبهو الكبير الذي يمر به "الوزير" أثناء دخوله وخروجه من ديوان عام الوزارة. وفي الجانب الأيسر من "الرحبة والحديقة" توجد ثلاث غرف خشبية بقوائم ودعامات معدنية غاية في القبح والعشوائية لم أتمكن من معرفة الغرض من وجودها بهذه البشاعة التي اقتطعت جزءاً من الحديقة. وبالقرب من تلك الغرف يوجد سلم خشبي ملقى على الأرض، ومتفرقات لأشياء أخرى. وإذا رفعت بصرك لأعلى ستجد أن الجماليات المعمارية ذات الطراز الإسلامي في واجهة المبنى لا تزال تكافح عوادي الزمن منذ أكثر من مئة عام، وكأنها لا تريد أن تعترف بالأتربة التي غزتها واستقرت عليها وإن كانت أقل كثافة من أتربة الجدار المطل على شارع هدى شعراوي. وسيأخذك العجب وأنت تشاهدعلما مصرياً جديداً مصنوعاً من القماش يتدلى من أعلى هامة المدخل الرئيسي إلى أن يلامس أعلى بابه الخشبي؛ وربما هذه أول مرة التي يرفع فيها علم الدولة على مبنى حكومي بهذه الطريقة، وليس على سارية كما هو معهود!. أما الباب الثالث فمغلق بالجنزير، ويقع في الثلث الأخير من سور الواجهة الأمامية قبل أن ننعطف يساراً مع سور المبني عند تقاطع شارع صبري أبو علم مع شارع شريف. وقبل الانعطاف يميناً يوجد صندوق لوصلات الكهرباء مثبت بالسور، وهو بالغ القذارة والخطورة أيضاً؛ لأن جزءاً من وصلاته السلكية مكشوفة، والمشاة يمرون بالقرب منه ذهاباً وإياباً. وما أن نبدأ السير بجوار سور الوزارة المطل على شارع شريف حتى يجبرك "صندوق خشبي متوسط الحجم" على النزول في بحر الشارع لعدة خطوات، وبعده يوجد صندوق آخر للوصلات الكهربائية مثبت في السور ومكشوف كسابقه. ثم يليه كشك سجائر ومرطبات مثبت بدوره في السور ذاته. وما أن ينتهي السور ويبدأ جدار مبنى الوزارة الممتد إلى نقطة التقاطع مع شارع هدى شعراوي حتى تجد عدداً من الباعة الجائلين يفترشون أرض الرصيف بجوار الجدار، وأحدهم جلس في مدخل باب مغلق وبعض أجزائه السفلية مهشمة. وهؤلاء الباعة يعرضون أشياء متنوعة: عملات قديمة، وتُحف صغيرة، وملابس جاهزة، ولعب أطفال، وتماثيل متنوعة بعضها أفيال، وبعضها جِمال، وغزلان ...وإلخ. والسؤال الآن هو: هل هذا مقبول أو معقول؟. وإلى مقال آخر لتحية الوزارة في عيدها المئوي.