ومن جانبي أري ان الأسباب المباشرة لتفاقم ظواهر العصبية والعنف في المجال الرياضي العربي ترجع في تقديري إلي افتقاد معظم بلادنا العربية لمشروعات وطنية جادة يشارك فيها جميع أطياف الشعب بأدوار ومهام متكاملة مما يؤدي إلي حلول الرياضة وكرة القدم بالذات محل هذا المشروع الوطني الغائب وبحيث اضحي المشروع الكروي أو المنتخب الوطني رمزا للسيادة الوطنية ترفع له الرايات وتصبح له الحناجر بالأناشيد والأغنيات ومقياسا يقاس به الولاء والانتماء رغم أنه - كما نعرف - مشروع منقوص يقوم علي اقدام 22 لاعبا فقط ومثلهم من الاداريين والفنيين بينما يكتفي ملايين المواطنين بالفرجة والتصفيق والهتاف. العبارات السابقة سطرها السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية للشئون العربية الأسبق في تقديمه كتاب "دماء علي البساط الأخضر" للزميل والصديق الناقد والمعلق الرياضي أشرف محمود مساعد رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي الذي يرصد ويوثق من خلاله ظاهرة التعصب والعنف الرياضي بين الأشقاء العرب بعد انتشارها في السنوات القليلة الماضية بصورة خطيرة. في مقدمة كتابة القيم الذي صدر مؤخرا يري الزميل أشرف محمود ان الصراعات بين الأشقاء العرب في المجال الرياضي تجاوزت كل القيم الإنسانية والأخلاقية والرياضية واطاحت بالأخضر واليابس وطعنت في الأعراض واستباحت الحرمات والمحرمات علي السواء من أجل مجد زائف وبطولة وهمية بعد أن أصبح الفخر العربي قاصرا علي أمجاد رياضية ارتبطت بها الأوطان والتصقت بل واقتصرت قيمتها وقامتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها بالفرق الرياضية. تحت عنوان "الصراع العربي الرياضي" أكد الزميل أشرف محمود ان هذا الصراع تحول إلي ظاهرة تستحق الدراسة نظرا لخطورتها وذكر ان ذلك الصراع لم يقتصر علي بلدين أو أكثر دون غيرهما وإنما امتد ليشمل غالبية الدول العربية وان كل خلاف سياسي بين دولتين انعكس علي الرياضة وأثر فيها سلبا مثل الخلاف السعودي القطري في منتصف الستينيات ومطلع التسعينيات وانتهي بترسيم الحدود عام 2001 والخلاف السعودي اليمني حول نجران وخلاف قطر والبحرين الذي وصل إلي التحكيم الدولي والخلاف التاريخي بين العراق والكويت وخلاف مصر والسودان حول حلايب وشلاتين وخلاف المغرب والجزائر بسبب الصحراء الغربية وخلاف تونس وليبيا حول منطقة الجرف القاري وخلاف لبنان والعراق بسبب المذهب الشيعي وخلاف سوريا والعراق حول حزب البعث وخلاف لبنان وليبيا بسبب قضية اختفاء الإمام الشيعي موسي الصدر عام 1984 وأيضا الحلاف السوري الأردني بسبب مياه نهر الأردن... الخ. وتحت عنوان "الدين والتعصب" أكد الزميل أشرف محمود ان التعصب مرفوض عقائديا ورياضيا وقبليا وان الدين الإسلامي الحنيف كان واضحا وحاسما في رفض التعصب والزهو بالنفس والقبلية واستشهد بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "لا فضل لعربي علي أعجمي ولا أبيض علي أسود إلا بالتقوي". الزميل والصديق أشرف محمود قدم لنا في كتابه القيم قراءة في تاريخ الصراعات القبلية عند العرب وكذا الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلي هذا التعصب القبلي الذي تسبب في خلق حالة من الاحتقان بين الجماهير وركز علي ظاهرة تغليب التوجهات القطرية والشعوبية الضيقة علي الاعتبارات القومية واستشهد بالأحداث الدامية التي حدثت داخل المستطيل الأخضر وابرزها ما حدث في مباراة مصر والجزائر وردود الأفعال الكثيرة التي غلبت عليها الحدة والانتقام من جهة والاحتقان من جهة أخري. وتحت عنوان "أيها العابثون كفاكم" أكد المؤلف ان العابثين هم أولئك الذين لا يقيمون وزنا للثوابت الدينية والإنسانية والأخلاقية وانهم يتعاملون معها كما يتعاملون مع لعبة المكعبات التي تبني بيتا في وقت ما ثم بحركة صغيرة تهدمه في ثوان معدودة دون ادني احساس بالموقف كما وصف المؤلف كذلك العابثون بأنهم الذين يملأون الدنيا ضجيجا وصراخا من القيم والأخلاق والروح الرياضية والحياد والمصداقية وهم أبعد ما يكونون عنها وانهم كذلك هم الذين يغيرون آراءهم بين ليلة وضحاها من النقيض إلي النقيض ومبرراتهم حاضرة وجاهزة. الزميل أشرف محمود بعث برسالة عبر كتابه إلي ما اسماهم العابثين في مصر والجزائر قال فيها.. كفاكم.. كفوا أيديكم واغلقوا افواهكم فلم يعد في الجسد الكروي المصري والجزائري مكان إلا ونالته سهامكم المسمومة.. كفاكم وتذكروا يوما تراجعون فيه إلي الله الحكم العدل لتحاسبوا علي كل كلمة وكل لفظ كتبتموه أو قلتموه.. كفاكم خداعا وصداعا.. كفاكم ظلما وقطيعة.. كفاكم بغيا وعدوانا.. كفاكم ما تسببتم فيه من جرح دام لا يعلم إلا الله وحده متي يلتئم ولا يقدر علي شفائنا منه إلا الله سبحانه وتعالي. السفير هاني خلاف قدم لنا العديد من الحلول الطيبة لعلاج ظاهرة الصراع في المجال الرياضي منها صياغة مدونة لسلوك الرياضيين العرب والأجهزة القائمة علي تنشيط الرياضة في الدول العربية تتحدد بها الواجبات والحقوق وضوابط التعامل وكذا تفعيل مقترح إنشاء آلية عربية محايدة للتحكيم والمصالحة في القضايا الرياضية والنظر في تشكيل فرق مشتركة تضم لاعبين من جنسيات عربية مختلفة وتنظيم مسابقات خاصة لتلك الفرق المختلطة. لقد تعودنا من الزميل أشرف محمود علي تقديم كل ما هو جديد وجميل فقد سبق وقدم لنا أكثر من مؤلف قيم في السنوات الماضية.. وبأمانة شديدة وبدون مجاملة فهو كاتب صحفي وناقد رياضي محترم وخلوق ينال حب واحترام وتقدير الجميع ويتميز بالمصداقية العالية سواء في كتاباته لمجلة الأهرام العربي أو مؤلفاته العديدة القيمة.. تهنئة صادقة إلي أشرف محمود الزميل والصديق والإنسان الشهم.. وتحية إلي الزميل والصديق الفنان أنس الديب الذي صمم غلاف الكتاب وكان معبرا عما يحتويه من صراعات عنيفة بين الأشقاء. [email protected]