نحمد الله أن الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الذي سبق وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي أن " بشرنا " بالمقابر الجماعية بسبب أنفلونزا الخنازير "الوهمية"، لم يأت هذا العام ليقول لنا أننا سنصاب جميعًا بالعمى بسبب انتشار فيروس إلتهاب العين المعروف "بالملتحمة"..! فالوزير يبدو أنه قد استوعب الدرس، ووجد أن الأحسن والأفضل أن يخفف من كلامه ويلتزم بالحقيقة، فالحقيقة لا تموت أبدًا، حتى وإن غابت إلا أنها في النهاية ستسطع وتكشف الكذب والخداع والوهم كما حدث لنا مع أنفلونزا الخنازير التي سببت لنا الرعب طوال عام كامل بينما العلاج لم يزد عن علاج الأنفلونزا العادية وأقل من العادية.. فالوزير قال إن المرض الجديد بسيط للغاية، ويمكن الشفاء منه بدون تلقي العلاج، والوقاية من المرض لا تكون إلا بالنظافة الشخصية وغسل اليدين بالصابون..! والوزير أتى على "الوجيعة"، وهي قضية النظافة، فنحن فعلاً لا نعرف عنها شيئًا، ولا نلتزم بقواعد النظافة في أي مكان، ومن يدخل أي مستشفي مهما كان تصنيف هذا المستشفى ليقضي فيه عدة أيام للعلاج من مرض ما، فسوف يخرج مصابًا بالعديد من الأمراض الأكثر خطورة نتيجة للفيروسات المتوطنة والموجودة في كل مكان بسبب انعدام الفهم الصحيح للنظافة، وبسبب تقاعس أطقم الخدمة عن تهوية الغرف وتنظيفها وتطهيرها بشكل جيد. ولو أن وزير الصحة قام بزيارة مفاجئة "حقيقة" لأي مستشفي من المستشفيات الحكومية في محافظات مصر، فسوف يجد على سبيل المثال أن هناك دماءًا متجلطة على الأسرة وعلى "الملاءات" وأن لون بعضها الأبيض صار مزيجًا من العديد من الألوان لاختلاط الدماء ببقايا الطعام، بأشياء أخري..! وبعيدًا عن المستشفيات فإن النظافة غائبة في كل مكان، في مطاعمنا، وفي مدارسنا، وفي وسائل مواصلاتنا، فنحن نسافر في قطارات فاخرة بدورات مياه رديئة تخلو من المياه، ونشتري طعامنا من باعة يستخدمون أيديهم في تعبئة الطعام، ولو سألت أحدًا منهم لماذا لا تستخدم قفازًا لأجابك باستنكار وتعجب بأن يده نظيفة، وأشار إلى يده ليريك إياها..! والأمثلة عديدة ومتنوعة، وكلها تحكى وتترجم وتؤكد الافتقار إلى ثقافة ومفاهيم النظافة، فلازلنا نشاهد من يبصق من السيارة، ومن "يعطس" وسط الجمع الحاشد دون أن يضع منديلا على أنفه، ومن يتحدث وهو ينشر الرزاز في وجه من أمامه، ومن لا يعرف معني وضرورة أن يغسل يديه قبل الأكل وبعده..!! وليس غريبًا بعد ذلك أن تنتقل العدوى من شخص لآخر بسهولة وبسرعة، وليس مستبعدًا أو مستغربًا أن يكون أي مرض جماعيًا وفي شكل الوباء لأننا لا نعرف كيف نحاصره وكيف نقي الآخرين منه، وكيف نهتم بأن نحافظ على سلامة وصحة غيرنا..! ولأن هذا هو سلوكنا فإن هناك الآن مرضًا لكل عام، صالحًا للتطبيق والتغيير طبقًا للظروف السياسية أيضًا، فكل عام هناك مرض يصيب الجميع بالذعر، وتركز عليه وسائل الإعلام، وينشغل الرأي العام بكيفية مواجهة هذا المرض، وبكيفية إنقاذ أطفالنا وأبناءنا في المدارس والجامعات وننام ونصحوا على سيرة هذا المرض ونصب كل اهتمامنا فيه، وننسى أو نتناسى القضايا الأخرى لأن علينا أن نكون منشغلين في البحث عن الطماطم المجنونة أو رغيف الخبز أو أنبوبة الغاز، أو بتجنب أنفلونزا الطيور ومن بعدها أنفلونزا الخنازير، والآن نصحوا علي فيروس ألتهاب العين " الملتحمة " لندعو الله أن تظل لدينا القدرة على الرؤية والإبصار إذا كنا فعلا مازلنا قادرين على الرؤية وعلى التمييز..! [email protected]