في تعليق على مقالتي التي كتبتها تحت عنوان " حارة الشهيد نجاتي " كتب القارئ اللبيب هاني أبو مدان يقول : ( يا أستاذ ثروت مع تقديرنا الكامل لكل الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن إلا أنني أرى أن توجه كتاباتك وبالخصوص في هذه الفترة إلى الفساد المنتشر في مصر وإلى الفساد الحكومي ,إلى تزوير الانتخابات القادمة ، إلى الغلاء الذي قسم ظهر الفقراء ) ولأنني اقتنعت بوجهة نظر الأخ العزيز هاني أبو مدان واقتنعت أنني " مُدان " مع سبق الإصرار والترصد ، فما كان مني إلا أن جلست لأكتب مقالة هذا الأسبوع وفقا لنصيحة أخي هاني وحين أمسكت بقلمي قلت في نفسي والنفس أمارة بالسوء فلأكتب عن وزارة التعليم وعن المدارس الحكومية والمدارس الخاصة وما وصل إليه التعليم فى بلدنا خاصة ونحن فى بداية عام دراسي ، وأضناني الحزن والاكتئاب من جراء اهتمام الوزير بالإعلام والفضائيات وشغفه بكٌُتب الدروس الخصوصية دون أن يجعل كتب الوزارة تسر الناظرين ودون أن يوجه اهتمامه بأجولة الكوارث التي تقبع في ضمير الوزارة بأكملها ، لم يسع الوزير إلى علاج أمراض التعليم في مصر التي أصبحت أمراضا مزمنة ، ورغم أن عهده شهد تطورا طفيفا إلا أن هذا التطور سرعان ما انهار ، وحين كدت أن أكتب الخاتمة وجدت نفسي وهي تؤنبني وتشد أذني وتقول لي : من العيب والعار أن تكتب عن وزير التعليم ، فلو كتبت عنه سيغضب منك أحد القراء الأعزاء صديقك المصطفى من بين الأصدقاء الحبيب إلى قلبك الذي أحببته في الله والذي يعيش في أمريكا ، وهو ليس شخصا ملتزما ومهذبا فقط ولكنه من الوجهاء ، ليس وجيها فحسب إنما هو وجيهان ، وحين وصلت أفكاري إلى هذه الدرجة وجدت أن الحبر قد فرغ من القلم لغير سبب فقلت سبحان الله إن القلم تضامن مع وزارة التعليم ووزيرها ورفض رفضاً باتاً فتح هذا الملف ونظراً لأنني أحب قلمي واعتبره من أصدقائي المقربين فضلا عن حبي لصديقي المصطفى فقد أذعنت له وقلت الطيب أحسن أكتب يا ولد فى موضوع آخر لعل القلم يجرى على الورقة ، ثم جال فى خاطري أن أكتب عن وزارة الإسكان ووزير هذه الوزارة الحالي ووزيرها السابق الذى كان يبدو لغير المؤمنين أن سيُخلّد في منصبه ، فإذا حكمة الله ورحمته بنا تطرده من فوق كرسي الوزارة غير مأسوف عليه فقد أضاع أراضي الدولة وباعها بثمن بخس دراهم معدودة وكأن هذه الأرض ورثها من المرحوم أبيه ، كان هذا الوزير فاسدا ومفسدا كما أنه تفاسد فأصبح فاسدا حاطه الفساد فساد وأفسد وباع أراضي الدولة لآل طلعت مصطفى بسعر نصف جنيه للمتر الواحد ، هل هناك مفسدة أكثر من ذلك ؟! وعلى رأي صديقي طارق العوضي الذي أراه دائما يعتلي الأكتاف في المظاهرات وهو يهتف " كيلو الأوطة بعشرة جنيه ومتر مدينتي بنص جنيه " ، وقد قال لي أحد أصدقائي من الصحفيين أن كرسي وزارة الإسكان ذاب وتفتت حتى أنهم لم يجدوا كرسيا يجلس عليه الوزير الجديد ، وحين جاء الوزير الجديد ظن الناس أنه سيوجه جهوده لمساكن الفقراء الذين يسكنون القبور ويلتحفون السماء في عز الشتاء ، إلا أن الوزير الجديد بالرغم من أنه أصبح قديما ، إلا أنه أنفق الكثير والكثير ليس على تجديد الكرسي فقط ولكن على إنشاء قصر مشيد يسمى فى الوزارة بغرفة الوزير كما أنه عندما نظر إلى الامتداد العمراني الذى امتد إلى الساحل الشمالي حيث القرى السياحية العظيمة التي ينعم فيها المصريون صيفاً وشتاءً أما باقي المصريين الذين يعيشون فى العراء وينعمون بالحركة فى مساكن عشوائية أقيمت من الصفيح وأكشاك من الخشب ويعيشون فى المساكن الشعبية التى كادت أن تنهار على أصحابها ،ولكن بعد أن فكرت فى كتابة مقالة حادة أنتقد فيها سياسة وزير الإسكان اعتراني الخوف وقالت لي نفسي دعك من هذا الموضوع إذ قد يعتقد هذا الوزير أنني أقلل من قدره أو علمه لا سمح الله فيسعى إلى حبسي ونحن على أبواب عيد الأضحى حينها سأكون أنا أضحيته ، صحيح يقولون في الأمثال "الحبس للجدعان" لكن ليس فى الأعياد فأمسكت قلمي ومنعته من الاسترسال في كتابة المقال. ثم فكرت فى أن أكتب منتقداً وزير الإعلام الذى يساهم مساهمة فعالة فى ارتفاع مستوى "الكليبات" كما أجاد في إغلاق القنوات الإسلامية بالضبة والمفتاح منعا لانتشار الثقافة الدينية ، ورغم أن هذا الوزير من الوزراء المرضي عنهم إلا أنني أعارضه بشدة ولا أوافقه على اختفاء "فوازير رمضان" إذ كيف يصح صيامنا دون فوازير!! . وكانت نفسي الأمارة بالسوء قد أوعزت لي كراهية غزو المسلسلات فى رمضان تلك التى لا تعطى للصائم فرصة للعبادة ولكن نفسي اللوامة نصحتني وقالت لي إبعد عن وزير الإعلام إذ أنه من خيرة رجال لجنة السياسات رضي الله عن غيرها تنبيه هام العبارة السابقة دعاء وليس تألها على الله حتى لا يعاتبني الأخ الحبيب سيف الإسلام والأخت الفاضلة العالمة المجتهدة نانسي وحين أحمر وجهي من الخوف استرسلت نفسي وقالت لي : قد يعتقد البعض إنك من المتطرفين الإرهابيين الذين يحاربون الفنون خاصة وأنني قد أطلت لحيتي وانتسبت للحركة الإسلامية ، لذلك فالبعد عن وزير الإعلام غنيمة لأمثالي ، وهنا أمسكت عن الكلام عن وزير الإعلام . ثم قلت ليس هناك أفضل من وزير الداخلية فقد حقق الرقم القياسي فى الاعتقالات وكبت الحريات وضرب الناس فى المظاهرات وإحالة المدنيين الطيبين للمحاكم العسكرية وإذا بقلبي ينبض بشدة وإذا بصوت جهوري ينبعث من داخلي قائلاً: أأنت مجنون ؟ هل وصلت بك الحماقة أن تكتب منتقداً وزير الداخلية إعقل أحسن لك ، فقلت للصوت الجهوري بصوت خائف خافت: وزير الداخلية رجل حبيب وأنا أقدر مبررات حبسه لآلاف المعتقلين وضرب الناس فى المظاهرات إذ أنني أعرف أن دمهم ثقيل على قلبه – وربنا يجعل كلامي خفيف على قلبه – أترك الشر يا فتى وغني له . ثم قلت لا يوجد أحسن من وزارة العدل فأنا محام وأعرف ما الذى يجرى فى الكواليس وقد أفزعني ما فعلته الوزارة وما لم تفعله فهي مثلا كانت تكيل بمكيالين فحين اتُهم محاميين بالاعتداء بالقول على وكيل نيابة قامت الدنيا ولم تقعد وتم التنكيل بالمحاميين وكأنهم من أولا د البطة السوداء ، وحين قام ضابط بمباحث أمن الدولة بالاعتداء الغشيم على مجموعة من وكلاء النيابة ابتسم النائب العام وأصبحت أذنه وكأنها من طين أو عجين وقال لا شيء يهم ، والمهم إن زيتنا في دقيقنا ، وحين كنت على وشك أن أتناول هذا الموضوع قالت لي نفسي وهي ترتعش : ألم تتعلم درس الشاعر فاروق جويدة عندما انتقد الفساد فى وزارة العدل فحدث له ما حدث أسكت وتعلم الحكمة من رأس الذئب الطائر. إذن ليس هناك من حل إلا أن أكتب عن تزوير الانتخابات القادمة ، أو عن وزير الثقافة الذي تم حبس كل أعوانه أما هو فقد تعود على التضحية بهم وكأنهم قفاز يخفي به يده الملوثة أو منشفة يمسح بها خطاياه ، ودفعتني نفسي أن أكتب عن كوارث حرق قصور الثقافة وسرقة اللوحات وبيع الآثار لحساب الكبار ولكنني راجعت نفسي وقلت لها لو كتبت عن هذه الأشياء فسأكتبها بلغة فجة وحادة بل سأكيل لهم الشتائم ، حينئذ لن يكون أمامي إلا أن أذهب لأجلس مع أخي مجدي حسين في زنزانة واحدة . وحين كدت أن أكتب عن رئيس الجمهورية وابنه تخيلت الأستاذ الحبيب إلى قلبي محمود سلطان وهو ينظر لي شذرا ويقول بطريقته المهذبة : هل تريد أن تغلق الحكومة موقع " المصريون " وتقطع بذلك رئة للحرية تضخ الفهم والدم في عقول وشرايين شعبنا الطيب فوافقته وكسرت قلمي . لذلك يا عزيزي هاني أبو مدان ويا كل قارىء حبيب إلى قلبي أقدم لك اعتذارا واجبا وأقول لك "نأسف لعدم الكتابة هذا الأسبوع ". elkherbawy@ yahoo.com