كتب المستشار طارق البشري ، المفكر المرموق ، والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة سابقا ، دراسة في صحيفة الشروق ، تعليقا منه على تطورات علاقة الكنيسة بالدولة في السنوات الأخيرة ، يهدف من خلالها إلى التنبيه كفقيه قانوني على وجود مسارات خاطئة للغاية ، تهدد سيادة الدولة على مواطنيها ، وأن بعض ممارسات الكنيسة الأرثوذكسية تمثل في العرف القانوني خروج صريح على الشرعية ، وقد رصد البشري أربعة مواقف رآها من الناحية القانونية البحتة تمثل دليلا واضحا على تلك المسارات الخاطئة والخطرة . الموقف الأول تمثل في رد البابا شنودة وقيادات الكنيسة على حكم المحكمة الإدارية العليا الذي ألزم البابا بمنح تصريح الزواج لمواطن مسيحي مطلق ، يقول البشري : (إن المسألة التى كانت مثارة متعلقة بزواج المطلق ليست بذات شأن فى حجمها، إنما الشأن كله فى أنها استغلت من جانب الكنيسة وهيئاتها ورجالها لإعلان الخروج على الشرعية التى تقوم عليها أجهزة الدولة المصرية وقد أعلنت جهارا بكل هيئاتها أنها لا تلتزم بأحكام القضاء ولا بأحكام لائحة المجلس الملى لسنة 1938، ولا حتى بتعديل الأنبا شنودة لها الذى أقر فيه بأنه لا تسرى أحكام التعديل إلا اعتبارا من 2 يوليو 2008، ولا بالقوانين المصرية من باب أولى، إلا إذا كانت توافق ما تراه الكنيسة ، حسب قول البطريرك فى كل حين) الموقف الثاني وهو ما يتعلق بحادثة اختفاء وحبس المواطنة "وفاء قسطنطين" ، يقول البشري : (ونحن نعرف ما حدث لوفاء قسطنطين بعد أن أشهرت إسلامها فى أواخر سنة 2008، وأسلمتها سلطات الدولة المصرية للكنيسة، وغابت وفاء من يومها عن الحياة المشاهدة فى الوطن المصرى، وألقى بها فى غياهب ما يسمى بالأديرة أو بيوت التكريس. وكلما ثار السؤال عنها يجيب البطريرك أو أحد أعوانه بقول ليس له ثان، وهو أنها مسيحية كما أثبتت ذلك أمام النيابة العامة ولم تعد ثمة مشكلة (على سبيل المثال حديث البطريرك للأستاذ عبداللطيف المناوى فى القناة الفضائية المصرية فى 27/9/2010) وإجابة البطريرك هذه هى عين ما يثير السؤال المهم وهو: هل مفاد كون المسيحى مسيحيا فى مصر أن تسيطر عليه أجهزة الأنبا شنودة فيختفى بين جدران مبانيها ولا يحق لمواطن مصرى من بعد أن يسأل عنه، لأنه بموجب مسيحيته قد صار بالحتم إلى تبعية أخرى غير التبعية المصرية العامة التى تجمع المصريين كلهم وتقوم عليها الدولة، إن هذه الإجابة السابقة تصدر عن موقف آخر بأن القبط شعب آخر يقوم عليه البطريرك وكنيسته دون سائر المصريين دولة ومواطنين) الموقف الثالث يتعلق بواقعة قتل أو شبهة قتل داخل إحدى الكنائس حيث انفردت الكنيسة بالتحقيق فيها وإصدار الحكم النهائي وإنهاء الإجراءات بدون أي اعتبار لوجود دولة ، يقول البشري : (وعلى سبيل المثال فقد نشرت صحيفة المصرى اليوم (فى 20/3/2008 ص6) خبرا مؤداه أن من تُدعى «المكرسة أغابى يوحنا» لقيت مصرعها فى أكتوبر السابق، فتقدم أهلها بشكوى أنها ماتت مقتولة بحريق عمدى بسبب اضطهاد الأسقف رئيس الدير وبعض المكرسات لها، ثم ذكرت الصحيفة: «البابا أغلق الموضوع نهائيا بعد أن حقق فيه بنفسه وتأكد أن كل ما يقال مجرد شائعات مغرضة» مشيرا إلى «أن الوفاة كانت طبيعية ونتجت عن حريق فى المطبخ». وهكذا فإن البطريرك يكون صار جهة تحقيق فى شبهة جريمة قتل لمواطنة مصرية فى دير، بما يشير إلى أن من المسيحيين فى الأديرة وبيوت التكريس من صار تحت سلطة البطريرك القضائية وليس تحت سلطة النيابة العامة التى نعرفها، وأن ما يحدث فى هذه الأماكن يستبد البطريرك وحده بالنظر فيه والتحقيق، ولو كان يتعلق بشبهة جرم جنائى بحق إحدى المواطنات) الموقف الرابع يتعلق بقضية التعداد السكاني ، وقد استعرض البشري تاريخ التعداد منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى آخر تعداد في 2006 ، وأن نسبة الأقباط تتراوح دائما حول رقم 6% من مجموع أهل مصر ، زادت إلى ما يقارب 8% أوقات الاحتلال البريطاني لأن التعداد كان يشمل جنود الاحتلال والأجانب المقيمين في مصر ، فلما رحلوا عادت النسبة لطبيعته الثابتة ، ويضيف البشري قائلا : (لكن البابا شنودة يذكر فى قناة OTV الفضائية فى 26/10/2008 «الكنيسة تعرف اعداد الأرثوذكس المصريين عن طريق كشوف الافتقاد التى تعد بمثابة تعداد داخلى لكل أسرة مسيحية بالكنيسة» ويذكر أن العدد هو 12 مليونا، ثم يقول: «نستطيع معرفة عدد شعبنا، ولا يهمنا العدد المعلن» (المصرى اليوم 27/10/2008)، وليس المهم هو الرقم المقول به، ولكن المهم هو طريقة البطريرك فى تناول الأمر بأنه يستطيع تعداد شعبه ولا يهمه «الرقم المعلن» وأن لديه أجهزة للتعداد لمن هم جزء من الشعب المصرى بمعزل عن الأجهزة المركزية ومع عدم الاعتراف بها، رغم أن قانون التعبئة والإحصاء والجهاز القومى للتعبئة والإحصاء إنما يعتبر الإحصاء والتعداد من الأمور التى لا تمارسها إلا السلطة العامة باعتبارها شأنا سياسيا لتعلقه بالشعب المصرى بعامة فى كل أنشطته وأوضاعه ويفرض عقابا جنائيا على من يمارس إحصاء عاما بشكل أهلى وبغير ترخيص من سلطة الدولة. والكنيسة بذلك وفيما يذكره تمارس شأنا للأقباط لا يتعلق بالدين ولكنه يتعلق بالمعنى الجماعى الدنيوى بحسبانهم جزءا لا يتجزأ من المصريين) ومن المهم أن نشير هنا إلى أن تلك الأقوال ليست لمثقف عام ، أو صاحب رأي سياسي ، أو قيادة حزبية ، وإنما هي رؤية أحد أهم خبراء القانون الإداري في مصر والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة سابقا. ... وللحديث بقية . [email protected]