في عدد واحد لصحيفة يومية صدرت يوم الجمعة الماضي تدعو الناس إلى شراء وحدة سكنية اخترت لكم عددا من عناوين هذه الإعلانات المغرية والممتعة..!! فقد تنوعت العناوين واختلفت ولكنها كانت جميعًا تتحدث عن ضرورة اغتنام الفرصة في "منزل أحلامك"، و"حلمت قدامك"، و"اختار الجار قبل الدار"، و"خطوتك الصح.. لمستقبل صح"، "الحق مكانك في...."، و"عش الفخامة في...."، و"أحصل على شقة الأحلام في أرقى أحياء القاهرة"، و"شقتك بحديقتك الخاصة"، و"في ال.... هانشيلك على كفوف الراحة"، و" في ال... هانشيلك على كفوف الراحة.. و"شقتك في ال... على البحر"، و"فيلا بأقل من سعر الشقة"..!! وكان هذا الكم الكبير من الإعلانات يحمل العديد من العبارات التي توحي بضرورة اغتنام الفرصة، وأن تسارع بالشراء لأن الأسعار في انخفاض والشقق في ازدياد، وسعر الفيلا أقل من سعر الشقة كما يقولون..! ولكنها شقة "الأوهام" وليست شقة "الأحلام"، فالواقع مخالف تمامًا لكل ما يذكر في هذه الإعلانات والأسعار تعجيزية، والتسليم لا يكون في الحال كما يدعون، وعليك بالانتظار عام واثنين وثلاثة وأربعة، وخلال هذه الأعوام تدفع أقساطا تلو الأخرى، والفوائد تتراكم وتتضاعف مع البنوك التي تقوم بتحويل قرض التقسيط، ودفعات الدفع متنوعة، فهذه دفعة عند التعاقد، ودفعة أخرى عند التسليم ودفعات سنوية بخلاف الأقساط الشهرية، ولا يتم الإشارة إلى هذه الدفعات بالطبع في الإعلانات، وكل ما يذكر هو الأقساط الشهرية فقط لخداع "الزبون" وجره إلى الحضور لمقر الشركة حيث وسائل الإقناع الأخرى أكثر تأثيرًا وتخديرًا..! وهو أمر محير حقًا، فرغم كل هذه المدن السكنية الجديدة، ورغم حركة العمران السكنية الممتدة شرقا وغربا، ورغم كل هذه الاستثمارات الهائلة التي تضخ في حركة العمران.. ورغم أن الأوضاع الاقتصادية متدهورة، فإن أسعار هذه الوحدات السكنية لم تنخفض، وإن كانت قد ظلت على حالها منذ عدة سنوات نتيجة لزيادة المعروض. غير أن المثير حقا هو التساؤل عن الذين يملكون القدرة على شراء هذه الوحدات السكنية الفاخرة وهذه الفيلات والقصور التي أعادتنا إلى مجتمع ما قبل الثورة وحيث كان امتلاك الفيلات والقصور مرتبطا بالثراء وبطبقة الباشوات والإقطاعيين...! فليس متصورًا أن يكون في مقدور أي موظف بالدولة مهما كان راتبه الحكومي وفقا للدرجات الوظيفية المعلنة أن يمتلك القدرة على شراء وحدة سكنية متواضعة بمليون جنيه مثلاً، لأن أي موظف في الدولة لا يمكنه أن يدخر من مرتبه طوال العمر هذا المبلغ حتى لو أدخر مرتبه كله، وكل مكافأته وحوافزه...! ومع هذه فإن هذه الوحدات السكنية تجد من يشتريها ومن يقبل على شراء شقة واثنين وثلاثة لأولاده ولأحفاده أيضًا، والفيلات تباع أسرع من الشقق.. والناس تدفع بالملالين.. وعندما أعلن عن شقق وفيلات إحدى المدن السكنية الجديدة محل الجدل الآن فقد كان هناك من ذهبوا يحملون المال في "أجولة" ويقفون في طوابير من أجل الفوز بشقة في هذا المشروع...! ولأننا بلد العجائب والمتناقضات فإن كل شيء عندنا جائز وممكن حدوثه، أن يكون هناك آلاف الشباب عاجزًا عن الحصول على غرفة، وأن يكون لدينا مدنًا سكنية تضاهي الآن في فخامتها وإمكانياتها مدن أوروبا وأمريكا وتتفوق على الكثير من مدن الخليج..! وكل ذلك قد يكون مقبولاً ويحدث في كل الدول حيث يوجد الغني ويوجد الفقير، ولكن في كل هذه الدول فإن مصدر الثروة والغنى يمكن تتبعه.. ومعرفة أصل الغنى، إلا عندنا فالأثرياء يظهرون كالنبت الشيطاني.. ولا يمكن لأي جهاز مهما كانت قوته وخبرته أن يتتبع مصدر أو مصادر ثرواتهم، أما الفقراء فعليهم أن يدفعوا الضرائب من "المنبع" وأن يحلموا "بشقة الأوهام"...! [email protected]