وسط أجواء متشائمة حول توافر أية ضمانات جدية من جانب النظام الحاكم فى مصر لنزاهة الانتخابات، يتم الإعداد خلال أيام لبدء عملية الترشيح ثم الدعاية ثم التصويت وإعلان النتائج للانتخابات البرلمانية 2010م . ولا يرجع تشاؤم المتشائمين إلى نية النظام فقط لممارسة أكبر قدر من الضغوط ثم التزوير كى لا تفوز المعارضة بحصة كبيرة من مقاعد البرلمان قد يصل إلى نفس النسبة التى حققتها فى برلمان 2005 – 2010 ولكن يمكن أن تفوقها بحيث تصل إلى ما هو فوق الثلث بما يعنى قدرتها على التأثير فى القرارات الهامة. وضع المعارضة المصرية: نخبة فكرية وسياسيون مستقلون وأحزاب سياسية وقوى معارضة وحركات احتجاجية، يشهد انقساماً شديداً بحيث بات التنسيق فيما بينها عيسراً أو صعباً . أحزاب الائتلاف الأربعة شهدت خروجاً لحزب الجبهة الديمقراطية، أحدث الأحزاب المصرية من الائتلاف بسبب إصراره على مقاطعة الانتخابات ثم أعلنت أطراف الائتلاف الثلاثة عدم قدرتها على التنسيق المشترك بين قوائمها التى بدأ الإعلان عنها (الوفد والتجمع والناصرى) . الإخوان المسلمون أعلنوا قراراهم المرتقب بعد مشاورات طويلة ، داخلية وخارجية وزيارات متتالية لشخصيات وطنية تطالب الإخوان بالاستجابة لمطلب مقاطعة الانتخابات، وكان القرار متوقعاً فى ضوء استراتيجية الإخوان الثابتة بالمشاركة فى الحياة السياسية والعامة وكافة الانتخابات العامة، لتحقيق المصالح الوطنية المشتركة وفى ضوء خطة الإخوان لللإفلات من الحصار الأمنى المفروض على نشاطها بإحكام منذ ما يزيد على 15 سنة متواصلة ولتثبيت موقفها القاضى بالتغيير وفق الوسائل السلمية الدستورية وعبر صناديق الاقتراع بما يضمن الاستقرار والأمن لمصر وشعبها ورفض أية مغامرات تقود البلاد إلى الفوضى أو المجهول. وقد أعلن الإخوان المسلمون ترحيبهم بأية مبادرات للتنسيق المشترك مع المرشحين والقوى السياسية الوطنية سواءً أكان على المستوى المركزى (الذى بات صعباً ) أو على المستوى الميدانى فى دوائر بعينها، ولذلك يرجئون إعلان القائمة النهائية للمرشحين حتى يتم ذلك التنسيق وكذلك الالتزام بالنسبة التى حددها مجلس الشورى العام ( فى حدود 30 % ) بما يعنى أن عدد المرشحين النهائى لن يصل إلى أرقام كبيرة كما كان يتوقع البعض. النظام يدفع البلاد إلى طريق مسدود، ويعطى للمغامرين حججاً قوية ويقدم للمتعجلين الذرائع المنطقية للقول بعدم جدوى سلوك الطرق الدستورية والقانونية من أجل الإصلاح والتغيير . فقد تم خلال سنوات ثلاث التراجع عن كل ما حققته المعارضة من مكاسب توجت بالإشراف القضائى التام على الانتخابات عام 2005م، وذلك بالتعديلات الدستورية الباطلة التى أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، وكان يمكن للنظام أن يقول إنه رغم عدوله عن الإشراف القضائى إلا أنه سيقرر بإرادة سياسية واضحة إجراء انتخابات نزيهة وسليمة ذات قدر معقول من المصداقية، وكان عليه أن يترجم ذلك عملياً ، إلا أنه أهدر كل الفرص خلال الانتخابات الثلاثة للمحليات ولمجلس الشورى لإثبات ذلك، بل أثبت العكس تماماً. وبذلك عادت الكرة إلى ملعب الشعب المصرى والقوى السياسية الحية المعارضة للجهاد من جديد بكل الطرق الممكنة سلمياً ودستورياً وقانونياً لحصار النظام وإجباره على التسليم بإرادة الشعب فى انتخابات حرة وسليمة. والبداية الحقيقية هى أن تنضم جهود كل القوى المعارضة بعضها إلى بعض وتتناسى ما بينها من خلافات ثانوية فى البرامج التفصيلية لتتفق جميعاً على رؤية واضحة ومحددة للخروج بالبلاد من مأزقها السياسى، ولن ينضم الشعب إلى قوى متنافرة ومنقسمة ومتناحرة انشغلت بخلافاتها الداخلية أو فيما بينها وبين بعضا البعض. لم يكتف النظام بذلك ولكنه مهّد للانتخابات القادمة بإسكات الأصوات العالية المنتقدة وذلك لإرهاب بقية الإعلاميين والصحفيين فى خطوات متلاحقة بدأت بحصار برنامج "القاهرة اليوم" ومنع بث قنوات "أوربت" من القاهرة ثم إسكات صوت إبراهيم عيسى من قناة "اون تى فى" ، ثم إخراج إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير "الدستور" وتغيير السياسة التحريرية للجريدة بعد أن انتقلت ملكيتها لملاك جدد، ثم إغلاق قنوات عددية كلها دينية "الناس، والحافظ، والخليجية، والصحة والجمال" وإنذار آخرين ومنع رسائل المحمول الإخبارية ومنع البث المباشر للفضائيات إلا بعد تجديد التراخيص .. وهكذا توالت الإجراءات ليكمم الأفواه قبل الانتخابات البرلمانية من أجل التعتيم الكامل على كل مجريات الأحداث ، وبات واضحاً أن الشهور القادمة حتى تنتهى لانتخابات الرئاسية ستكون صعبة وعسيرة ومليئة بالمفاجآت وحبلى بالأحداث والتراجعات مما يعنىتقليص هامش الحريات المتاح الآن وسيادة مناخ من الإرهاب البوليسى لملاحقة الناشطين والطلاب وكافة حركات الاحتجاج الشعبية. وقبيل الانتخابات العامة البرلمانية شهدت الجامعات المصرية حملة قمع قاسية ضد الطلاب ومنع للانتخابات الطلابية التى تمت دون منافسة بعد شطب كل المرشحين المنافسين بحيث تم تعيين الاتحادات الطلابية بالتزكية . إذن يتلخص المشهد السياسى قبيل الانتخابات البرلمانية فى الاتى: - مناخ دستورى قلّص أو ألغى الإشراف القضائى التام على الصناديق ومراكز الاقتراع. - مناخ قانونى يطارد صور الدعاية المختلفة ويمنع صور المراقبة المختلفة. - تعتيم إعلامى واضح على مجريات الأحداث الانتخابية. - انقسام سياسى بين النخب السياسية والمعارضة وسط تلاسن لا محل له . - حالة من الإحباط الشعبى بسبب موجة غلاء شديدة وتدهور فى المرافق والخدمات. أصبحت مصر أشبه بغرفة مغلقة تمتلئ بالغاز القابل للاشتعال وتوشك أن تنفجر فى أية لحظة. الأمل الوحيد فى إنقاذها يأتى بعد لطف الله بها فى صحوة شعبية حقيقية تصرّ على استخلاص البلاد من المصير الذى وصلت إليه والمنحدر الذى تسير إليه بسبب سياسات الحزب الحاكم ونخبة النظام المتحالفة مع رجال المال والأعمال. هذا الشعب الصابر على مدار القرون قادر بعون الله تعالى على النهوض من جديد ويحتاج إلى من يحفزّه على الإيجابية والمشاركة وليس على الخروج من المشهد والمقاطعة. هذا الشعب يحتاج إلى من يقوده للتغيير فى مسيرة واضحة المعالم وليس إلى من يصيبه باليأس والإحباط فيقعده عن العمل والإصلاح. هذا الشعب يحتاج إلى من يقدّم له القدوة من نفسه فى التضحية والثبات فيصبر على طول الطريق وليس فى حاجة إلى من يتكلم ويتكلم فقط ولا يثبت عند مواجهة الشدائد والصعاب. هذه الانتخابات القادمة محطة من محطات عديدة ، وليست المحطة النهائبة كما يتصور البعض. هذه الانتخابات فرصة لإحياء روح الإيجابية والمشاركة فى صفوف الشعب من أجل فرض إرادته الحرة ضد تسلط النظام. هذه الانتخابات القادمة فرصة لمواجهة التسلط البوليسى والإرهاب الحكومى بالإصرار والعزيمة والاشتباك السلمى من أجل انتزاع ضمانات نزاهة الانتخابات. لقد واجه المصريون من قبل فى انتخابات برلمانية سابقة فى أعوام 1976، 1979 ، 1984، 1987 ، 2000 نفس الظروف واستطاعوا أن ينتزعوا مقاعد للمعارضة الحقيقية التى أقلقت النظام دون إشراف كامل للقضاء، وفى نفس الظروف الإعلامية والقانونية والسياسية. تستطيع مصر فى هذه الانتخابات أن تثبت للعصبة الفاسدة والمفسدة أن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الشعب لن يتسول ضمانات حياد الانتخابات وأن إصرار القوى الحية على المشاركة هو إصرارها على منع التزوير وتزييف إرادة الناخبين، وهذه هى المعركة الحقيقية ، وليس مجرد كشف فساد النظام أو فضحه أمام العالم، يجب أن يسعى شعب مصر بكل قوة لمنع التزوير وإبطال النتائج المترتبة عليه لنعطى الأجيال القادمة أملاً فى انتخابات حرّة يحققها هو بإرادته الحرّة.