(مهنة المذيعين الان في مصر ما عادت تلك المهنة التي لها خصوصيتها وتفردُها وحرمتها ، الان هي مهنة مهانة بعد ان جعلوها مستباحه لمن هب ودب ، لم تعد سيدة الدار والقصر كما كانت ، لم تعد المصونة في بيت عفتها ، بل اصبحت تذهب الى البيوت والمكاتب حسب الطلب . مهنة المذيعين في مصر التي كانت سيدة مصونة اصبحت الان خادمة في بلاط الصحافة المكتوبة ، اصبحت الخليلة والعشيقة لكتاب المقالات ، ولم ترتقي حتى لتكون الزوجة الثانية مكسورة الجناح . الهوان الذي حدث لهذه المهنة جاء على مراحل كان اخطرها افتتاح المحطات الخاصة في مصر خصوصا "دريم والمحور " اللتين كانتا في احتياج الى مذيعين والموجود في مصرلا يكفي او يكفي فقط للتلفزيون الحكومي ، اضف الى ذلك موقف بعض المديرين الذين منعوا العمل في هذه القنوات واقالوا بعض من كسر الاوامر بالفعل ،من هنا لم يكن امام مسئولي القناتين الا الاستعانة بكتاب المقالات في الصحافة المكتوبة . وهنا اريد ان اوضح بل وأؤكد على شيء انني لست على الاطلاق ضد هذا الانتقال من الصحافة المكتوبة الى العمل في التلفزيون كمذيعين ومقدمي برامج ولكن بشروط وعبر خطوات تأهيلية ، لان منطق العقلاء المفقود الان يؤكد ان لكل مهنة خصوصيتها وشروطها ومتطلباتها واسرارها وقواعدها التي ان سقطت تسقط معها المهنة كليا ونصبح امام مسخ اخر وهو الموجود الان ،خليط من الردح وحوار المقاهي و"االلت والعجن والهبل ". اعود مرة اخرى واقول نحن لسنا ضد ان ينتقلوا ويقدموا برامج ولكن فليخضعوا لدورات تدريبية لا انتقاصا من معرفتهم او عبقريتهم ولكن لان تقنية وميكانيزم واسرار العمل في الصحافة المكتوبة او كتابة مقال تختلف تماما عن ان اضعك اما ميكروفون وكاميرا وتتحدث مع ملايين ، فانت معك كامل الحرية لتكتب مقال ، تكتبه وانت نايم وانت واقف ، تكمله على يومين ، انت حر ، لكن العمل امام الكاميرا له حساسيته وخطورته خصوصا اذا كان البرنامج مباشر لانه ببساطة عمل لا يحتمل الخطأ وهو شعار هذه المهنة . فهذه الدورات التحضيرية تُعرف هؤلاء الطموحين على ما يقال ومالا يقال ، ؟ متى ادلي بوجهة نظري كمقدم ان كان يحق لي ان ادلي بذلك ؟ متى اتدخل مع الضيف ؟ ماهي حدودي ؟ هل انا صانع سئوال ام عالم بظواهر الامور وبواطنها اكثر من الضيف الذي معي ؟ وان كنت عالما بالظاهر والخافي في القضية المطروحة لماذا ااحضرت الضيف وكبدته تلك المشقة ؟كيف يجلس امام الكاميرا ؟ كيف يستخدم يديه واصابعه " بدل الفضايح التي تأتي من حركة الاصابع واليدين "؟ سيقول البعض القضية قديمة حين قدم الاستاذ "مفيد فوزي " برنامج حديث المدينة ونجح الرجل وقتها ؟ اقول حين جاء الاستاذ مفيد فوزي ليقدم ذلك البرنامج نقل التحقيق الصحفي الذي كان يُكتب في الصحافة المكتوبة بكل خصوصيته الى التلفزيون، أي انه جعله تحقيقا مرئيا ، وجاء باسلوبه كشخص يعمل في الصحافة المكتوبة اعتزازا بما يعرفه واحتراما لخصوصية البيت الجديد الذي يدخله ، فكان في برنامجه " حديث المدينة " يضع مقدمة تشويقية قبل سئوال الضيف كأن يقول مثلا" كثر الحديث عن كذا وكذا لذا اسمحوا لي ان نذهب الى المسئول الفلاني ونسأله ........ثم نرى المسئول يجيب . لم ياتي الاستاذ مفيد فوزي مباشرة ليجلس ويحاور ضيف في استوديوا ليزود لنا جرعة البرامج الحوارية التي اصبحت التلفزيونات المصرية حكومية ً وخاصةً تعج بها في اطار سياسية "أملى الهواء ، عبي " ماحدش فاهم حاجة ". بالتالي مرحلة مفيد فوزي كانت مرحلة صحية لم تبغي مهنةُ على الاخرى لتستوجب ان نقاتل التي تبغي . مرت بعد ذلك ظواهر قليلة،فقد كان يتم الاستعانة بواحد من الصحافة المكتوبة يجيد طرح الاسئلة ليجلس بجوار احدى المذيعات الجميلات لمحاورة فنان او فنانة .وهذه كانت حالة مقبولة ،كلُ ُ يعرف دوره، هناك مذيعه تتحمل مسئولية الهوا، يعني نعرف نحاسبها لو غلطت، وهناك ضيف برتبة خبير، واعتقد هذا الدور لعبه الصحفي مصطفى يسن ، قبل ان يقدم برامج فيما بعد بمفرده طبعا . ثم ظهر بعض الاطباء الذين اُستعين بهم لتقديم برامج طبية وهذا كان مقبولا جدا تبعا لطبيعة المادة التي تُقدم ،وهناك قنوات اكثر احترافية جعلت الطبيب يقدم بحضور مذيع او مذيعة . ثم ظهر محمود سعد بتقديمه برنامج حواري على دريم" مع الفنانين ثم استعانت به قناة ام ب سي ونجح الرجل باسلوبه وبساطتة وتلقائيته ولم يدعي الرجلُ شيئا اكثر من ذلك وهو من النجوم الكبار الان . لكن لما كُسرت الاسوار وضاعت الحدود واصبحت القنوات الخاصة تُلقي بمسئولية الهواء الى منْ لا تملك ان تحاسبه ان أخطأ ، وقتها شعرنا بالخطر على المهنة العزيزة التي شكلت وجدان الناس على مدار سنين طويله وكان لها فرسانها وروادها ، المهنة التي ما كان لشخص ان يدخل بلاطها بتلك السهولة المهينة الان ، كان هناك اعلان ثم اختبارات شديدة القسوة قد تصل الى ستة اشهر ثم من يُقبل يدخل مباشرة الى معهد الاذاعة والتلفزيون "زمان "يخضع لكم من الدورات التي تجعله على معرفة حقيقية بهذه المهنة ، ثم يتم توزيعه على احدى القنوات او الاذاعات ويخضع لفترة تدريب تطول او تقل ثم يُسمح له بتقدم البرامج المسجلة فقط، وبعد سنوات طويلة واختبارات اكثر يسمح له بتحمل مسئولية الهوا يعني يقدم برامج مباشرة . ولا انفي ابدا ان هناك من دخل بلاطها بالواسطة والمحسوبية والرشى ايضا، لكن محسوبية الان اخطر لانها تُدخل مَن لا يستحق الى الكاميرا مباشرة ،اما زمان كانت الواسطة تدخله ليخضع لدورات واختبارات تجعله يعرف ما يجنبه الكوارث والفضايح . انني بهذا المقال البسيط استجير باسم هذه المهنة العزيزة من الفهلوية ومن اصحاب القرش في مصر "المعلنيين والرأسماليين الجدد " ومن الدخلاء على المهنة ومن الاشباه الذين دخلوا بلاط المهنة باحذيتهم فأساءوا اليها واساءوا لانفسهم ولبلدهم ولبلاد اخرى شقيقة ، وكلنا نذكر الازمة التي وقعت بين مصر والجزائر واقصد هنا الجزء الذي يتعلق بمسئولية مقدمي البرامج الذين خلطوا بين وجهة نظرهم الشخصية وبين ما يجب ان تكون عليه المهنة من نزاهة تتأتى من كون المقدم او المذيع وسيطا بين ما يُطرح وبين المشاهد ، لانهم لا يعرفون ضوابط المهنة تسرعوا رغبة في أن يكونوا ابطالا فغازلوا ومالقوا المشاهد فكادوا ان يسببوا حربا بين بلدين . اقول استعينوا بمن تشاءون شريطة اخضاعهم لدورات تُعرفهم على طبيعة واصول المهنة .وان كان ولا بد اسمحوا لهم فقط بتقديم البرامج المسجلة أولا حتى يمكن تجنب المشاكل والفضايح في مرحلة المونتاج ، ثم ان اثبتوا جدارتهم وعرفوا ما يجب ان يُعرف عن هذه المهنة اسمحوا لهم بتقديم البرامج المباشرة ، ولا تعطوا مسئولية تقديم برامج مباشرة لمن يظهر لاول مرة على الكاميرا، رحمة بانفسكم وبالمشاهدين وببلد كبير اسمه مصر وبمذيعي مصر .