روسيا وأمريكا وجهان لعملة واحدة اسمها المصالح، وليس المبادئ. مثلما أن أمريكا ليس لها حليف أو صديق إنما مصالحها تعلو ولا يُعلى عليها فإن روسيا كذلك. في اللحظة الحاسمة تتخلى واشنطن عمن يسقط من حلفائها مهما كانت خدماته لها، وقبل اللحظة الحاسمة تهرب روسيا تاركة حليفها يواجه مصيره بنفسه. في الوقائع الحاضرة الدالة في هذا الشأن أن أمريكا خذلت حليفتها الوثيقة السعودية مرتين في الوقت نفسه عندما تراجعت عن ضربة سريعة ومحدودة للأسد لاستخدامه الكيماوي، وعندما فتحت خطا من الحوار مع عدوتها إيران، وكانت السعودية تتعجل تلك الضربة لعلها تساهم في إضعاف الأسد ومرتزقته لتسهيل إسقاطه، وهي لا تريد تقاربا أمريكيا إيرانيا على حسابها باعتبار أن إيران المهدد الأول للنفوذ السعودي بالمنطقة. وأما موسكو فبمجرد أن لوّح أوباما بالضربة العسكرية فإن سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا والوصي الدبلوماسي على سوريا في المحافل الدولية أكد أن بلاده لن تتدخل في الحرب، فورا خذل الحليف حليفه، قال له دافع عن نفسك، لن نقاتل من أجلك، وفي الماضي القريب تخلت روسيا عن حليفها القذافي حتى سقط نظامه وقُتل، كما تخلت سابقا عن حليفها صدام حسين حتى احتُلت بغداد. لا يسعدني استبدال تبعية بأخرى وكلاهما أسوأ من بعضها. لكن يسعدني الندية في التعامل وتغليب المصالح. ولكن الندية مفتقدة طالما نأكل مما لا نزرع، ونلبس مما لا ننتج، و نكنز مما لا نصدر. وحالة مصر اليوم لا تؤهلها للعب أي دور متكافئ، لا مع الأمريكان ولا مع الروس فلكل دولة منهما مطالب ومطامع فينا مقابل الدعم والمساندة. وفي عهد عبد الناصر كانت مصر حليفا وثيقا للاتحاد السوفيتي الذي انتهى بالسقوط والزوال وورثته روسيا بوجهه القمعي فلا هي تشجع ديمقراطية ولا تدافع عن حرية ولا حقوق إنسان لأنها تفتقد هذه القيم وتخاصمها والحكم هناك تبادل أدوار بين اثنين: بوتين وميدفيدف، وقد انتهى التحالف بهزيمة لمصر وللعرب ولعبد الناصر في عام 1967. وانتقلت مصر مع السادات إلى التبعية لأمريكا وطوال أكثر من 35 عاما لم تتحرك مصر للأمام على طريق التنمية والإصلاح السياسي الديمقراطي ودعمت أمريكا الديكتاتور مبارك ولم تأخذ موقفا منه إلا عندما تحرك الشعب في 25 يناير فسعت لركوب موجة الثورة متخلية عن حليفها. هل هناك طريق ثالث للنهضة دون السير وراء أمريكاوروسيا؟!. نعم، هو طريق البلدان التي حققت نهضة حقيقية بسواعدها ومواردها مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند وإندونيسيا وغيرها حتى باتت هذه النمور الاقتصادية والديمقراطيات الناشئة تفرض نفسها على القطب الأعظم أمريكا وعلى روسيا التي تريد استعادة قطبية الاتحاد السوفيتي. الطريق الثالث لا يعني مخاصمة هاتين القوتين، ولا أي قوى أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين، إنما الاعتماد على الذات مع البحث عن المصالح في العلاقات معها ومع غيرها لأن مفاتيح التقدم في حوزتها. لكن لن يحترمنا العالم وأباطرته إلا إذا كنا جادين فعلا في بناء نموذج تنموي مازلنا نفتقده طوال أكثر من 60 عاما وكذلك بناء نموذج ديمقراطي تعددي منفتح متسامح لا نبذ ولا إقصاء فيه لا أحد، ولا صنع لفرعون جديد. الاثنان يجب أن يسيرا بالتوازي: تنمية وديمقراطية، ولو كان مبارك قد سار على هذا النهج لكان في أعوامه الثلاثين في الحكم قد بنى في مصر نموذجا يقود الشرق الأوسط إلى الأمام، لكن لم تكن لديه إرادة، كما أن الديكتاتوريات لا تريد لمصر أن تخرج من حزام الاستبداد العربي وتتقدم ولو خطوة واحدة لأن إشعاع مصر سيكون مهددا لها بسبب انتقال عدوى الحرية إلى شعوبها وبلدانها، لذلك تسعى بكل جهد لإجهاض ثورة 25 يناير وإدخال مصر في دوامة من التخبط والارتباك وأحد مظاهره الانتقال من أمريكا إلى روسيا أو حتى التلويح به، إنه الانتقال من سيئ، إلى سيئ، مالم يكن أسوأ. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.