تصاعدت سرعة ايقاع الحياة العصرية إلى الحد الذى بدات لاهثة، ما ادى لاندثار عادات وتقاليد بل وقيم موروثة كانت سائدة الى عهد قريب، ولم يقتصر ذلك التغيير في نمط الحياة على المدن بل امتد إلى القرى والنجوع ليقلب حياة القرويين فيها رأس على عقب، لقد طالت تلك التغيرات ملابس الشباب وقصات شعرهم وطرق الاحتفال بالأفراح، وصار من المعتاد ان ترى اطفال القرية وهم يتزاحمون امام السوبر ماركت ليشترون "اللانشون" و"الشيبس" و"الكوكولا" بما جعل اسلوب الحياة في القرى في جانبها الاستهلاكي لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في مدن أوربا وامريكا، كلما شاهد تلك التغيرات التي لحقت بالقرىاتذكر جملة قراتها منذ ما يزيد على العشر سنوات، جملة معبرة خطها الدكتور السيد يس في كتابه العولمة والعالمية تقول: "حتى القرويين السذج اقتلعتهم العولمة من جذورهم ورمت بهم في خضم الفلكية"، رغم كل تلك التغيرات "الشكلية" لازالت ثقافة التواكلتنشب مخالبهافي الوجدان الشعبي، ويقصد بثقافة التواكل كل ما يردده عامة الناس من أمثال شعبية وأغاني فلكلورية، وآيات قرانيه واحاديث نبوية يفهمونها على نحو مغلوط ومضللمما يؤدى إلى ترك الاخذ بالأسباب من جد وعمل او التراخي في ذلك إتكاءً على اعتقاد زائف بأن الانسان لن يفوته ما له من رزق او تفوق او نجاح مهما تقاعس او اهمل فيالسعي الحثيث باتجاهه والعمل بجد واخلاص لأجلهبما جعلها لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في مدن أوربا وامريكا ولثقافة التواكل مساوئ لا تخطئها عين، ذلك انها تفضى إلىالسلبية واللامبالاة ونقص الجدية في العمل والافتقار للهمة والنشاط في تحصيل العلم، والتراخيفي طلب الرزق، والرضى بالحد الادنى من متطلبات الحياة الأساسية،مما يؤدى لتدنى مستوى جودة الحياه وتدنى نصيب الفرد والاسرة من الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية مما يفضى حتما لإعادة إنتاج ثقافة التواكل ومساوئها بشكل دوري متتالي وتتغذى ثقافة التواكل من روافد ثقافية ضاربة بجذورها في الثقافة العربية الاسلامية، فهيتستند على العديد من الأمثال الشعبية ذات النفوذ والتأثير القوى على الاسماع والتي يرددها العامة لتبرير تقاعسهم وخيبتهم، ومن هذه الأمثال "اجرى يا بنى ادم جرى الوحوش غير رزقك ما تحوش"، "اللى حبه ربه و اختاره جاب له حاجته حتى باب داره"، " الدكان جنب الدكان والرزق على الله"؛ هذه الأمثال وغيرها ربما تؤدى وظيفة اجتماعية ايجابية لدى البعض مثل الدعوة لتخفيف حد الصراع على جمع الثروة، وعدم اللجوء لأساليب غير مشروعة وغير أخلاقية لتحقيق مكاسب شخصية بيد انها تؤدى لدى البعض الاخر ممن لديهم استعداد لذلك إلى التقاعس والتراخي في طلب العلم وتحصيل الرزق وتتغذى ثقافة التواكل ايضا على الفهم المغلوط لبعض الآيات القرآنية مثل: "(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ"،"بل تؤثرون الحياةالدنياوالآخرة خيروأبقى"،"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة "؛ كما تستند ثقافة التواكل ايضا على الفهم المضلل لبعض الاحاديث النبوية مثل:(ازهد في الدنيا يحبّك الله، وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس)،(كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل)، (الدنيا سِجن المؤمن، وجنة الكافرِ)، (اطلعتُ في الجنة فرأيتُ اكثر أهلها الفقراء)؛وهى آيات وأحاديث في تفسيرها الصحيح تحض بالأساس على ألا يكون كل هم الانسان واهتمامه ونهاية مراده هو الدنيا، بحيث لا يسعى فيها وإليها سعيا محموما يجعله يدوس في طريقة كل ما يعترضه من مبادئ وقيم سامية، كما تنبه تلك الآيات والأحاديث إلى ان الاموال والاولاد فتنة واختبار للإنسان هل سيستخدمهما في الخير واعمار الأرض ام يستخدمهما في التخريب والتعالي والافساد والاغراق في التلذذ بالشهوات على أيا حال، ان تفشى ثقافة التواكل فيبعض قطاعات المجتمع العربي بات امرا واقعا، وهذا يتطلب مواجهة تربوية ثقافية دينية، من خلال قيام علماء الدين بتقديم تأويلات عقلية واضحة لا تحتمل اللبس لتلك الآياتالقرآنية والاحاديث النبوية التي يتخذها مروجيومستهلكي ثقافة التواكل تكأة يبررون بها تقاعسهم عن الكد والعرق، وذلك بما ينزع الغطاء العقدي عنها ويزيل الالتباس والفهم المغلوط لمعنى ومضمون "التوكل على الله" وقطع اى خيوط واهية بينه وبين "التواكل" الذى مثل "ميكروب" ثقافي ممرض على مدار التاريخ، وأزعم انه ذلك الميكروب الثقافي كان احد الاسباب فيالكثير من الهزائم والإخفاقات والخسائر الفردية والمجتمعية التي ألمت بالكثيرين في المجتمعات العربية ومن ناحية اخرى، يتعين على وسائل الاعلام ووسائط التربية ان تنهض بدورها في المواجهة الجسورة لتلك الثقافة المدمرة، والعمل على محاصرتها بنشر وترسيخ الامثال الشعبية، والآياتالقرآنية والاحاديث النبوية التيتحث على تحصيل العلم، وتدعوا إلى الجد فيالعمل واتقانه، مع التركيز على كشف مساوئثقافة التواكل الرديئة والتنبيه لتبعاتها السلبية على الفرد والمجتمع
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.