دلالات إدراج 25 جامعة مصرية ضمن تصنيف شنغهاي للتخصصات العلمية    وزير الرياضة يطمئن على وفد مصر في البرازيل بعد حريق بمقر مؤتمر المناخ    خلال مؤتمر صحفى مشترك للرئيسين |السيسى: علاقات مصر وكوريا نموذج للتعاون الاقتصادى    مؤشرات الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع بدعم نتائج إنفيديا    مستوطنون يشعلون النار فى مستودع للسيارات بحوارة جنوبى نابلس    ستارمر يستعد لزيارة الصين ولندن تقترب من الموافقة على السفارة الجديدة بدعم استخباراتي    السلطات الأوكرانية: هجوم روسي على زابوريجيا يسفر عن مقتل خمسة أشخاص    البيت الأبيض: ترامب يصدر أمرًا لتعديل الرسوم الجمركية المفروضة على البرازيل    أمين عام مجلس التعاون الخليجي يستنكر التصعيد الإسرائيلي في سوريا    مصطفى بكري يكشف تفاصيل سرقة الإخوان لنصف مليار دولار من تبرعات غزة(فيديو)    البيت الأبيض: لم نكن على علم بلقاء سفير أمريكا لدى إسرائيل مع جاسوس مدان    ضياء السيد ل dmc: الرياضة المصرية بحاجة لمتابعة دقيقة من الدولة    ستاد المحور: جلسة مرتقبة في الزمالك لتجديد عقد عمر عبد العزيز    ستاد المحور: الاتحاد السكندري يقترب من استعارة يوسف أوباما من بيراميدز في الميركاتو الشتوي    دعما للمنتخبات الوطنية.. وزير الرياضة يلتقي هاني أبو ريدة في مقر اتحاد الكرة    "عائدون إلى البيت".. قميص خاص لمباراة برشلونة الأولى على كامب نو    أبوريدة: استراتيجية التطوير الجديدة تمكن المواهب في كل المحافظات    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للإنقاذ وسط إشادة دولية بالتنظيم    مسار يقتحم المربع الذهبي لدوري المحترفين بعد الفوز على المالية    مصرع 4 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    مصرع شخص وضبط 2 آخرين في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بقنا    أشرف زكى يشيد بحفاوة استقبال سفير مصر فى عمان خلال مشاركته بمهرجان الخليج    نقابة المهن التمثيلية تحذر من انتحال اسم مسلسل كلهم بيحبوا مودى    شريهان أبو الحسن تفوز بجائزة أفضل مذيعة منوعات عن برنامج ست ستات على قناة DMC    محمد صبحي ينفي علاجه على نفقة الدولة: «ماكنتش هقبل» | فيديو    تطعيم 352 ألف طفل خلال الأسبوع الأول لحملة ضد الحصبة بأسوان    عرض "الملك لير" ل يحيى الفخراني في افتتاح مهرجان أيام قرطاج المسرحية    قوات الاحتلال تتوغل في قرية الصمدانية الغربية بريف القنيطرة بسوريا    تطعيم 352 ألف طفل خلال الأسبوع الأول لحملة ضد الحصبة بأسوان    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن رسميا انطلاق التصويت بالخارج من دولة نيوزيلندا    هل تؤثر عدم زيارة المدينة على صحة العمرة؟ أمين الفتوى يُجيب(فيديو)    هل يوجد عذاب للقبر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    ثلث القيمة يختفى فى أسابيع |انهيار قياسى للعملات المشفرة    حقيقة إلغاء انتخابات مجلس النواب وتأجيلها عام كامل؟.. مصطفى بكري يكشف الحقائق    احتفالية مستشفى الناس بحضور سفراء ونجوم المجتمع.. أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط "صور"    أطعمة تعيد التوازن لأمعائك وتحسن الهضم    «سمات روايات الأطفال.. مؤتمر مركز بحوث أدب الطفل تناقش آفاق فهم البنية السردية وصور الفقد والبطل والفتاة في أدب اليافع    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    الوكيل: تركيب وعاء أول مفاعل نووي ينقل مشروع الضبعة من مرحلة الإنشاءات إلى التركيبات    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    تعفن الدماغ.. دراسة تكشف علاقة مشاهدة الريلز باضطراب التركيز والذاكرة    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    الجبهة الوطنية يكلف عبد الظاهر بتسيير أعمال أمانة الجيزة عقب استقالة الدالي    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    نائب وزير الخارجية يجدد دعوة أبناء مصر بالخارج للتوجه إلى صناديق الاقتراع    جامعة بنها تحافظ على مكانتها ضمن أفضل الجامعات عالميًا في تصنيف التايمز للتخصصات البينية 2026    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيحيو مصر.. الهروب إلى الهاوية (2)
نشر في المصريون يوم 28 - 09 - 2010

ظل الحديث عن عزلة المسيحي عن المجتمع وعن المجال السياسي تتردد، ولكن القضية ليست مجرد حالة عزلة أو سلبية، مثل تلك الحالة التي أصابت غالب الجماعة المصرية، فحالة العزلة قد تكون مجرد سلبية، وقد تكون محاولة للفصل والتمييز وإقامة الجدران العازلة. وتلك تصبح مشكلة أخرى، فالجماعة المسيحية في مصر، منذ بداية مرحلة الإحياء الديني في مصر في سبعينات القرن العشرين، وهي تبني وجودها الاجتماعي داخل أسوار عازلة، تمنع تفاعلها الحر والتلقائي مع محيطها. ويكمن القول: أن مرحلة الإحياء الديني المسيحي قد بدأت في مرحلة الستينات، بصورة أوضح من الإحياء الإسلامي، ومع هذه البدايات كانت الجماعة المسيحية تبني لها وعيا خاصا وموقفا خاصا بها، وتشكل حالة منفصلة عن المجتمع.
والمشاهد لما حدث، يدرك أن حالة الإحياء المسيحي داخل الجماعة المسيحية قد بدأت قبل أحداث العنف الديني، ولم تكن نتاجا لمواجهات حدثت بين المسلمين والمسيحيين، بقدر ما كانت نتاجا لدخول الجماعة المصرية كلها، وربما المنطقة العربية والإسلامية، مرحلة الإحياء الديني. وعندما بدأت تتشكل ملامح الحراك الديني المسيحي، ظهرت الحركات والأنشطة التي تستقطب المسيحيين إليها، وتقيم الجماعة المسيحية الخالصة النشطة. وهنا بدأت المشكلة تتبلور في بناء حالة خاصة، ليست لها علاقة بالمجتمع، ولا تتفاعل معه، بل تبني لنفسها مجتمعها الخاص.
لم يكن خطاب الإحياء المسيحي مدركا لما يمر به المجتمع، ولم يكن يؤسس لعلاقة المسيحي بالمجتمع، ولا بدور حالة الإحياء المسيحي في المجتمع المصري، بقدر ما كان خطاب الإحياء المسيحي يبني حالة مسيحية خاصة، تقوم على هوية الجماعة المسيحية. فغابت أسس العلاقة مع المجتمع، ومعها غابت الهوية المشتركة، وبدأت أزمة الجماعة المسيحية مع الهوية العربية والإسلامية. وبدأت الجماعة المسيحية تتكلم عن أحوال الطائفة، وخصائص الطائفة، ومجتمع الآخرين الذي يحيط بالجماعة المسيحية. ولا يمكن القول أن حالة الجماعة المسيحية كانت رد فعل، ولكنها كانت فعلا يتفاعل مع ما يحدث حوله، ويسير في مساره الخاص.
لذا ظهرت مبكرا حالة بناء وعي جماعة الأقلية العددية في مواجهة الكثرة، وهي حالة تبنى على فرضية الاضطهاد التاريخي، وتثير الحمية الدينية مع الحمية الطائفية، وتبني بهذا جدارا عازلا بين الضحية المفترض والجاني المفترض. والناظر إلى صعود الحركة الإسلامية منذ سبعينات القرن العشرين، ودور الرئيس أنور السادات، يجد أن كل هذه الخطوط كانت متوازية، ولم يكن بعضها فعلا والبعض الآخر رد فعل عليه. فقد كانت الجماعة المسيحية تدخل في مرحلة إحياء ديني منذ أواسط الستينات، وتبني لنفسها هوية منفصلة، وتشكل قناعة تقوم على الشعور بالاضطهاد التاريخي، وتبدأ مرحلة الدخول في المواجهة.
ومنذ وقت مبكر تظهر قضية عدد المسيحيين في مصر، وعندما تبدأ مرحلة العد والإحصاء، تبدأ مرحلة البحث عن حقوق الطائفة، ومعها يبدأ الحديث عن خطورة تنظيم الأسرة على الجماعة الأقل عددا، ويتزايد الاهتمام بتنمية عدد الجماعة وتضخيم هذا العدد، لأن البحث أصبح جاريا عن حقوق طائفة. ولكن هوية الطائفة لا تغيب عن كل تلك المواقف، فالجماعة المسيحية أسست وضعها باعتبارها الجماعة المصرية الأصلية والممتدة بدون انقطاع تاريخي، وبهذا تعود مسألة الهوية، ففي الهوية المصرية ترى الجماعة المسيحية أن لها ميزة تاريخية، أما في الهوية العربية والإسلامية، فتغيب هذه الميزة. ولكن المشكلة ليست فقط في مسمى الهوية، ولكن المشكلة الأكبر في البحث عن التميز الفعلي، ثقافيا واجتماعيا وحضاريا، فالجماعة المسيحية وهي تشكل تلك الحالة من الوعي، كانت تبني لنفسها تصورا مختلفا عن تصورها للآخر، بحيث تصبح مميزة عن الآخر، بصورة تمنع من ذوبان الطائفة في الوطن، بعد أن أصبحت الطائفة هي الوطن البديل، وربما الوطن الأصلي.
يمكن بالطبع البحث عن أثر أحداث العنف التي وجهت نحو المسيحيين، وقد كان لها أثرا بالفعل. ولكن المشكلة إذا تعلقت بأحداث عنف ترتكب في حق الجماعة المسيحية أو أي فرد منها، فإن المشكلة نفسها تنتهي إذا انتهت تلك الأحداث. ولكن إذا صورت أحداث العنف على أنها موجهة من جماعة الأغلبية الكارهة والمعادية لجماعة الأقلية العددية، فإن الصورة تختلف. لأن مع انتهاء أحداث العنف، نجد أن أثرها يظل مستمرا. والغالب في ما يطرح من تصورات داخل الجماعة المسيحية، هو النظر إلى الجماعة الأقل عددا باعتبار أنها ليست الفاعل الأصلي، وأن كل ما تقوم به هو رد فعل. ولكن المتابع لما يحدث في الظواهر الاجتماعية، يدرك أنه لا توجد جماعة كل سلوكها رد فعل، ولا توجد جماعة كل سلوكها فعل، حتى وإن كانت جماعة الأكثرية العددية.
يمكن القول أن رد فعل الجماعة المسيحية على حادثة موجهة ضدهم، يمكن تجاوزه بقدر ما يمكن علاج أسباب أحداث العنف، ولكن فعل الجماعة المسيحية وقرارها الذاتي الخاص بفصل هويتها عن المجتمع، والمحافظة على حالة التميز عن المجتمع، لا يمكن معالجتها إلا بقرار آخر من الجماعة المسيحية، أو المؤسسة الكنيسة التي ترعى مشروع الطائفة السياسية، أو الوطن البديل. فلا يمكن إقامة سلم اجتماعي في مصر، والجماعة المسيحية ترى أنها تختلف عن أغلب المجتمع، وأنها أفضل من الأغلبية العددية، وأنها مهددة بالفناء من قبل الأغلبية، وأنها تمثل الهوية الأصلية للمجتمع المصري، وترى أن الأغلبية العددية، وهي الجماعة المسلمة، غرباء عن أرض مصر. فالقناعة التي تتشكل على مدار عقود داخل جماعة تغلق أبوابها على نفسها، وتحتمي داخل مؤسستها الخاصة، أي مؤسسة المسيحية والطائفة معا، وهي الكنيسة، يصعب أن تتفكك، حتى وإن لم يعد لها سند أو سبب في الواقع.
والجماعة المسيحية مثل أي جماعة قليلة العدد في أي مجتمع، تحقق لنفسها الحماية من خلال اندماجها في المجتمع والتحامها معه. فمن خلال التضامن الاجتماعي والتعاضد والتراحم، يتأسس المجتمع المترابط. وفي المجتمع المصري، مثل المجتمعات العربية والإسلامية، يسود نمط المجتمع الشرقي المتدين المحافظ، وهو النموذج الذي يحقق المجتمع المتراحم، والذي ضم غير المسلم، وضم العديد من الأعراق والطوائف والمذاهب والأديان. فنموذج الترابط بين المسلم والمسيحي، يقوم أساسا على الاندماج والتعايش الاجتماعي، والذي يستند لقيم العيش المشترك التي تأسست في مصر. ولكن تلك الحالة لا يمكن استعادتها من خلف الجدران، ولا يمكن تحقيق تعايش عابر للأسوار. خاصة وأن التعايش يقوم أساسا على تعظيم المشترك، فقيم العيش المشترك، هي القيم الاجتماعية التي تميز المجتمع المصري، وتمثل قواعد التصرف والسلوك الاجتماعي. ولكن بناء الأسوار العالية، والبحث عن التميز، يفشل أي محالة لاستعادة قيم العيش المشترك. ورغم أن مصلحة الجماعة المسيحية ترتبط باستعادة قيم العيش المشترك، إلا أن الجماعة المسيحية مازالت تشيد أسوارها العالية، وتجعل من أسوار الكنيسة حالة تتمدد في وعيها الجمعي، فتجعل الجماعة المسيحية، جماعة خلف الأسوار. وهو ما يعرقل استعادة قيم العيش المشترك، ويعرض الجماعة المسيحية للخطر.
وإلى المقال القادم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.