نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب 2025 في القاهرة    الأكاديمية الوطنية للتدريب تختتم أول برنامج من نوعه لأعضاء الشيوخ    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025.. تحديث لحظى    الفراولة المجمدة تتصدر قائمة السلع الغذائية المصدّرة في 2025 بنمو قياسي 81%    كامل الوزير يصدر قرارا بتعيين 3 أعضاء بغرفة الصناعات المعدنية    بوتين: الخطة الأوروبية بشأن أوكرانيا غير مقبولة لروسيا    بوتين: إذا بدأت أوروبا حربا ضد روسيا فلن تجد موسكو قريبا "من تتفاوض معه"    كأس العرب| منتخب الكويت يسجل التقدم في مرمى مصر    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    المتحف المصري يستضيف رحلة فنية عالمية تربط التراث بالإبداع المعاصر    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    موعد مباريات الجولة الأولى من بطولة كأس عاصمة مصر 2025-2026    ريال مدريد يعلن تفاصيل إصابة فيرلاند ميندي.. وتقارير توضح موعد عودته    إبراهيم حسن: منتخب مصر يخوض تدريبه الأول غدًا بمشروع الهدف    مدير تعليم دمياط يتفقد «المنتزة» و«عمر بن الخطاب».. ويشدد على الانضباط    تعرف على تفاصيل حالة الطقس في مصر خلال ال 7 الأيام القادمة    محافظ الغربية يعقد اجتماعًا مع شركة "تراست" لمتابعة تشغيل النقل الداخلي بمدينتي طنطا والمحلة    التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    3 عروض مصرية.. 16 عملا تأهلت للدورة 16 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة    مدير معرض القاهرة للكتاب يكشف تفاصيل الدورة ال57: قرعة علنية وشعار جديد لنجيب محفوظ    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    المبعوثة الأمريكية تجري محادثات في إسرائيل حول لبنان    عاجل- رئيس الوزراء زراء يتابع تطور الأعمال في التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق ويؤكد أهمية استكمال المشروع وتحقيق النقلة الحضارية بالمنطقة    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    الصحة تعلن انطلاق استراتيجية توطين صناعة اللقاحات وتحقيق الاكتفاء الذاتي قبل 2030    كأس العرب - شكوك حول مشاركة براهيمي أمام السودان    رسميًا.. بدء عملية اختيار وتعيين الأمين العام المقبل للأمم المتحدة    مصر ضد الكويت.. الأزرق يعلن تشكيل ضربة البداية في كأس العرب 2025    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    محافظ المنيا: إزالة 2171 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية ضمن الموجة 27    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    مادورو يرقص من جديد فى شوارع كاراكاس متحديا ترامب.. فيديو    رئيس جامعة الأزهر: العلاقات العلمية بين مصر وإندونيسيا وثيقة ولها جذور تاريخية    فى زيارته الأولى لمصر.. الأوبرا تستضيف العالمي ستيف بركات على المسرح الكبير    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    حبس عامل مدرسة بالإسكندرية 15 يومًا بتهمة الاعتداء على 4 أطفال في رياض الأطفال    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    فوائد تمارين المقاومة، تقوي العظام والعضلات وتعزز صحة القلب    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    اليوم .. إعلان نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير الري يشارك في مائدة وزارية بالمغرب لبحث تسريع تحقيق هدف المياه المستدامة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلاميَّة وقضية إريتريا
نشر في المصريون يوم 28 - 09 - 2010

من صغري وأنا مولع بمتابعة أخبار بلدي في كل الوسائل الإعلاميَّة، وعندما أجد شيئًا مكتوبًا أجدني أسبح في غمرة الفرحة، وكأننا توِّجنا ملوك الأرض، وأخذنا قيادة البشرية، وكأنما وضعت الشمس في يميننا والقمر في يسارنا، وأعتقد أن هذا دأب كل إريتري عاش غربة القرن العشرين، حيث كانت الثورة الإريتريَّة تذودُ عن حمى الديار، وتصدُّ جحافل الغزاة، حتى إن مدافننا كانت تُسمعُ في مقرّ (منظمة الوحدة الإفريقيَّة) ولكنها كانت تحشُو الكرفس في آذان قادتها، فكنا نلتفت في كل اتجاه فلا نجد إلا مصّ الشفاه، وفرقعة الأصابع، وليّ الأعناق، والتجاهل لقضية شعب بكاملِه، تعرَّض لسلب أرضه ظلمًا، ومورست عليه كل أنواع القمع، ومع ذلك ظلَّ عالم القرن العشرين يوصد قلبه بالأكنان، ويتظاهر بالصمم، وكان هذا الأمر يؤلِمُنا ويكرِّر الإيلام في خلايانا، ولو كان هذا من الأعداء لهان، لكنْ أن يكون من الأصدقاء فهو الألَمُ والحسرة اللامتناهية في ضمائر الأحرار الذين ينشدون العزَّة والكرامة في أوطانِهم.
المسلمون الإريتريون أقليَّة!!
عندما بدأتُ في كتابة هذه الأَسطُر القليلة، كان الهدف منها أن أتناول خطأً كان يقع عليه بعض القلَّة من الكتَّاب الإسلاميين، وربما ما زالوا، وهو أنهم يصنّفون المسلمين في إريتريا في (الأقليَّات الإسلاميَّة في العالم)، ولكن في أثناء البحث خطرتْ لي فكرة، وهي هل يعلم الإريتري -وخاصة المسلم قبل المسيحي- دور (الحركات الإسلامية) في مساندة القضية الإريترية قبل مرحلة الكفاح المسلح وفي أثنائها؟ وقد حرف هذا التساؤل وجهتي، فأردتُ أن أستفزَّ ذاكرة الباحثين لهذه القضية المهمَّة من وجهة نظري.
فقد كنَّا نجد ونحن طلاب صغار، وقلوبنا مفعمةٌ بحب الوطن الغالي، ومتشوِّقةٌ للانعتاق من قبضة المستعمِر الظالم كنَّا نجد الكتَّاب الإسلاميين والعلماء والدعاة والمفكرين ومن لهم منابر إعلاميَّة يهتمون اهتمامًا كبيرًا بالقضيَّة الإريتريَّة، وكان هذا مصدر فخرِنا وسعادتنا، وأظن أننا نحتاج دراسة متكاملة لهذا الأمر، وذلك لإزالة اللبس الذي وقعَ فيه قطاع كبير من الإريتريِّين، حيث ظنَّ بعضُهم أن الحركات الإسلاميَّة في العالم الإسلامي لم تولِ قضيتَهم الاهتمام اللائقَ بها كأحد قضايا الأمة الإسلامية، وهي فرصةٌ كذلك لكشْف اللثام وإزالة القناع الذي ضربناه نحن قرَّاء العربيَّة حول المساهمات الإعلاميَّة ل (الحركات الإسلاميَّة) في العالم، ودور تلك الحركات في نُصرة قضيتنا التي بذلْنا من أجلها الْمُهج والأرواح، وأحببنا وخاصمنا من أجلها القريب والبعيد، وهي فرصةٌ كذلك لتبيين الحقائق، وبذْل المعروف لأهل المعروف، وتقديم الشكر لمن أحسن إلينا.
مواقف ساطعة كالشمس
اعتبرت الحركات الإسلاميَّة القضية الإريتريَّة قضية إسلاميَّة محوريَّة لم تغبْ يومًا عن مجالسِهم، ولم تبتعدْ عن همومِهم، فهي حاضرةٌ في إعلامِهم، ومذكورةٌ في منابرهم، وربما تكون خلتْ منها مضابط مجالسهم وأجندتهم بسبب تقصيرِنا، حيث انصرف الشباب الإريتري في نهاية الستينيَّات وبداية السبعينيات إلى مجالس حملة الأفكار الماركسيَّة، والبعثيَّة، والقوميَّة، وأنا لستُ أوجّه نقدًا لأحد، لكن كان ينبغي لصاحب قضيَّة تحرريَّة أن يكون همُّه تحرير بلده، والتعاون في سبيل ذلك بكل مَن يريد مساعدتَه والوقوف معه من غير قَيْد وشرط، ولكن للأسف في وقتٍ كنَّا نستجدي فيه مثلًا كثيرًا من الجهات، والمنظَّمات، والهيئات في أنحاء العالم، وكنَّا نحلمُ بلمحةٍ من لحظِهم الكحيل وببسمة من ثغرِهم الباسم، لم نكلفْ أنفسَنا لمعانقة من فتح لنا ذراعيه ومصافحة من مد لنا يديه، ولست في حاجة الآن لسرد أمثلةٍ عديدة، ولكن ما قابلتُ مفكرًا أو عالِمًا أو صحفيًّا بارزًا من قادةِ العمل الإسلامي وشرحتُ له أوضاع بلدنا إلا وأخبرني بالمرارة التي يغصُّ بها حلقه، وذلك لانشغال جلّ القادة الإريتريين عن قضيتِهم الرئيسيَّة بقضايا هامشيَّة، ومنها محاولة الدخول في تحالفات، وتحديد المواقف بالأفكار والأيدلوجيَّات، وما أظنُّ أن قائدًا إريتريًّا كلَّف نفسَه لزيارة قادة العمل الإسلامي في الوطن العربي، ألاسياس أفورقي وزياراته المتكرِّرة للزعيم الإسلامي في السودان حسن الترابي، وكما يقال في المثل لأمر ما جدع قصير أنفه!! وقد يتخيل الشباب الناشئ أن قادتنا المبجَّلِين ربما ابتعدوا من زيارة هؤلاء حتى لا يغضبَ عليهم حكام العرب أو السيد العم سام، الذي يغضبُ العالم لغضبِه، أو لكسْب ودّ الساسَة الأوروبيين، لكن في الحقيقة لم يكنْ هذا ولا ذاك، فقد كان العالم أفضل مما هو عليه اليوم في الاتصال والتواصل، لكن ربما كان السبب أفكار سكنتْ في العقول، وقناعات ترسَّخَت في النفوس فحادتْ بأصحابِها بعيدًا عن حبّ الحبيب، وتوقير الجار والقريب، ونأتْ في شاطئ الأفكار بعيدًا، حيث تقاذفتْها أمواج المصالح العالميَّة، ولست أنسى وأنا طفلٌ صغير، عندما سمعت من بعض الشباب الإريتري الممركس (المنتمين للأفكار الماركسيَّة) بأن نظام الدرق نظام ثوري تقدُّمي، ينبغي أن نبنيَ معه ثورة الكادحين!!
لم أفهمْ مما قال من فلسفات شيئًا غير أنني أدركتُ من يومِها أن الأفكار خطرةٌ خطر النار في الهشيم، فإن كان السُّكر يغيِّب العقل، فربما كل هوى مغلُوط يغيبُ الحقائق ويعمي البصائر.
نماذج بسيطة
اهتمَّت الحركة الإسلاميَّة منذ نشأتِها بقضية إريتريا، فقد احتضن الإخوان المسلمون الطلاب الإريتريين في مصر من أيام الشيخ حسن البنا، حيث انتظم في صفوفِهم المناضل الكبير وأستاذ الفدائيين الإريتريين الشهيد سعيد حسين، الذي اشترك مع كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين في حربِهِم ضدّ العصابات الصهيونيَّة في فلسطين، وكذلك انتظم في صفوفهم أبو الحركة الإسلاميَّة الإريتريَّة المرحوم الشيخ محمد إسماعيل عبده، وغيرهم من الطلاب، بل أرسلَ الإخوان بالتعاون مع بعض المؤسَّسات الرسميَّة في مصر بعثة إلى إريتريا، برئاسة الشيخين عبد الله المشدّ، وفضيلة الشيخ محمود خليفة، رجعا بتقارير موثقة أورد جزءًا منها سيد قطب رحمه الله، في كتابه "دراسات إسلاميَّة" نبذة وافيَة، وقال الشيخ حسن البنا: لقد أرسلنا إلى جنوب الوادي بعثة أنشأتْ شعبة للإخوان المسلمين في أسمرا، وظلّ الإخوان ينظرون إلى قضية إريتريا باعتبارِها قضيَّة إسلاميَّة صميمَة يجب مناصرتُها والدفاع عنها، بل كان مقرّ الإخوان المسلمين قديمًا في (الدرب الأحمر) قبلة لجميع المناضلين والثوريين من مختلف أنحاء العالم، وكان القادة الإريتريُّون يستقبلون بحفاوة بالغة، ولست أدري لماذا أداروا ظهرَهم للجماعة، ربما تكون ظروف تغييب الإخوان في السجون هي السبب، أو قد يكون غسلُ بعض قادتنا الذين هيمنوا في جسْم الثورة أيديهم عن دين الله هو السبب!!
كما أن مواقف الحركَة الإسلاميَّة في السودان، وإعلامها، وأعلامُها تجاه القضية الإريتريَّة مشرف ومعروف، فقد نافحت الحركة الإسلاميَّة عن القضيَّة، ودافعت عنها في داخل السودان وخارجه، وكانتْ جريدة الميثاق ومن بعدها الراية لا تخلوان من أخبار إريتريا ونضالِها وحقّ شعبها في الحرية، وإن كان أستاذنا البروفيسور حسن مكي، كاد يسبِّب لي قرحة في المعدة أو حتى جلطة دماغيَّة، أو سكتة قلبيَة، حيث كان الصوتُ النشاز في داخل الحركة الإسلاميَّة السودانيَّة الذي كان يعارض استقلال إريتريا، بحجة أن انفصالَهم هو مزيد ضعف للمسلمين في أثيوبيا، وكنا نقول له أولًا ينبغي أن تقرَّ بحقوقِنا في الاستقلال ونَيْل حريتِنا التي سلبتْ، وبعد ذلك نقرِّر بحر إرادتِنا التعايش مع إثيوبيا أو الابتعاد عنها، ومع ذلك يمكننا دعم إخواننا والوقوف معهم، والقيام بحقوق الجار.
ولا أنسى الأساتذة الفضلاء أمثال الصادق عبد الله عبد الماجد حفظه الله ورعاه، والذي كان بيتُه مأوى الإريتريين، وكان يبذلُ مالَه ووقتَه لهم، وكانت جريدتهم (القبس) كأنها جريدة إريتريَّة، وكذلك الشيخ سليمان أبو ناروا، والحبر، والصافي نور الدين، وحاج نور.
كما كان لجماعة أنصار السنَّة المحمديَّة دورها المعروف في دعم التعليم وطلاب العلم، فقد سافر الشيخ التقلاوي رحمه الله سنة 1948 إلى إريتريا للعمل في المدارس العربيَّة هناك، وقد استفاد الإريتريُّون من معاهدِهم المنتشرة في شرق السودان فائدة عظيمة، وجزى الله خيرًا الشيخ المرحوم محمد الحسن عبد القادر على جهودِه التي بذلَها في هذا المضمار وغيره لخدمة إريتريا والسودان.
المجلات الإسلاميَّة
كانت المجلات الإسلاميَّة تغطي أخبار إريتريا وثورتها الصامدة، مثل مجلَّة الدعوة التي كان يصدرُها الإخوان المسلمون، ومجلة المختار الإسلامي الرائدة التي كان صاحبُها من أكثر الناس معرفةً بأحوال إريتريا ونضالِها، كما لا أنسى مقالًا قرأتُه للأستاذ كمال الدين جعفر عباس تحت عنوان "إريتريا أرض الصدق بين أحقاد الصليبية وأطماع الشيوعية" في مجلة الأمَّة القطريَّة، وكذلك التحقيق الموسَّع الذي أجرتْه مع قادة النضال الإريتري، وهذا ما كانت تفعلُه جريدة (المسلمون) التي كانت تصدرُ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وكانت مجلة الاعتصام الإسلامي لا يخلو عدد من أعدادها من مناصرة القضيَّة الإريتريَّة، أما مجلَّة المجتمع الكويتيَّة، فأعتقد أن دورَها لا يخفى على أي إريتري متابع لقضيتِه، فهي بحق كانت -وما تزال- مجلة القضايا الإسلاميَّة في العالم إلى يومنا هذا، ومواقف الحركة الإسلامية -وخاصة في المجال الإنساني- مشهود لها.
كما لا ننسى أبدًا دور إخوانِنا في الحركة الإسلاميَّة في الصومال وتبنّيهم لقضيَّة إريتريا باعتبارِها قضيَّة إسلاميَّة في مناهجِهم، ومجالسِهم، وحلّهم وترحالهم، وكذلك لم ينس بُعدُ المسافة حركة المودودي في باكستان مناصرة قضية إريتريا، والتعريف بها، ولا توجد حركة إسلاميَّة من المحيط إلى الخليج لم تدافعْ عن حقّ الشعب الإريتري، بل وجدنا إخواننا في السنغال (جماعة عباد الرحمن) يقولون: إن قضية إريتريا هي قضيتنا.
شخصيَّات إسلاميَّة
رحمَ الله الشيخ محمد الغزالي الذي اعتبرَ الطلاب الإريتريين أبناءه، وظلَّ يرعاهم إلى وفاتِه، وقد كتب عن قضية إريتريا في كثيرٍ من كتاباتِه مثل كتابه الشهير (الإسلام في وجْه الزحف الأحمر) والدكتور جمال عبد الهادي أستاذ التاريخ الإسلامي المعروف، الذي يعشق إريتريا وشعبها، وقد كتب عنها في كثير من كتبه ومقالاتِه، وقد تحدث عنها كثيرًا في محاضراتِه، والشيخ أحمد القطان صاحب القصيدة الرائعة التي ألقاها من فوق منبرِه المتألق، والتي مطلعها:
إريتريا يا أول الإسلام كم شهد النجاشي وجعفر الطيار
والسلسة تطول أمثال العلامة محمود شاكر، وصاحب الرواية الشهيرة (الظل الأسود) الدكتور نجيب الكيلاني، ومن شدة إعجابي بالرواية أحلم أن أراها يومًا قلمًا يمثل جهاد المسلمين في إريتريا والحبشة عمومًا، ويقف على رأس الهرم الرجل الذي نذرَ نفسه للقضيَّة الإريتريَّة فألف فيها ودافع عنها، وتحمل المصاعب من أجلِها، ذلكم الشيخ المجاهد والمفكِّر الصابر المرحوم عبد الله السمان، والذي تركَ لنا قصَّة تحديه للإمبراطور هيلي سلاسي، وتعمّد طبع وتوزيع كتابه حول إريتريا في نفس يوم زيارته للقاهرة، وتحريضه الطلاب الإريتريين للزحْف إلى مطار القاهرة وإحراج الإمبراطور أمام العالم، وكان له ما أراد، فلم يخيب الطلاب الإريتريين آنذاك ظنّه، ومما كتبه قبيل موتِه رحمه الله رحمة واسعة هذه الكلمات في مقال له نشر في{ الإسلام اليوم} يقول رحمه الله:
(وأما ما حدث في إريتريا فهم أكثر إيلامًا، المعروف أن شعب إريتريا يغلب عليه الطابع العربي، وأن جهاد إريتريا ضد إثيوبيا حتى استقلت كان مدعومًا من العرب والمسلمين، لكن تدخُّل الصليبية الدولية وإسرائيل -ونحن نائمون- جعلت السلطة بيد الصليبيين بزعامة الأفاق (أفورقي) الذي بدأ حكمه باضطهاد المسلمين والزجّ بالشباب المسلم المناضِل في السجون حتى اليوم، وبالتنكُّر للعرب، رفض الانضمام للجامعة العربية، واعترف بإسرائيل، والتنكر للسودان الذي جعل من أرضِه موئلًا للمجاهدين الإريتريين؛ بل وجازاها جزاء سنمار؛ فأصبح يساند المتمردين في الجنوب وفي شرق السودان، وصدق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: "آلت النفسُ الخبيثة ألا تغادر هذه الدنيا حتى تسيءَ إلى مَن أحسن إليها) ومن ينسى الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله ودفاعه المستميت عن إريتريا وشرح قضيتِها بأسلوبِه السلس والمستساغ، وقد قال عن منجستوا عندما اجتاحت قوات (الدرق) إريتريا وبدأت تشرِّد وتقتل: يا منجستوا تقتل إخواننا المسلمين في إريتريا، ما أقبحك! لقد اجتمعت في اسمك كل حروف النجاسة، وكذلك يستثمر الشيخ القرضاوي حفظه الله كل مجالٍ يُتاح له لمساندة الشعب الإريتري سواء كان بالقول أو بالفعل، يقول مثلا في كتابه القيِّم (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي): (... لينظر إلى المسلمين في الحبشة مثلًا وما يقاسونه من عَنَتٍ واضطهاد وإهدار للحقوق الإنسانيَّة، مع أنهم يكونون أغلبية السكان، ولهم أقاليم إسلامية خالصة لا يشاركهم فيها غيرهم.
انظر: كتاب "مأساة الإسلام الجريح في الحبشة" وكذلك التقرير الذي كتبه طالبان أزهريان من الحبشة عن وضع المسلمين هناك، ونشره الشيخ محمد الغزالي في كتاب "كفاح دين" تحت عنوان "ذئاب الحبشة تنهش الإسلام" وانظر: كتاب "إريتريا والحبشة" في سلسلة مواطن الشعوب الإسلامية للأستاذ محمود شاكر، نشر مكتبة الأقصى عمان)
لم أُرد كتابة بحث عن هذه القضية المهمة، ولكن فقط أردتُ لفتَ انتباه الذين حملوا الخناجر للدول العربية، وسلقوها بألسنة حداد، واتهموها ظلمًا وزورًا بأنها قمطت الإريتريين حقَّهم، وأنها تآمرتْ في نضالهم، أردت أن أزيدَهم في الحرف نقطة، وفي المشوار خطوة، هذه بعض مواقف أهل الإيمان من قضيتِنا، أفلا يستحقون منا الشكر؟؟ فإن مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله، أما الدورُ العربي عامة: فقد كتب فيه الكثيرون من كتابِنا، ولكنني لا أعلم من أفرد مساحةً خاصة لجهد الحركات الإسلاميَّة تجاه القضية الإريتريَّة، ولعلي أكون حفزت الذاكرة، وفككت العقال، واستنطقت المكنون، في خزائن وصحائف وعقول كتابنا الفطاحل لعلهم يكملون المهمَّة.
المصدر: الاسلام اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.