نقيب الصحفيين: مشروع قانون الفتاوى الشرعية به التباس في المادة 7    عمرو أديب: قناة السويس سنغافورة العرب    كندا.. مواجهة ترامب أولى معارك رئيس الوزراء الجديد    وزير خارجية إيران: إسرائيل ألغت فكرة حل الدولتين وتسعى لتهجير الفلسطينيين    نانت يتأخر أمام أوكسير في الشوط الأول    بوسي شلبي تكشف تفاصيل جديدة في أزمتها مع أبناء محمود عبد العزيز    تحقيقات في تبادل اتهامات بين ضحية سيرك طنطا وآخرين    الرئيس العراقي يُعرب عن أمله في نجاح مفاوضات الولايات المتحدة وإيران    راموس يقود هجوم باريس سان جيرمان أمام مونبلييه في الدوري الفرنسي    وزير الاتصالات يختتم جولته لتعزيز التعاون ودعم الابتكار الرقمى بين مصر واليابان    الأرصاد: غدا ذروة الموجة شديدة الحرارة ورياح مثيرة للرمال والأتربة على أغلب الانحاء    وفاة شابين أبناء عمومة في حادث انقلاب سيارة على الطريق الدولي الساحلي بكفر الشيخ (أسماء)    حريق يلتهم محصول قمح قبل حصاده في بني سويف.. والنيابة تبدأ التحقيق    إحالة أوراق قاتل ابنه في سوهاج للمفتي.. وأم الضحية: نام وارتاح يا عز حقك رجع    وزير الشئون النيابية يشارك بالاجتماع الوزاري الرابع للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان    قانون الإيجار القديم.. ما الأماكن المستهدفة التي تنطبق عليها أحكامه؟ (تفاصيل)    وزير الصحة خلال حفل يوم الطبيب: الدولة المصرية تضع الملف الصحي على رأس أولوياتها    بالزغاريد والرقص مع رامي صبري.. أصالة تشيع البهجة في زفاف نجل شقيقتها | صور    المؤبد وغرامة 500 ألف جنيه لتاجر عقارات بتهمة الإتجار في المخدرات بالعبور    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي التيرم الثاني 2025 في الدقهلية    "زراعة الفيوم" تواصل ضبط منظومة الإنتاج الحيواني بالمحافظة    جوارديولا: لم نتوقع ما فعله ساوثامبتون.. ولذلك شارك هالاند في اللقاء كاملا    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : رسالة مفتوحة لمعالي وزير الأوقاف؟!    «القابضة للأدوية» تحقق 1.5 مليار جنيه صافي ربح خلال 9 أشهر    نيابة الخليفة تقرر إحالة عاطل إلى محكمة الجنح بتهمة سرقة مساكن المواطنين    تأجيل محاكمة طبيب تسبب في وفاة طبيبة أسنان بسبب خطأ طبي في التجمع    بنك قناة السويس يعزز ريادته فى سوق أدوات الدين ويقود إصدارين ناجحين لصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 5.8 مليار جنيه    التيسيرات الضريبية... قبلة الحياة للاقتصاد الحر والشركات الناشئة في مصر    حارس الزمالك يرد على واقعة إلقاء القميص أمام سيراميكا    الكلاسيكو| أنشيلوتي يكشف موقف رودريجو ويؤكد: واثقون من الفوز    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    نائب رئيس الوزراء: مصر تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    نصائح لوقاية العيون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا في زيارة مفاجئة ويبدي رضائه عن الأداء    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    «لوفتهانزا» الألمانية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    دعوة شركات عالمية لمشروع تأهيل حدائق تلال الفسطاط    فيلم سيكو سيكو يواصل تصدر الإيرادات    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    فانتازي يلا كورة.. لماذا يُمكن لمبيومو ودي بروين منافسة صلاح على شارة القيادة بالجولة 36؟    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    موقف بالدي.. فليك يحدد تشكيل برشلونة لمواجهة ريال مدريد في الكلاسيكو    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبد العزيز.. فيفي عبده: الواحد لازم يصرف فلوسه كلها وميسيبش مليم لمخلوق    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    وفاه زوجة الإعلامي محمد مصطفى شردي بعد صراع مع المرض    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    مواعيد مباريات اليوم السبت 10- 5- 2025 والقنوات الناقلة    الجيش الباكستاني: هجوم صاروخي هندي يستهدف ثلاث قواعد جوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلاميَّة وقضية إريتريا
نشر في المصريون يوم 28 - 09 - 2010

من صغري وأنا مولع بمتابعة أخبار بلدي في كل الوسائل الإعلاميَّة، وعندما أجد شيئًا مكتوبًا أجدني أسبح في غمرة الفرحة، وكأننا توِّجنا ملوك الأرض، وأخذنا قيادة البشرية، وكأنما وضعت الشمس في يميننا والقمر في يسارنا، وأعتقد أن هذا دأب كل إريتري عاش غربة القرن العشرين، حيث كانت الثورة الإريتريَّة تذودُ عن حمى الديار، وتصدُّ جحافل الغزاة، حتى إن مدافننا كانت تُسمعُ في مقرّ (منظمة الوحدة الإفريقيَّة) ولكنها كانت تحشُو الكرفس في آذان قادتها، فكنا نلتفت في كل اتجاه فلا نجد إلا مصّ الشفاه، وفرقعة الأصابع، وليّ الأعناق، والتجاهل لقضية شعب بكاملِه، تعرَّض لسلب أرضه ظلمًا، ومورست عليه كل أنواع القمع، ومع ذلك ظلَّ عالم القرن العشرين يوصد قلبه بالأكنان، ويتظاهر بالصمم، وكان هذا الأمر يؤلِمُنا ويكرِّر الإيلام في خلايانا، ولو كان هذا من الأعداء لهان، لكنْ أن يكون من الأصدقاء فهو الألَمُ والحسرة اللامتناهية في ضمائر الأحرار الذين ينشدون العزَّة والكرامة في أوطانِهم.
المسلمون الإريتريون أقليَّة!!
عندما بدأتُ في كتابة هذه الأَسطُر القليلة، كان الهدف منها أن أتناول خطأً كان يقع عليه بعض القلَّة من الكتَّاب الإسلاميين، وربما ما زالوا، وهو أنهم يصنّفون المسلمين في إريتريا في (الأقليَّات الإسلاميَّة في العالم)، ولكن في أثناء البحث خطرتْ لي فكرة، وهي هل يعلم الإريتري -وخاصة المسلم قبل المسيحي- دور (الحركات الإسلامية) في مساندة القضية الإريترية قبل مرحلة الكفاح المسلح وفي أثنائها؟ وقد حرف هذا التساؤل وجهتي، فأردتُ أن أستفزَّ ذاكرة الباحثين لهذه القضية المهمَّة من وجهة نظري.
فقد كنَّا نجد ونحن طلاب صغار، وقلوبنا مفعمةٌ بحب الوطن الغالي، ومتشوِّقةٌ للانعتاق من قبضة المستعمِر الظالم كنَّا نجد الكتَّاب الإسلاميين والعلماء والدعاة والمفكرين ومن لهم منابر إعلاميَّة يهتمون اهتمامًا كبيرًا بالقضيَّة الإريتريَّة، وكان هذا مصدر فخرِنا وسعادتنا، وأظن أننا نحتاج دراسة متكاملة لهذا الأمر، وذلك لإزالة اللبس الذي وقعَ فيه قطاع كبير من الإريتريِّين، حيث ظنَّ بعضُهم أن الحركات الإسلاميَّة في العالم الإسلامي لم تولِ قضيتَهم الاهتمام اللائقَ بها كأحد قضايا الأمة الإسلامية، وهي فرصةٌ كذلك لكشْف اللثام وإزالة القناع الذي ضربناه نحن قرَّاء العربيَّة حول المساهمات الإعلاميَّة ل (الحركات الإسلاميَّة) في العالم، ودور تلك الحركات في نُصرة قضيتنا التي بذلْنا من أجلها الْمُهج والأرواح، وأحببنا وخاصمنا من أجلها القريب والبعيد، وهي فرصةٌ كذلك لتبيين الحقائق، وبذْل المعروف لأهل المعروف، وتقديم الشكر لمن أحسن إلينا.
مواقف ساطعة كالشمس
اعتبرت الحركات الإسلاميَّة القضية الإريتريَّة قضية إسلاميَّة محوريَّة لم تغبْ يومًا عن مجالسِهم، ولم تبتعدْ عن همومِهم، فهي حاضرةٌ في إعلامِهم، ومذكورةٌ في منابرهم، وربما تكون خلتْ منها مضابط مجالسهم وأجندتهم بسبب تقصيرِنا، حيث انصرف الشباب الإريتري في نهاية الستينيَّات وبداية السبعينيات إلى مجالس حملة الأفكار الماركسيَّة، والبعثيَّة، والقوميَّة، وأنا لستُ أوجّه نقدًا لأحد، لكن كان ينبغي لصاحب قضيَّة تحرريَّة أن يكون همُّه تحرير بلده، والتعاون في سبيل ذلك بكل مَن يريد مساعدتَه والوقوف معه من غير قَيْد وشرط، ولكن للأسف في وقتٍ كنَّا نستجدي فيه مثلًا كثيرًا من الجهات، والمنظَّمات، والهيئات في أنحاء العالم، وكنَّا نحلمُ بلمحةٍ من لحظِهم الكحيل وببسمة من ثغرِهم الباسم، لم نكلفْ أنفسَنا لمعانقة من فتح لنا ذراعيه ومصافحة من مد لنا يديه، ولست في حاجة الآن لسرد أمثلةٍ عديدة، ولكن ما قابلتُ مفكرًا أو عالِمًا أو صحفيًّا بارزًا من قادةِ العمل الإسلامي وشرحتُ له أوضاع بلدنا إلا وأخبرني بالمرارة التي يغصُّ بها حلقه، وذلك لانشغال جلّ القادة الإريتريين عن قضيتِهم الرئيسيَّة بقضايا هامشيَّة، ومنها محاولة الدخول في تحالفات، وتحديد المواقف بالأفكار والأيدلوجيَّات، وما أظنُّ أن قائدًا إريتريًّا كلَّف نفسَه لزيارة قادة العمل الإسلامي في الوطن العربي، ألاسياس أفورقي وزياراته المتكرِّرة للزعيم الإسلامي في السودان حسن الترابي، وكما يقال في المثل لأمر ما جدع قصير أنفه!! وقد يتخيل الشباب الناشئ أن قادتنا المبجَّلِين ربما ابتعدوا من زيارة هؤلاء حتى لا يغضبَ عليهم حكام العرب أو السيد العم سام، الذي يغضبُ العالم لغضبِه، أو لكسْب ودّ الساسَة الأوروبيين، لكن في الحقيقة لم يكنْ هذا ولا ذاك، فقد كان العالم أفضل مما هو عليه اليوم في الاتصال والتواصل، لكن ربما كان السبب أفكار سكنتْ في العقول، وقناعات ترسَّخَت في النفوس فحادتْ بأصحابِها بعيدًا عن حبّ الحبيب، وتوقير الجار والقريب، ونأتْ في شاطئ الأفكار بعيدًا، حيث تقاذفتْها أمواج المصالح العالميَّة، ولست أنسى وأنا طفلٌ صغير، عندما سمعت من بعض الشباب الإريتري الممركس (المنتمين للأفكار الماركسيَّة) بأن نظام الدرق نظام ثوري تقدُّمي، ينبغي أن نبنيَ معه ثورة الكادحين!!
لم أفهمْ مما قال من فلسفات شيئًا غير أنني أدركتُ من يومِها أن الأفكار خطرةٌ خطر النار في الهشيم، فإن كان السُّكر يغيِّب العقل، فربما كل هوى مغلُوط يغيبُ الحقائق ويعمي البصائر.
نماذج بسيطة
اهتمَّت الحركة الإسلاميَّة منذ نشأتِها بقضية إريتريا، فقد احتضن الإخوان المسلمون الطلاب الإريتريين في مصر من أيام الشيخ حسن البنا، حيث انتظم في صفوفِهم المناضل الكبير وأستاذ الفدائيين الإريتريين الشهيد سعيد حسين، الذي اشترك مع كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين في حربِهِم ضدّ العصابات الصهيونيَّة في فلسطين، وكذلك انتظم في صفوفهم أبو الحركة الإسلاميَّة الإريتريَّة المرحوم الشيخ محمد إسماعيل عبده، وغيرهم من الطلاب، بل أرسلَ الإخوان بالتعاون مع بعض المؤسَّسات الرسميَّة في مصر بعثة إلى إريتريا، برئاسة الشيخين عبد الله المشدّ، وفضيلة الشيخ محمود خليفة، رجعا بتقارير موثقة أورد جزءًا منها سيد قطب رحمه الله، في كتابه "دراسات إسلاميَّة" نبذة وافيَة، وقال الشيخ حسن البنا: لقد أرسلنا إلى جنوب الوادي بعثة أنشأتْ شعبة للإخوان المسلمين في أسمرا، وظلّ الإخوان ينظرون إلى قضية إريتريا باعتبارِها قضيَّة إسلاميَّة صميمَة يجب مناصرتُها والدفاع عنها، بل كان مقرّ الإخوان المسلمين قديمًا في (الدرب الأحمر) قبلة لجميع المناضلين والثوريين من مختلف أنحاء العالم، وكان القادة الإريتريُّون يستقبلون بحفاوة بالغة، ولست أدري لماذا أداروا ظهرَهم للجماعة، ربما تكون ظروف تغييب الإخوان في السجون هي السبب، أو قد يكون غسلُ بعض قادتنا الذين هيمنوا في جسْم الثورة أيديهم عن دين الله هو السبب!!
كما أن مواقف الحركَة الإسلاميَّة في السودان، وإعلامها، وأعلامُها تجاه القضية الإريتريَّة مشرف ومعروف، فقد نافحت الحركة الإسلاميَّة عن القضيَّة، ودافعت عنها في داخل السودان وخارجه، وكانتْ جريدة الميثاق ومن بعدها الراية لا تخلوان من أخبار إريتريا ونضالِها وحقّ شعبها في الحرية، وإن كان أستاذنا البروفيسور حسن مكي، كاد يسبِّب لي قرحة في المعدة أو حتى جلطة دماغيَّة، أو سكتة قلبيَة، حيث كان الصوتُ النشاز في داخل الحركة الإسلاميَّة السودانيَّة الذي كان يعارض استقلال إريتريا، بحجة أن انفصالَهم هو مزيد ضعف للمسلمين في أثيوبيا، وكنا نقول له أولًا ينبغي أن تقرَّ بحقوقِنا في الاستقلال ونَيْل حريتِنا التي سلبتْ، وبعد ذلك نقرِّر بحر إرادتِنا التعايش مع إثيوبيا أو الابتعاد عنها، ومع ذلك يمكننا دعم إخواننا والوقوف معهم، والقيام بحقوق الجار.
ولا أنسى الأساتذة الفضلاء أمثال الصادق عبد الله عبد الماجد حفظه الله ورعاه، والذي كان بيتُه مأوى الإريتريين، وكان يبذلُ مالَه ووقتَه لهم، وكانت جريدتهم (القبس) كأنها جريدة إريتريَّة، وكذلك الشيخ سليمان أبو ناروا، والحبر، والصافي نور الدين، وحاج نور.
كما كان لجماعة أنصار السنَّة المحمديَّة دورها المعروف في دعم التعليم وطلاب العلم، فقد سافر الشيخ التقلاوي رحمه الله سنة 1948 إلى إريتريا للعمل في المدارس العربيَّة هناك، وقد استفاد الإريتريُّون من معاهدِهم المنتشرة في شرق السودان فائدة عظيمة، وجزى الله خيرًا الشيخ المرحوم محمد الحسن عبد القادر على جهودِه التي بذلَها في هذا المضمار وغيره لخدمة إريتريا والسودان.
المجلات الإسلاميَّة
كانت المجلات الإسلاميَّة تغطي أخبار إريتريا وثورتها الصامدة، مثل مجلَّة الدعوة التي كان يصدرُها الإخوان المسلمون، ومجلة المختار الإسلامي الرائدة التي كان صاحبُها من أكثر الناس معرفةً بأحوال إريتريا ونضالِها، كما لا أنسى مقالًا قرأتُه للأستاذ كمال الدين جعفر عباس تحت عنوان "إريتريا أرض الصدق بين أحقاد الصليبية وأطماع الشيوعية" في مجلة الأمَّة القطريَّة، وكذلك التحقيق الموسَّع الذي أجرتْه مع قادة النضال الإريتري، وهذا ما كانت تفعلُه جريدة (المسلمون) التي كانت تصدرُ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وكانت مجلة الاعتصام الإسلامي لا يخلو عدد من أعدادها من مناصرة القضيَّة الإريتريَّة، أما مجلَّة المجتمع الكويتيَّة، فأعتقد أن دورَها لا يخفى على أي إريتري متابع لقضيتِه، فهي بحق كانت -وما تزال- مجلة القضايا الإسلاميَّة في العالم إلى يومنا هذا، ومواقف الحركة الإسلامية -وخاصة في المجال الإنساني- مشهود لها.
كما لا ننسى أبدًا دور إخوانِنا في الحركة الإسلاميَّة في الصومال وتبنّيهم لقضيَّة إريتريا باعتبارِها قضيَّة إسلاميَّة في مناهجِهم، ومجالسِهم، وحلّهم وترحالهم، وكذلك لم ينس بُعدُ المسافة حركة المودودي في باكستان مناصرة قضية إريتريا، والتعريف بها، ولا توجد حركة إسلاميَّة من المحيط إلى الخليج لم تدافعْ عن حقّ الشعب الإريتري، بل وجدنا إخواننا في السنغال (جماعة عباد الرحمن) يقولون: إن قضية إريتريا هي قضيتنا.
شخصيَّات إسلاميَّة
رحمَ الله الشيخ محمد الغزالي الذي اعتبرَ الطلاب الإريتريين أبناءه، وظلَّ يرعاهم إلى وفاتِه، وقد كتب عن قضية إريتريا في كثيرٍ من كتاباتِه مثل كتابه الشهير (الإسلام في وجْه الزحف الأحمر) والدكتور جمال عبد الهادي أستاذ التاريخ الإسلامي المعروف، الذي يعشق إريتريا وشعبها، وقد كتب عنها في كثير من كتبه ومقالاتِه، وقد تحدث عنها كثيرًا في محاضراتِه، والشيخ أحمد القطان صاحب القصيدة الرائعة التي ألقاها من فوق منبرِه المتألق، والتي مطلعها:
إريتريا يا أول الإسلام كم شهد النجاشي وجعفر الطيار
والسلسة تطول أمثال العلامة محمود شاكر، وصاحب الرواية الشهيرة (الظل الأسود) الدكتور نجيب الكيلاني، ومن شدة إعجابي بالرواية أحلم أن أراها يومًا قلمًا يمثل جهاد المسلمين في إريتريا والحبشة عمومًا، ويقف على رأس الهرم الرجل الذي نذرَ نفسه للقضيَّة الإريتريَّة فألف فيها ودافع عنها، وتحمل المصاعب من أجلِها، ذلكم الشيخ المجاهد والمفكِّر الصابر المرحوم عبد الله السمان، والذي تركَ لنا قصَّة تحديه للإمبراطور هيلي سلاسي، وتعمّد طبع وتوزيع كتابه حول إريتريا في نفس يوم زيارته للقاهرة، وتحريضه الطلاب الإريتريين للزحْف إلى مطار القاهرة وإحراج الإمبراطور أمام العالم، وكان له ما أراد، فلم يخيب الطلاب الإريتريين آنذاك ظنّه، ومما كتبه قبيل موتِه رحمه الله رحمة واسعة هذه الكلمات في مقال له نشر في{ الإسلام اليوم} يقول رحمه الله:
(وأما ما حدث في إريتريا فهم أكثر إيلامًا، المعروف أن شعب إريتريا يغلب عليه الطابع العربي، وأن جهاد إريتريا ضد إثيوبيا حتى استقلت كان مدعومًا من العرب والمسلمين، لكن تدخُّل الصليبية الدولية وإسرائيل -ونحن نائمون- جعلت السلطة بيد الصليبيين بزعامة الأفاق (أفورقي) الذي بدأ حكمه باضطهاد المسلمين والزجّ بالشباب المسلم المناضِل في السجون حتى اليوم، وبالتنكُّر للعرب، رفض الانضمام للجامعة العربية، واعترف بإسرائيل، والتنكر للسودان الذي جعل من أرضِه موئلًا للمجاهدين الإريتريين؛ بل وجازاها جزاء سنمار؛ فأصبح يساند المتمردين في الجنوب وفي شرق السودان، وصدق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: "آلت النفسُ الخبيثة ألا تغادر هذه الدنيا حتى تسيءَ إلى مَن أحسن إليها) ومن ينسى الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله ودفاعه المستميت عن إريتريا وشرح قضيتِها بأسلوبِه السلس والمستساغ، وقد قال عن منجستوا عندما اجتاحت قوات (الدرق) إريتريا وبدأت تشرِّد وتقتل: يا منجستوا تقتل إخواننا المسلمين في إريتريا، ما أقبحك! لقد اجتمعت في اسمك كل حروف النجاسة، وكذلك يستثمر الشيخ القرضاوي حفظه الله كل مجالٍ يُتاح له لمساندة الشعب الإريتري سواء كان بالقول أو بالفعل، يقول مثلا في كتابه القيِّم (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي): (... لينظر إلى المسلمين في الحبشة مثلًا وما يقاسونه من عَنَتٍ واضطهاد وإهدار للحقوق الإنسانيَّة، مع أنهم يكونون أغلبية السكان، ولهم أقاليم إسلامية خالصة لا يشاركهم فيها غيرهم.
انظر: كتاب "مأساة الإسلام الجريح في الحبشة" وكذلك التقرير الذي كتبه طالبان أزهريان من الحبشة عن وضع المسلمين هناك، ونشره الشيخ محمد الغزالي في كتاب "كفاح دين" تحت عنوان "ذئاب الحبشة تنهش الإسلام" وانظر: كتاب "إريتريا والحبشة" في سلسلة مواطن الشعوب الإسلامية للأستاذ محمود شاكر، نشر مكتبة الأقصى عمان)
لم أُرد كتابة بحث عن هذه القضية المهمة، ولكن فقط أردتُ لفتَ انتباه الذين حملوا الخناجر للدول العربية، وسلقوها بألسنة حداد، واتهموها ظلمًا وزورًا بأنها قمطت الإريتريين حقَّهم، وأنها تآمرتْ في نضالهم، أردت أن أزيدَهم في الحرف نقطة، وفي المشوار خطوة، هذه بعض مواقف أهل الإيمان من قضيتِنا، أفلا يستحقون منا الشكر؟؟ فإن مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله، أما الدورُ العربي عامة: فقد كتب فيه الكثيرون من كتابِنا، ولكنني لا أعلم من أفرد مساحةً خاصة لجهد الحركات الإسلاميَّة تجاه القضية الإريتريَّة، ولعلي أكون حفزت الذاكرة، وفككت العقال، واستنطقت المكنون، في خزائن وصحائف وعقول كتابنا الفطاحل لعلهم يكملون المهمَّة.
المصدر: الاسلام اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.