في الأقوال والآراء التي أدلى بها رئيس الحكومة الأردني الدكتورمعروف البخيت في لقائه الخاص مع التلفزيون الأردني، نقف على بعض من أوجه الحياة الديمقراطية الجديد التي يحرص رئيس الوزراء على تذليل العقبات من الطريق المؤدية إلى قيامها سريعا. ويتركز الجهد الإصلاحي الحكومي الآن في قانوني "الأحزاب" و"الانتخابات العامة". وكان الدكتور البخيت صادقا في تصويره خلق الحياة الحزبية في الأردن على أنه أقرب ما يكون إلى "الخلق من العدم"، فالأحزاب "السياسية" الأردنية (نحو 26 حزبا يشاركون مع وزارتي التنمية السياسية والداخلية في أعمال لجنة خاصة بهذا الأمر) لا تمثِّل، بحسب رأي الدكتور البخيت والواقعي 100 في المئة، إلا 1 في الألف من مجتمعنا. ولولا حرص الحكومة على إنشاء وتطوير حياة حزبية لظلت تلك الأحزاب على إيمانها بأن ليس في الإمكان، في الحياة الحزبية الأردنية، أفضل مما كان. على أن هذا الرأي السديد لا يعني، ويجب ألا يعني، أن الحكومة تمثِّل 999 في الألف من المجتمع، فتفوقها في الوزن التمثيلي على الأحزاب لا ينفي، وإنما يؤكِّد، أن الاغتراب السياسي بين المجتمع وبين الأحزاب والحكومة (والبرلمان) ما زال قائما وقويا. ولكن كيف السبيل إلى حياة حزبية جديدة وجيدة؟ إن شيئا من مفهوم "خدمة العَلَم"، أو "التجنيد الإجباري"، نراه في جواب الدكتور البخيت عن ذاك السؤال، فهو أعلن أن الحكومة "ستحارِب فكرة، أو ظاهرة، العزوف الشعبي عن الانتساب إلى الأحزاب"؛ ذلك لأن ليس صحيحا شعار "مَنْ تحزَّب خان". وحتى لا يظل المواطن على خوفه العريق في القدم من الانتساب الحزبي، ومن أجل أن يَدخل المواطنون في الأحزاب أفواجا، كشف رئيس الوزراء أن مادة في القانون سترى النور عما قريب، وسيُحظَر بموجبها التطاول الحكومي، الأمني وغير الأمني، على الحقوق الدستورية للمواطن بسبب انتمائه الحزبي. وعملا بمبدأ أن فاقد الشيء لا يعطيه، قال الدكتور البخيت إن الحكومة تريد للأحزاب الجديدة، أو القديمة بعد تجديدها، أن تكون ديمقراطية في حياتها الداخلية، فليس جائزا أن تدعو أحزاب تفتقر إلى الديمقراطية في حياتها الداخلية إلى تأسيس حياة ديمقراطية للمجتمع والدولة. وحتى يصبح ممكنا قيام أول حزب "أردني" في الأردن، أي قيام حزب يتخطى، في تمثيله، الفرد وأقاربه، والفئوية الضيقة بكل أشكالها وصورها، والهوية الدينية، أوضح الدكتور البخيت أن قانون الأحزاب الجديد سيتضمن شروطا لتأسيس الأحزاب لا تسمح إلا بوجود أحزاب "أردنية"، "ديمقراطية في الداخل"، "غير مموَّلة من الخارج"، و"غير عرقية أو دينية" في خطابها وتوجُّهاتها. وفي آخر المطاف، يمكن ويجب أن تنتقل الحياة الحزبية الجديدة من "الكثرة الحزبية" إلى "التركُّز الحزبي"، فينتهي الصراع والتنافس في سياق حياة انتخابية جديدة، إلى عدد أقل من الأحزاب، يمثِّل بعضه "الوسط"، وبعضه "اليمين"، وبعضه "اليسار". على أن الدكتور البخيت لم يتحدث بما يكفي من التفصيل والوضوح عن الشرط الأهم وهو تغيير النظام الانتخابي بما يسمح بجعل الحياة الحزبية مجدية سياسيا، وثقيلة الوزن الشعبي، وبما يؤدي إلى قيام برلمان حزبي في المقام الأول، قوي السلطة والتأثير، وتنبثق منه، بالتالي، حكومة تمثيلية تُنهي ظاهرة الاغتراب السياسي للمجتمع عن حكومته.