هذا هو اليوم المحدد لبدء محاكمة محمد مرسي. أول رئيس بعد ثورة 25 يناير. أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر. أول رئيس يفوز بنسبة 51,7% في انتخابات حرة نزيهة بعد سقوط أكذوبة الفوز بالخمس تسعات الشهيرة التي ابتكرها العهد الناصري. أول رئيس يقضي عامًا واحدًا في الحكم ويتم عزله في ظروف مازالت مثار جدل داخلي وخارجي. هي محاكمة لرئيس محبوس أو مخطوف أو محتجز منذ 3 يوليو في مكان مجهول للمصريين والعالم حتى على أسرته: زوجته وأولاده. رئيس معزول أو سابق أو شرعي كما يقول أنصاره يخضع للتحقيق في بلاغات عديدة وتوجه له اتهامات كثيرة وتنتظره قضايا لا نعرف عددها ليجد نفسه خارجًا من واحدة وداخلاً في الأخرى في متوالية تجعله قيد الحبس والمحاكمة على الدوام حتى إشعار آخر. قضية الرابع من نوفمبر هي الأولى في سلسلة محاكمات لمرسي لا نعلم هل ستتم كلها، أم تتوقف فجأة لأسباب معينة، ولا ندري هل ستكون المحاكمة علنية، أم مازالت هناك مخاوف على حياته، وهي الذريعة التي تتستر بها السلطة لمواصلة إخفائه. علنية المحاكمة أفضل حتى يرى العالم مرسي، كما رأى مبارك من قبل، وحتى نسمع ماذا سيقول، وهو خطيب مفوه رغم الإسهاب الممل أحيانًا، والعلنية ستعكس موقفًا للسلطة أنها لا تخشى شيئًا تريد إخفاءه عن الرأي العام، وأنها واثقة من نفسها ومن قوة القضية التي تحاكمه فيها. لم يُعامل مبارك المستبد بالطريقة التي يُعامل بها مرسي المنتخب. تُرك مبارك أشهرًا يستمتع بالحياة الرغيدة في شرم الشيخ، يتواصل مع من يريد في مصر، وخارجها، لكن مرسي أخذوه من القصر إلى الحبس. انتقل مبارك من شرم الشيخ إلى مستشفى خمس نجوم ثم سجن خمس نجوم في أماكن معلومة، أما مرسي فهو يعيش في مبنى لا أحد يعلم أين مكانه إلا صاحب القرار في البلد. مبارك كانت تزوره زوجته ومحاموه ومن يريد، ومرسي محروم من الزيارات حتى من زوجته، أو من محامٍ يختاره بنفسه ولا يختاره له سجانوه. لسنا ضد العدالة، بل نحن معها، وأحوج ما نكون إليها في هذه المرحلة لأننا في ظلها وتحت حصنها سنكون في أمان من ظلم حاكم أو محكوم. ونحن نسعد جدًا عندما يُحاكم رأس الدولة، فهو الرجل الذي ليس بعده شخص آخر في سلم السلطة، وهذا يزيدنا اطمئنانًا بأنه لا كبير فوق الحساب والقانون، ولا عظيم يمكن أن يفلت من العقاب، لكن بشرط ألا تكون عدالة مسيسة، انتقائية، تستهدف أشخاصًا بعينهم ورئيسًا بعينه وجماعة بعينها لأنه لم يتنحَ، ولم يتخلَ، ولم يتنازل، ولم يستقل، ولم يسلم بالأمر الواقع. من الضروري التأكيد على أن قطار العدالة الذي وصل لمحطتي مبارك ومرسي لن يضل الطريق لأي رؤساء أو مسؤولين آخرين للقصاص لدماء أخرى وأسر أخرى مكلومة حزينة فقدت أحبتها. نقطة دم واحدة تسقط من مواطن مصري تستحق القصاص العادل، و7 قتلى في قضية 4 نوفمبر لابد من محاكمة قاتليهم بعدالة ونزاهة. لكن ماذا عن عدد لا حصر له من القتلى منذ 3 يوليو، عدد يتجاوز المئات، من قتلهم، ومن يُحاكم قاتليهم، ومتى سيحاكمون، أم سيذهب دمهم هدرًا؟!. وماذا عن القتلى منذ 25 يناير وحتى 11 فبراير، من سيقتص من قتلتهم الحقيقيين بعد أن نال جميع المتهمين بمن فيهم مبارك أحكامًا بالبراءة وكأنهم قتلوا أنفسهم؟!. وماذا عن طوابير القتلى في ماسبيرو ومحمد محمود 1 و2 ومجلس الوزراء وكل الذين سقطوا في ميادين التظاهر السلمي في عهد المجلس العسكري ومرسي والعهد الحالي؟!. أتحدث عن دماء كل المصريين بلا استثناء، فليس قتلى الاتحادية مصريين درجة أولى، ومن دونهم مصريون درجة ثانية، أو أن قتلى مابعد 3 يوليو أغيارًا، وليسوا مصريين تم إسقاط حقوقهم وإهدار دمائهم. لا نريد عدالة المنتصر، ولا نريد عدالة الانتقام والثأر، ولا عدالة التفريق والتفرقة بين المصريين، هذا معنا له حقوق، وهذا ضدنا بلا حقوق، والنائب العام هو المنوط به تجهيز ملفات كل من قتل ظلمًا وبغيًا وعدوانًا للقصاص لدمه. الوطن لن يستقر ولن يرتاح في ظل أنهار الدماء التي تسيل، وفي ظل الدماء المظلومة التي تبحث عن الإنصاف. يسعدنا محاكمة مرسي إذا كان متهمًا بالفعل وله دوره في قتل المصريين السبعة، لكن لن يسعدنا أن يكون الهدف هو التنكيل به. لا يجب أن يهلل أحد لمحاكمة لو كانت انتقائية، فقد يجد نفسه غدًا في محاكمة انتقائية أيضًا.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.