يبدو للناظر أن أوضاع مصر السياسية عصية على التغيير، فنحن بصدد نظام حكم صارم، يقوم على الانفراد بالسلطة، ولا يريد التغيير، ولا يتوجه نحو الإصلاح. وليس من المطلوب من أي محلل، تحديد الأدلة على عدم رغبة النظام في التغيير، فيكفي النظر لحجم الوعود الحكومية والرئاسية التي تطل علينا في مناسبات الانتخابات، وما يتحقق منها على أرض الواقع. ويتأكد لنا أننا بصدد نظام حكم يخشى من التغيير أساسا، ويعرف أن طريق الإصلاح السياسي، سينتهي به خارج الحكم. ولا يوجد تفسير لموقف نظام الحكم، غير ما يدركه صراحة أو ضمنا، بأن الحرية والديمقراطية، وهي تشمل الاختيار الحر للحاكم، ستؤدي إلى إخراجه من الحكم، وسيأتي عندئذ يوم الحساب. ويبدو أن النظام الحاكم في مصر، يدرك ما يعنيه يوم الحساب. وعلينا أن لا نراهن على صحوة النظام، فكل تغيير هو انتحار للنظام الحاكم. وبالطبع يمكن أن يتغير حال النظام، ولكن في حالات محدودة، أهمها أن يشعر بالفعل بقرب نهايته، فيحاول بعض رجال النظام إنقاذ أنفسهم والخروج من السفينة قبل أن تغرق، وعندها سيحاول هؤلاء تقديم بعض رجال النظام كقربان للشعب، ليقبل توبتهم ويصدق نيتهم في التغيير. وتلك الحالة لا تعني قناعة النظام أو جزء منه بالتغيير والإصلاح، ولكن تعني أن التغيير قد فرض بالفعل، وبسبب أوضاع داخلية في المقام الأول، ولهذا سيحاول بعض رجال النظام ركوب موجة التغيير، حتى لا يغرقوا بسبب أمواجه العاتية. ونعود للمشهد الراهن، والتشاؤم يسيطر على المناخ العام، فالأغلبية ترى أن التغيير لن يأتي، وكل الفاعلين في الساحة السياسية يحاولون تحديد طريقاً للتغيير، حتى يستمر نشاطهم. ورغم تلك الصورة المرتبكة، والتي أعقبت عام الحراك السياسي المصري، وهو عام 2005، والذي رأى البعض فيه أنه لم يكن إلا وهما، رغم كل ذلك، نقول .. مصر تتغير! مصر تتغير، وتلك حقيقة نراها في بعض الأحداث المحددة، مثل حالة التظاهر التي عبرت عنها حركة كفاية، وبدأت تتحول إلى حالة من الاعتراض والتمرد لدى عامة الناس. ومصر تتغير، لأن الناخب المصري في الانتخابات البرلمانية قرر تأكيد قدرته على تغيير الحاكم، من خلال الإصرار على انتخاب مرشحي جماعة الإخوان المسلمين. ومصر تتغير، لأن المصري أعلن كرهه الشديد لما هو قائم وحول سخريته الضاحكة منه ، إلى اعتراض علني. لقد هدم المصري مكانته، وأصبح ينتظر رحيله. وتلك مشاهد من السياسة، ولكن غيرها مشاهد كثيرة من الاجتماع، لا يلتفت لها المراقبون، ومنها العديد من المشاهد التي تؤكد على تغير الوعي العام لدى المصري، بالواقع المحيط به. فهل يشك أحد أن لدى العامة رؤية واضحة الآن عن العدو المتربص بالأمة؟ الواقع يؤكد أن الجماعة المصرية، لديها وعي بالخطر الصهيوني والأمريكي، ولديها إدراك حقيقي لمحاولات الهيمنة الأمريكية. والكراهية التي نراها في الشارع المصري للإدارة الأمريكية، تؤكد فهم العامة للسياسات الخارجية لهذه الإدارة. والناس تعرف أيضا الرابط بين ما يحدث في العراق وفلسطين وأفغانستان. ورؤيتهم واضحة عن المخطط الأمريكي، لحصار العالمين العربي والإسلامي. ومسألة السيطرة على النفط أيضا، من الأمور الشائعة والمعروفة. كما أن العامة تعرف أيضا الرابط بين النظام الحاكم في مصر والإدارة الأمريكية، وتدرك أن النظام تابع للسياسات الأمريكية، وتراقب مدى المسافة بين النظام المصري والإدارة الأمريكية. والعامة تدرك أيضا أن الإدارة الأمريكية تبحث عن بديل للنظام، وتريد نظاما أكثر تبعية لها. ومن الأمور المهمة إدراك عامة الناس لمحاولات الهيمنة على العقل العربي والإسلامي. فالناس الآن تعرف خطر التغريب الثقافي، ومحاولة طمس الهوية العربية والإسلامية. والغريب، أو ما قد يرى البعض أنه أمر غريب، أن الشباب يدرك هويته بصورة لم تكن متوقعة، ويدرك إلى أي حد تتعرض هويته الدينية والحضارية للخطر. ولهذا نشهد تمسكا بالهوية والقيم لدى قطاع عريض من الأجيال الجديدة، خرج للنور في ظل سيادة التبعية للغرب. لهذا نقول أن مصر تتغير، لأن التركيب الاجتماعي لها يتغير، وتظهر العديد من الشرائح الجديدة، والتي تعبر عن العصر من حيث ما فيه من علم وخبرات، ولكنها تعبر أيضا عن الأصالة الحضارية والدينية للأمة. وهذه الظاهرة تتوسع في الواقع إلى العديد من الأنماط السلوكية والحياتية. ونجد نمطا جديدا للحياة بين الأجيال الجديدة، ولكنه نمط تجديدي قدر ما هو نمط أصيل. والبعض لا يرى في الشباب إلا فترات المراهقة، ولحظات تقليد الموضة الغربية، ولكن الواقع يؤكد أننا بصدد تشكيل أسر مصرية جديدة من الشباب، يقوم عمادها الأساسي على الهوية الدينية والحضارية. وبهذا تعد صرحا لاستعادة هوية الأمة، وقوة ضاربة لمواجهة كل اعتداء خارجي، ومواجهة محاولات التغريب والهيمنة الثقافية والحضارية. وليس من قبيل التفاؤل، القول بأن البنية الاجتماعية المصرية أصبحت راغبة في التغيير والإصلاح، وأن لها توجها محددا وجامعا، يربط التقدم بالعلم، والنهضة بالهوية الحضارية والدينية. ولكن المشكلة تكمن في العلاقة بين السياسة والاجتماع، والعلاقة بين الجماهير والنخب. فأين حركة النخب السياسية من الحادث على المستوى الاجتماعي، وبعض تلك النخب يتحدث عن أفكار غربية، هي ضمن ما يراه المصري جزء من عملية التغريب. وهل يصح أن نسأل عن سبب ما حققته جماعة الإخوان المسلمين من نتائج؟ لقد جاءت نتائج الإخوان تعبيرا عن ما يحدث في مصر من تغير! [email protected]