يحتدم الجدل بين فصائل المعارضة المصرية حول المشاركة في الإنتخابات التشريعية المزمع إجرائها الخريف القادم بين مؤيد للمشاركة ومعارض لها بل إن البعض يرى عدم المقاطعة تحت أية ظروف ، و يرى آخرون المشاركة بشروط ، وبين هذا وذاك ينطلق الحزب الوطني إلى هدفه المعهود لتأمين أغلبيته بوسائله التقليدية التي تأتي بمن يريد دون الالتفات لمطالب التغيير . ويتشكل المشهد السياسي وينقسم إلى أمرين متناقضين: الأول كيانات تملك الشرعية الحزبية الممنوحة لها من لجنة شئون الاحزاب وليس لها ظهير جماهيري يحملها ويدفعها إلى المشاركة البرلمانية. والثاني فصيل محظور بفرمان السلطة يمتلك القدرة التنظيمية والجماهيرية التي لو توافرت له عوامل المنافسة الحرة النزيهة لقلب قواعد اللعبة رأساً على عقب. ويدرك الحزب الوطني الحاكم بالطوارئ والجاثم على صدور الوطن منذ أكثر من ثلاثين عاماً أبعاد المشهد جيداً ويعلم أن صراعه على السلطة مع الآخرين صراع وجود ومسألة حياة أو موت ، فهو غاية يتحالف مع الشيطان ليجني ثمارها ، كما يعي أن فساده يحميه الإستغراق في فساد أعظم وتأتي المصلحة الوطنية وهموم الناس في ذيل اهتماماته ، ومن ثم يصبح الحديث عن التغيير والإصلاح في ظل هذا الوضع ضرباً من الخيال وسذاجة سياسية ، إذ أن فاتورة التغيير تعني إعادة الامور الى نصابها الطبيعي بتغيير الدستور وإلغاء حالة الطوارئ ونقل الاشراف القضائي الكامل من الامن الى القضاء وكفالة المنافسة الحرة وهي أمور عسيرة الهضم على الحزب الحاكم وتهدد وجوده من الأساس. وفي واقع الامر أن الحزب الوطني بوضعه الراهن ليس في حاجة الى الجماهير التي هي العامل الأهم في النظم الديمقراطية ، والمثال انتخابات الشورى الاخيرة التي بدت فيها اللجان الإنتخابية خاوية على عروشها ورغم ذلك فاز مرشحو الحزب الوطني أو قرنائهم من المعارضة المشمولين برعايتة بأرقام مذهلة ! .... وهو في الوقت ذاته يريد معارضة مستأنسة تزين له الشكل العام فقط وتقوم بدور التيس المستعار الذي يحلل لعلاقة آثمة بين السلطة المغتصبة والثروة والمنهوبة ودون أن تحدث صداع لمتربحي الخصخصة والمحتكرين والمتاجرين بآلام الناس وهو الدور الذي قبله البعض وعقد لنيله الصفقات . وفي سبيل ترتيب تلك الأوراق وتحقيق تلك المعادلة ( أغلبية مريحة تنقل كل الملفات المعلقة الى بر الامان ، وأقلية موجهة ومسيطر عليها) يعمل الحزب عملية إحلال وتجديد سيكون وقودها الاخوان المسلمين باستبعادهم كلياً أو جزئياً ليحل محلهم آخرون كالمقاعد الموعود بها حزب الوفد وحزمة المرأة والاقباط وبعض الاحزاب الهلامية الاخرى ، فإذا كانت الصورة بهذا الوضوح وبرهنت عليها انتخابات الشورى التي تباهى بعض قيادات الحزب بنتائجها التي اقصت كل صوت يعارض ، فلماذا يصر الاخوان على المشاركة في معركة محسومة سلفاً ؟ فضلاً عما تسببه المشاركة من منغصات ومكدرات وحتى لو لم تكن هناك صفقات وأن الامور ستسير في ذات الاتجاه الذي سارت عليه في انتخابات 2005 وحصلوا على 88 أو 100 مقعد هل سيغير ذلك شيئ ؟ فالمجلس لم يستجب لهم ولو لمرة واحدة في طلب إحاطة أو سؤال أو استجواب رغم خطورة الموضوعات التى طرحوها والأغلبية دائما تنتصر الى قفل باب المناقشة والإنتقال اللى الى جدول الاعمال . لماذا لم يحذوا حذو جماعة الاخوان في الأردن التي استشعرت الإقصاء بالتزوير فقررت الاحتكام الى القواعد وطرح الامر للشورى والاستفتاء التى جاءت بنتائج فاصلة توصي بالمقاطعة لتعرية النظام وعدم اضفاء الشرعية على تصرفاته وخداعه مما أحدث إرباكاً على المستوى الرسمي . الصورة لدينا لم تتغير فالفساد تطور تطوراً مذهلاً وبات يحظي بالحماية والرعايةفي ملاذاته الآمنة ، وأصبح الفاسدون يتكلمون بلا خجل عن التزامهم بالقانون والدستور وكأن مواد الدستور تحض على التربح والرشوة والسطو على المال العام وممتلكات الدولة من الاراضي التي تنهب وأموال البنوك واحتكار السلع الضرورية والتلاعب بالخدمات والدعم الذي يحرمه المواطن البائس ليعطى للكبار وتقف دون ذلك الاجهزة الرقابية عاجزة مغلولة اليد عن ملاحقة هؤلاء الفاسدين . بوقفة بسيطة مع النفس هل تستطيع جماعة الاخوان المسلمين بذات التفكير ( المشاركة من أجل المشاركة) تغيير شيئ في قواعد اللعبة ؟؟ الاجابة لا والله أعلم .