وقع المحظور في مصر ودخلت البلاد في حالة استنزاف وحِراب داخلي وفتنة وتحريض وشيطنة وتنابز غريب وعجيب عن ثقافة البلد وتاريخها وحضارتها المجيدة.. ورويدا رويدا الأوضاع تنزلق نحو الفوضى ..الخاسر فيها الوطن والمواطن المصري الاشعث الأغبر.. المطحون بالفقر والبطالة وشظف العيش وقلة ذات اليد ... ..2..
إنها القاصمة التي تقسم الوطن.. إن لم يتحرك العقلاء، ويبتكروا مخرجا يحفظ لكل الأطراف حقوقها.. ويحيّد دعاة الفتنة والاقتتال الداخلي الموصل إلى هلاك الجميع..ليس عزيزا على أهل العلم وأصحاب الفضل والمروءة والنخوة - وما أكثرهم وأكرمهم-أن يجنحوا إلى سبيل إصلاح ذات البين والمصالحة والتقريب بين الفرقاء من أبناء الوطن الواحد حفظا للدين والوطن والانسان وإكراما للأجيال الحالمة بمستقبل أفضل .. يعيش فيه الجميع في وئام وسلام وتعايش، تكفله شساعة الوطن وعراقة تاريخه وكرم أهله وحكمة علمائه وحنكة نخبته ومسئووليه.
..3..
لا مناص من الاعتراف أولا ..أن الكل أخطأ في حق الوطن.. ولا حاجة اليوم لتقاذف التهم وتصنيف الخاسر والرابح في معركة الكل خاسر فيها.. والخاسر الأكبر هو الوطن ..الاعتراف بالخطأ ليس معناه الفشل والرحيل عن الوطن .. الاعتراف بالخطأ يعني التنازل لصالح الوطن والشعب وتناسي الحقد والضغائن وتصفية الحساب وطي صفحة الماضي والبحث عن سبل التوافق والحوار والرجوع إلى الشعب على خلفية أنه هو السيد.. وهو من يمنح السلطة ويختار من يخدمه وله الحق في سحبها ورفض من يسيء إليه ولا يلبي طموحاته ..
..4..
بالطبع.. نزع الاحتقان في الشارع وفي قنوات التحريض سيكون السبيل الامثل لتصفية الاجواء وتبادل نيات الصلح والتصالح والرجوع الى جادة الصواب والعقل والحكمة وترتيب الأولويات ونكران الذات والذوبان في مصلحة الجماعة الوطنية .. إذ بدون هذا سيظل الفرقاء في الفضائيات يتبادلون التخوين والتخوين المضاد وسيشتغل الشارع ''شغلانة الحرق'' والقنص والتدمير وتمضي الأيام والوطن المصري ينحدر من سيء إلى أسوأ.. والازمة تزداد تعقيدا ككرة الثلج تكبر يوما بعد يوم.
..5..
ليس مستحيلا أن يجلس الليبراليون والعلمانيون ودعاة الحفاظ على الشرعية من الاخوان ومن حالفهم إلى طاولة حوار.. منطلقها مصلحة الوطن والمواطن.. ويضعوا خارطة طريق جديدة ..تبعد البلد عن المخاطر والفتنة الطائفية والتصفية الايديولوجية ويكون أهل العلم من الأزهر وكبار رجلات الدولة والقضاء الضامن الرئيس واللبنة المشتركة للوصول إلى نقطة اتفاق يُبنى على خلفيتها مسار جديد للصلح وبناء الوطن، والرجوع إلى الشعب والاحتكام إليه، والنأي عن التنابز والتخوين والاقصاء.. وخدمة الأهداف الكبرى للبلد، والنظر بعين بصيرة إلى المستقبل والتحديات.
...6...
ما حدث بلا شك يدعو إلى الاسى والحزن من خراب ودمار وخطف وحرق وزهق للأرواح ...لكن هذا لن يجدي نفعا الآن أمام المخاطر الجسيمة التي تحوم حول حمى الوطن المصري الشقيق ..إنه الطريق المخيف.. أن تصير مصر دولة فاشلة غيرمؤهلة لتطبيق الديمقراطية وشعبها غير جدير بالحرية والعدالة ودولة القانون وأن تعود الدولة البوليسية القمعية وتعود سنوات السرية والعمل تحت الأقبية المظلمة .. والعمل خارج القانون ..هذا هو الخطر بعينه ما لم يتفطن الشرفاء والمخلصون ويقوموا بواجبهم في رأب الصدع وإرجاع اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.
....7....
ليس من الحكمة ولا من الواجب الوطني أن يُترك البلد يُحترق ولا تمتد له يد الصلح ..وليس من الرشد السياسي أن تمضي دعوات الاقصاء والاستئصال ولا يقف أهل الفضل والرأي ويقولوا كلمتهم ويرشدوا الجميع إلى ''كلمة سواء'' عادلة تنصف وترجع قطار الوطن إلى جادة الصواب فتُطيب الخواطر وتلين القلوب وتلتئم الجراح ويبدأ مشوار التراجع عن المواجهة الحمقاء بين المواطنيين الأبرياء ..
..8..
لن ينفع المصريين جميعا اليوم التباكي على الماضي واسترجاع المواجع وإحياء المؤلم من الذكريات.. والوقوف في منتصف الطريق ..ما ينفع مصر الشقيقة اليوم هو أن تقف الاطراف المتنازعة في نقطة اتفاق فارقة ، واقامة عدالة انتقالية على قاعدة حفظ الحقوق ..وتقريب وجهات النظر والخروج من حالة الهيجان وكسر شوكة الانتقام وابعاد لغة الثأر والشماتة، واللجوء إلى الرجال المخلصين الداعمين للتهدئة والوفاق والحكمة وإبعاد كل أوجه الفتنة والفرقة من المشهد وتهيئة الاجواء لمصالحة حقيقية تعصم البلد من الانهيار وتلم شمل المصريين و وتعيد ثقتهم في بلدهم ومؤسساتهم ومستقبلهم.
..9..
هل حانت ساعة الحقيقة ولحظة الحوار والحكمة بعد هذا العراك المهلك؟ هل حان وقت مراجعة النفس ومناقشة الأفكار لينظر الجميع في مواقفه ويزنها بميزان الوطن والعقل ويتقدم خطوات إلى الأمل والمصالحة ونسيان الماضي ويطرح أفكار المستقبل ..أفكار التنازل لا التنازع؟هذا هو بيت القصيد الآن ..هذا هو المخرج الآمن للجميع من ورطة التقاتل الداخلي وخطيئة نحر الوطن ...هذا المطلوب شرعا ومنطقا وخلقا وعقلا ..أن يتوجه جميع أهل الرأي والعقل والمشورة إلى طريق النجاة وطوق النجاح..وطريق الاستقرار والوحدة.. وبناء الوطن بيد متلاحمة متراحمة وتأجيل الاختلاف الايديولوجي المختلف عليه وتقديم المتفق عليه.. والنظر بحب ورحمة للوطن وأبنائه مهما كانت تنوعاتهم الفكرية وألوانهم السياسية وتوجهاتهم العقائدية..
...10..
لقد آن أوان المصالحة .. ولم يعد هناك مصوغ للانتظار أمام المخاطر المحدقة داخليا وخارجيا .. ولم يعد مقبولا أن تستمر حالة الااستقطاب الحادة وعلى العقلاء في مصر أن يدفعوا إلى منهج الحوار والتفاهم والوحدة بدل أسلوب السحق والابعاد والسجن ..الامل كبير في أن هناك أصوات ا بدأت ترتفع لنبذ العنف اللفظي والغير اللفظي .. وجميل أن بعض أهل الحكمة بدأوا ينبهون إلى طريق الخطر والفتنة ويرشدون إلى منهج الرحمة والتآلف ..هذا كله بارقة أمل وبصيص تفاؤل وشمعة في نفق مظلم بدأت تلوح في الأفق وحان الخلاص من الدموع والألم والشقاق المهلك للوطن والدين ..أملنا لا زال في الله ثم في بعض الشرفاء ممن ينهجون نهج وساطة الرحمة والحب ولعلمنا أن لغة العقل لازالت والحكمة لم ترحل عن هذه الأرض الطيبة العريقة