اللهم إني أعوذ بك من نار يأكل بعضها بعضا, ويثور بعضها علي بعض تذر العظام رميما, ويسقي أهلها حميما... دعاء يجب الإكثار من ترديده, خاصة والأحوال في العالم العربي بعد الانتفاضات المتتالية لا تلبت أن تهدأ حتي تثور من تراشق النخب, وسطوة إعلام البحث عن فضيحة, وحيرة الناس, فيمن يتحدثون باسمهم, ونيابة عنهم, بينما يفتقرون هم للتعبير عن أنفسهم, من خلال آليات مؤسسية طبيعية تفرز من داخلهم, بسبب الفوضي الإعلامية التي اكتفت بذاتها, وتعوق تشكل الجمهور في أبنية اجتماعية تعبر عن إرادته, اللهم إلا في الاحتجاجات الفئوية التي تطالب بتحسين الواقع المعيش, بالحد من البطالة, وتطوير الحياة المعيشية, وهي الاحتياجات الحقيقية التي تقوم بسببها الثورات, خاصة المصرية, وهي مطالب تحتاج إلي جهد علمي, وتوعية إعلامية, وخطط وبرامج إصلاحية, حتي تصل التنمية لكل فئات الشعب العامل, وهذا الهدف لن يتحقق بلاشك بمجرد خلع رموز الفساد, وإزاحة رأس النظام والانشغال بالماضي, وإلقاء تبعة المعاناة الاجتماعية علي فرد أو مجموعة, وإنما تحل بالنظر إلي الأمام, وكيفية حل المشكلات المعقدة ذات الجوانب المتعددة السياسية والاقتصادية والدينية, وأيضا النفسية والتقاليد الموروثة. كيف نتطلع إلي المستقبل, وما يتطلبه ذلك من جهد علي كل الأصعدة والفكر العام غارق في المقولات الجاهزة, وتبادل الاتهامات والتشكيك الغوغائي؟! فأصبح من يتكلم في احتياجات الناس ومطالبها الحقيقية يتكلم في فراغ, لا يجد من يصغي, والجميع مشغولون بمطاردة الفلول, وفضح الأجندات الخارجية. أعتقد أن الجمهور العام انشغل في قضية لا تغني ولا تسمن من جوع, فمطاردة كليهما يجب أن تخضع لآليات قضائية حاسمة مدققة أما التناول الإعلامي, فيخضع للأهواء, ولا يخلو من غرض, بعد أن دخل المال الإعلامي في ساحة التأثير الفاسد, بعد ما أفسد, كل شيء في الساحة السياسية, فليس خفيا علي أحد أن ما يسمي الفلول وما لهم من سطوة مالية ضخمة, تمكنوا من إعادة إنتاج آليتهم الإعلامية في صور قنوات وبرامج جديدة, تزايد علي أهداف الثورة, وتنافق الجمهور, بدغدغة عواطفه الجريحة, في من ظلموا, في حين لو أزحنا الأقنعة قليلا لاكتشفنا أنهم أشد ظلما وقسوة, وقنابل الدخان يطلقونها حتي لا نلتفت إليهم ونرد لهم السؤال بسؤال... من أنتم؟!. ما يجري الآن حرب إعلامية, مقدمة لحرب اقتصادية, تقود لحرب عسكرية إن احتاج الأمر, تحتاج منا جميعا أن نكون علي مستوي الموقف الحرج الذي يعصف ببلادنا, من حرب أهلية في ليبيا واليمن, وتوترات شعبية في سوريا يغذيها الخارج بكل ما لديه من أسلحة إعلامية ودولية, وفوضي داخلية في تونس ومصر, ولن يأمن منها أحد في دول الخليج, إن لم يتعاون الجميع لوضع أطر واضحة للإصلاح الداخلي, وتحديد وإعلان المطامع الخارجية, ودورها في تأجيج الصراع الداخلي, بوسائلها التي باتت معروفة للجميع, لا لدوائر المخابرات والخاصة فقط من الناس, أداة الحرب الإعلامية التي تشن علي العالم العربي تقوم علي التشكيك في الماضي والحاضر والمستقبل, باعتماد التبسيط والتعميم في تقييم الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وأيضا الدينية والفكرية حسب الأهواء والانفعالات, فيصل التضليل الإعلامي إلي مداه بالتركيز علي أحداث وطمس أخري, ونداءات تحريضية وتخويف وإثارة, ووصل الأمر إلي تزييف الصور والأفلام المفبركة, أما المقولات الجاهزة, فمتوافرة, لمن يرفض التدخل الأجنبي, فيصبح من فلول الاستبداد, ومن يطالب بالإصلاح الجاد, فمن عملاء الخارج, وأعتقد أن من يرفض التدخل الأجنبي هو من يطالب بكل قوة بالإصلاح الداخلي, ويري أن الإصلاح الداخلي هو الضمان الآمن لسد الثغرة التي يتسلل فيها الأجنبي الطامع إلي الداخل, فبالتأكيد هناك طريق ثالث, غير العمالة للخارج والتواطؤ مع الاستبداد, وفساده, لمصلحة الأوطان, وإقامة نهضة لمصلحة الشعب الغائب عن الميدان, رغم كل هذا الصخب!. ولكي تضع الثورة أهدافها موضع التنفيذ وتعطي السلطة للشعب يجب أن تعود إلي الدولة, وإقامة المؤسسات فيها علي أساس القانون, فيصبح الرأي للجميع والقرار للأغلبية, الممثلة في المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية, عندما ننجح في الوصول إلي ذلك, نستطيع أن ننعم بإيجابيات الثورة, بدلا من العشوائية الإعلامية التي تتصدر المشهد, بإبراز بطولات وهمية, وإصدار أحكام تبسيطية أو تعميمية, تستخدم فيها الأيديولوجيا الشعبوية, التي تلعب علي الغرائز الدينية, أو الاحتياجات الأساسية المفقودة, فتصل إلي فتنة تأكل فيها الثورة أولادها, وتصب الفضائيات العميلة الزيت علي النار حتي تظل الفتنة مشتعلة دون جدوي, إلا لمن يهمه إضعافنا والسيطرة علي طموحاتنا التنموية, قبل ثرواتنا وأسواقنا التي يتحكم فيها بالفعل!. خلق أطر تشريعية وتنفيذية تستند إلي الإرادة الشعبية, تقطع الطريق علي المتاجرين بمتاعب شعوبنا المنهكة, من الفساد والاستعمار معا, مما خلق لديها وعيا عميقا بعدم الانجرار وراء الأوهام, وأعتقد أن علينا جميعا مسئولية في اختيار القيادات الكفؤة والعاقلة التي لها تاريخ في خدمة الوطن, لا العدو, ليتسلموا قيادة الوطن في هذه الظروف الحالكة, فقد أوصي ابن رشد في جمهوريته بالقاء زمام الأمور إلي الشيوخ الفلاسفة ليديروها بالعدل والقسط والعقل والحكمة, فكان يري أن شر حكم هو الحاكم الذي يحكم لنفسه لا لشعبه, وشر ظلم ظلم رجال الدين, وكلاهما سبب الخراب لكثير من بلادنا العربية والإسلامية, وحان وقت الحكمة والعلم والشفافية والقانون, وهي أسس جمهورية ابن رشد التي تأثر فيها بجمهورية أفلاطون ولكن الفكرة الصحيحة لا تموت, بل تحيا بحياة من يستخدمها, وهم فلول ابن رشد!. الطريق الثالث لفلول ابن رشد هو الأمل أمامنا لمواجهة الفوضي بالقانون, والفساد بالقضاء, والفتن والتخريب الإعلامي بالحقائق والإعلام النزيه, فمن المعروف أنه يجب أن تداوها بالتي كانت هي الداء, والداء وحاملوه ومروجوه معروفون, ومصادر التمويل مكشوفة سواء المال السياسي أو الإعلامي, ويملك أصحابه الكثير من المال, والقليل جدا من الحياء, ولا يكسر سمهم إلا حكومة قوية, تستند إلي الإرادة الشعبية والمصلحة العامة, وسلاحها البتار هو القانون, ألم يقولوا إن للديمقراطية أنيابا.. وأعني هنا رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون الذي شهدت بلاده أسوأ أحداث شغب في تاريخها الحديث الشهر الماضي فقال لهم: ستشعرون بقوة القانون... وقد كان!. الظروف صعبة تحتاج لحكومة قوية بالشفافية والقانون, لا حكومة منافقة تجاري الغوغاء, وخطرات النسيم تجرح خديها, ولمس الحرير يدمي بنانها!!. المزيد من مقالات وفاء محمود