المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد سيقضي على مشكلة تشابه الأسماء    دوامٌ مسائي لرؤساء القرى بالوادي الجديد لتسريع إنجاز معاملات المواطنين    "حقوق المنصورة "تنظم يومًا بيئيًا للابتكار الطلابي والتوعية بمفاهيم الاستدامة وترشيد الاستهلاك    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    أوبك تسجل ظهور فائض في سوق النفط العالمية    بعثة صندوق النقد تجرى المراجعتين الخامسة والسادسة بالقاهرة.. مطلع ديسمبر    الخارجية الروسية: تقارير تعليق أوكرانيا المفاوضات تشير لعدم إلتزامها بالسلام    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تنفيذ 22 عملية ضد داعش في سوريا خلال شهر واحد    روبيو يعرب عن تفاؤله بصدور قرار أممي بشأن غزة    فضائح الفساد في أوكرانيا تثير أزمة سياسية ورفضا للمناصب الوزارية    إسرائيل تُفرج عن 4 أسرى فلسطينيين من غزة بعد عامين    مدفعية الاحتلال الإسرائيلي تقصف منطقة جنوبي لبنان    بيراميدز في صدارة تصنيف الأندية العربية والأفريقية    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    بتروجت: الاتفاق مع الزمالك على ضم حامد حمدان رسمي والجميع ملتزم به    محمد إسماعيل: الانضمام للمنتخب شرف.. وهذا موعد خوضي المران    بتروجيت: حامد حمدان لم يوقع على أي عقود للانضمام إلى الزمالك    وفاة طفلة صدمتها سيارة في قلين بكفر الشيخ    ليلى علوي: مهرجان القاهرة السينمائي يحتل مكانة كبيرة في حياتي    أروى جودة بإطلالة مميزة في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي    تعرف على تفاصيل حفل افتتاح الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    محامي أسرة أم كلثوم: إجراءات قانونية ضد الشركة المخالفة لحقوق كوكب الشرق    أكلات مهمة لطفلك ولكن الإفراط فيها يضر بصحته    رسمياً.. مجموعة ستاندرد بنك تفتتح مكتبها التمثيلي في مصر    موعد نهائى كأس السوبر المصرى لكرة اليد على قنوات أون سبورت    محافظ كفرالشيخ يتابع فعاليات المسابقة الفنية لمحات من الهند ببلطيم    نجم منتخب فرنسا خارج مواجهة أوكرانيا    احذرى، فلتر المياه متعدد المراحل يُفقد الماء معادنه    مركز أبحاث طب عين شمس يحتفل بمرور خمس سنوات علي إنشاءه (تفاصيل)    غرامة 500 ألف جنيه والسجن المشدد 15 عاما لتاجر مخدرات بقنا    نائب المحافظ يتابع معدلات تطوير طريق السادات بمدينة أسوان    بعثة الجامعة العربية لمتابعة انتخابات مجلس النواب تشيد بحسن تنظيم العملية الانتخابية    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    محمد رمضان يقدم واجب العزاء فى إسماعيل الليثى.. صور    محافظ شمال سيناء يتفقد قسام مستشفى العريش العام    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    وزيرالتعليم: شراكات دولية جديدة مع إيطاليا وسنغافورة لإنشاء مدارس تكنولوجية متخصصة    الداخلية تكشف تفاصيل استهداف عناصر جنائية خطرة    صحفيو مهرجان القاهرة يرفعون صورة ماجد هلال قبل انطلاق حفل الافتتاح    طلاب كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ في زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير    سعر كرتونه البيض الأحمر والأبيض للمستهلك اليوم الأربعاء 12نوفمبر2025 فى المنيا    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    ما عدد التأشيرات المخصصة لحج الجمعيات الأهلية هذا العام؟.. وزارة التضامن تجيب    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    حجز محاكمة متهمة بخلية الهرم لجسة 13 يناير للحكم    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    أمم أفريقيا سر بقاء أحمد عبد الرؤوف في قيادة الزمالك    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطق الثورة والدولة وتجربة الحكم!
نشر في محيط يوم 18 - 02 - 2008


منطق الثورة والدولة وتجربة الحكم!
عرفان نظام الدين
«ليس كل من حمل السلاح يصلح لإدارة دولة والمقاومة وحدها لا تبني دولة»!
هذه العبارة ليست لي، بل هي خاتمة بيان عقلاني حكيم أصدرته هيئة علماء المسلمين في العراق لدعوة الجماعات المسلحة الى توحيد جهودها والاستعداد لما بعد الانسحاب الأميركي وانتهاء عهد الاحتلال، وحددت فيه المبادئ التوجيهية التالية للمقاومين:
*إياكم والغرور ورفض قبول الآخر وتجاهل أحقية فئات واسعة من الشعب في المشاركة والحكم ورفض الاعتراف بدورها في سحق الاحتلال لأنها تشكل الغالبية.
* لا بد ان تضعوا في الاعتبار في اي مشروع سياسي خصوصيات المنطقة والوضع الدولي القائم وتصور ذلك على حقيقته وواقعه.
* المقاومة كثيراً ما تنجح في تحقيق النصر على أعدائها وتفشل في تحقيق أهدافها بعد الوصول الى سدة الحكم.
هذه النظرة الحكيمة والواقعية للأمور تفتح الباب أمام اصحاب الحل والربط، وجميع أطياف الحكم والمعارضة والسياسة والمقاومة وأصحاب الرأي والفكر ورجال الإعلام لأخذ الدروس والعبر والاتعاظ من تجارب الماضي المريرة التي شهدت الصراع المدمر بين منطق الثورة ومنطق الحكم في الحركات والانقلابات والثورات التي مرت على المنطقة خلال عقود قتالية حصدت معها الماضي والحاضر وأكلت الأخضر واليابس وأوصلتنا الى ما نحن فيه الآن.
هذه واحدة، والثانية تحمل العنوان التالي المثير للجدل: «شعبية حركة حماس في تراجع مستمر جراء ما جرى ويجري في غزة، فالفلسطينيون يعتقدون ان الحسم العسكري الذي قامت به لم يكن ضرورياً. وقد فقدت حماس بعد الذي جرى نقاءها السياسي والايديولوجي (العقائدي) والديني، وبات الناس ينظرون اليها كحركة سياسية مثل أي حركة أخرى تستخدم السلاح ضد الشعب الفلسطيني».
هذا الجزم ليس من عندي ولا من اخترع بنات أفكاري، بل هو جزء من نتائج استطلاع للرأي العام الفلسطيني أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وجاء فيه ان ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعارضون الحسم العسكري في قطاع غزة وان شعبية «حماس» هبطت الى 31 في المئة.
ولم نكن في حاجة لهذا الاستطلاع لنرسم صورة قاتمة عن الأوضاع الفلسطينية وخيبات الأمل الفلسطينية والعربية بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزة وممارسة مسلحيها ضد الرموز والقيادات والصحافيين واستخدامها أساليب لا تليق بعربي ولا بمسلم والتي تشبه الى حد بعيد أساليب الاحتلال في قمعه للانتفاضة وتصديه لجماهير الشعب الفلسطيني بغض النظر عن الشكاوى من ممارسات السلطة وفساد البعض وتهاون البعض الآخر وسلسلة الأخطاء والخطايا التي صبت جميعها في خانة مكاسب الغاصب الصهيوني ومنحته الوقت والفرصة لتنفيذ مآربه وتكريس الاحتلال واستغلال الذرائع التي قدمت له على طبق من فضة لتبرير رفضه للالتزام بالاتفاقات والمعاهدات ومبادرات السلام، وزاد الطين بلة، ما جرى أخيراً على معبر رفح واستهداف مصر، كأن المطلوب ان يغلق آخر متنفس للشعب الفلسطيني.
وكم من مرة حذرنا فيها «حماس» من الوقوع في فخ الحكم واغراءات التحكم بالسلطة والدخول في صراع على المكاسب والمناصب. فقد كانت هذه الحركة المجاهدة تمثل النموذج الناصع النقي للجهاد والمقاومة في وجه عدو ظالم لا يعرف الرحمة ولا يفهم إلا لغة القوة وتوازن الرعب، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد انتصر الجناح المتشدد الذي اعتقد ان ثمار الحكم قد أينعت وحان قطافها وان أوان الحسم قد حان. كما ظن من خلال النظرة الرومانسية الضيقة ان الشعب سيبتهج ويحتفل ويسير خلف الحركة بكل سرور ويطيع الأوامر ويلتزم بالقرارات ويخضع للهيمنة.
كما توهم من خطط للحسم العسكري ان كل شيء سيتم بيسر وسهولة وان الحياة ستتحول الى أمن وأمان وسمن وعسل من دون ان يأخذ في الحسبان تعقيدات الأوضاع ووقائع الحصار ومكر الأعداء وقدرتهم على تفجير الأوضاع وقطع شرايين الحياة عن القطاع وأهله الصابرين المجاهدين المنكوبين بأعدائهم وقياداتهم وحركاتهم.
وبكل أسف فإن «الفاس قد وقع في الرأس» وزاد «الحسم» أو «الانقلاب» في تأزيم الأمور وشق الصف الفلسطيني واسهم في زيادة محنة الشعب الفلسطيني وتعميم حالات اليأس وخيبات الأمل والخوف من تعميق الشرخ وإشعال نار الفتنة والتمهيد لحرب أهلية طاحنة بين ابناء الشعب الواحد ورفاق السلاح وإخوة الدم والدين والمصير وافتعال مواجهة خاسرة مع مصر.
وكم كنا نتمنى ان تبقى «حماس» حركة رائدة في المقاومة الشريفة والصامدة، وفي توسيع مشاريعها الخيرية والانسانية والاجتماعية والصحية والتعليمية وان تبتعد عن إغراءات السلطة ومفاسدها وصغائر السياسة ودسائسها ومشاكل الحكم ومؤامراته، فالجهاد لا حدود له ولا نهاية، يبدأ من القلب واللسان ويصل الى اليد والسلاح والقوة.
كما كنا نتمنى ان لا يعامل أعضاء حركة «فتح» والفصائل الأخرى وكأنهم أعداء ليقتلوا ويشردوا ويعتقلوا ويعذبوا وتنهب بيوتهم من دون النظر الى تاريخ نضالهم ومقاومتهم للاحتلال وقيادتهم للانتفاضات المباركة المتتالية في وجهه ونجاحهم في الحصول على اعتراف دولي بالشعب الفلسطيني وحقوقه وهويته الوطنية المشروعة، مع الاعتراف بجنوح البعض منهم وفساد البعض، وايضاً بأخطاء وقصور في مفاوضات السلام ونواقص وشوائب كثيرة في اتفاقات اوسلو.
وكنا نتمنى لو ان قيادة «حماس» وقيادات «فتح» والفصائل الأخرى، التزمت باتفاق «صلح مكة» الذي أرسى قواعد ومبادئ للتعاون والتنسيق والمصالحة والحكم ومواجهة المحتل وتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني الأبي والتخفيف من معاناته ورفع الظلم والجور والحرمان من على كاهله.
تمنينا وتمنينا وتمنينا، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد وقع المحظور وتعمق الشرخ ولم يبق لنا سوى أمل صغير ورجاء كبير بأن يستمع الأفرقاء الى صوت الحق ونداء الرحمن وصرخات الأيتام والثكالى وأنين الجرحى وحسرات أرواح الشهداء، ويعودوا الى جادة الصواب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ورأب الصدع وترميم الشروخ ولملمة الخلافات وتضميد الجراح وفتح صفحة جديدة من التآلف والتعاون والتضامن في وجه الأعداء.
لا بد من الإتعاظ من دروس الماضي وآلام التجربة المريرة الاخيرة، فلا الكرسي يستحق هذا النزاع ولا السلطة تستأهل القفز للهيمنة عليها وهي على حال ترثى عليه ولا تسر عدواً ولا صديقاً في ظل الاحتلال والفقر والبطالة والحصار وغياب الاعتراف الفعلي بها.
المصالحة وحدها هي الحل، والمصارحة هي السبيل نحو جادة الصواب والحق، والتسامح هو خشبة الخلاص ل «فتح» و «حماس» وللشعب الفلسطيني بأجنحته المشتتة في فلسطين عام 1948 ومناطق السلطة (الضفة وغزة) وفي ديار الشتات ومخيمات البؤس والهوان والظلم الذي لم تشهد له الانسانية مثيلاً.
وإذا كانت تجربة فلسطين قد وصلت الى ما وصلت اليه وبات واضحاً ما آلت اليه الأوضاع وما نجم عن انتقال «حماس» من حال المقاومة الى تجربة الحكم، فإننا لا نستطيع الحكم على المقاومة في العراق لأنها ما زالت في مراحلها الأولى ولم تصل الى «نعيم» الحكم أو «جحيمه»، ولكن الجواب يقرأ من عنوانه وبيان «هيئة العلماء» وضع النقاط على الحروف ورسم خريطة طريق لفصائل المقاومة ودق ناقوس الخطر.
محذراً من خلافاتها وانشقاقاتها وصراعاتها واستعداداتها للقفز الى سدة الحكم بعد انتهاء الاحتلال لقطف الثمار وتكرار تجربة أخطاء وخطايا الآخرين في حال عدم التزامها بالواقعية وتحليها بالحكمة واعترافها بحق الغالبية في الحكم وعدم اتباع سياسات وأساليب العزل والإقصاء والهيمنة على مقدرات البلاد ورقاب العباد أسوة بما جرى ويجري في عالمنا العربي والاسلامي المنكوب بسلطاته ومعارضاته التي انتقلت من آفات التخوين والاتهام والتطهير الى أوبئة التكفير والقتل والتفجير.
والمخرج الواضح والجلي من هذه المعضلات يكمن في الاتعاظ من دروس الماضي وتجنب اتباع أساليب التفرد والهيمنة وفق مبادئ «أنا أو لا أحد» و «أنا ومن بعدي الطوفان»، و «كل من ليس معي فهو عدوي... وضدي»، حتى لا تحتدم المواجهات وتعم المخاطر وينتشر الدمار ونصل الى الآتي الأعظم والأدهى.
فتجاربنا المريرة نجمت عن أسباب كثيرة على رأسها كيد الأعداء ومؤامراتهم ومطامع الآخرين، لكن بأدوات عربية واسلامية، عن جهل أو عن علم، إلا ان المعضلة الكبرى نجمت أولاً عن صراع منطق الثورة ومنطق الدولة ثم عن عقلية وعقيدة المقاومة وواقعية الحكم وممارسة السلطة، خصوصاً في ظل الحركات الاسلامية المتنامية بعد تواري الحركات القومية الثورية واليسارية.
وقد كتب الكثير عن تجارب الأخيرة ومآسيها وعن الأحوال التي أوصلتنا اليها، إلا أن المجال هنا لا يتسع في هذه العجالة إلا الى التطرق الى أمثلة الحركات الاسلامية، مقاومة وحزبية، وتجاربها عند التأرجح بين مرحلتين والانتقال من المقاومة الى السياسة... والسلطة.
* في السودان قامت «ثورة الانقاذ» بغطاء اسلامي بحت أمنته «الجبهة القومية الاسلامية» بقيادة الدكتور حسن الترابي، وكان منتظراً ان تسيطر على الحكم وتطبق الشريعة الاسلامية، ولكن الرياح لم تأت بما تشتهي سفنها فلا هي تمكنت من الحكم، بل طردت من «جنته» المزعومة وسيق رموزها الى السجون، ولا هي طبقت الشريعة بعد ان سيطر العسكر على الحكم بقيادة الفريق عمر البشير الذي تخلى عن حلفائه وأبقى على ستار شفاف يدعي فيه «اسلامية النظام» والباقي معروف لما وصل اليه السودان وشعبه وسلطته وما شهده من حروب في دارفور والشرق وصولاً الى الجنوب المهدد بتجدد الحرب وتنشيط دعوات الانفصال.
* في ايران قامت الثورة وهي تحمل الصبغة الاسلامية، بقيادة الإمام الخميني، ولم يحسم حتى الآن الصراع بين منطق الثورة ومنطق الدولة بعد تجربة الرئيس السابق محمد خاتمي ومحاولاته المستميتة لتأمين سيادة القانون والتحول الى عقلية الدولة في الإدارة والحكم والحياة العامة، وبعد حروب وأزمات وحصار وأخطار ومشاكل طائفية وعرقية وسياسية لا يزال الصراع قائماً مع ظهور بوادر تحول يحاول الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني حيازته بعد وصوله الى مناصب حساسة وتأهبه للعودة الى الإمساك بزمام الأمور خلال سنتين.
* في لبنان، تعتبر تجربة «حزب الله» مثالاً في تناقضات العمل المقاوم ومجابهة العدو والعمل السياسي والدخول في دهاليز السياسة المحلية وزواريب المناورات والدسائس التي يشتهر بها لبنان عبر التاريخ بسبب أوضاعه الداخلية وحساسياته الدينية والطائفية وتوازناته الداخلية والاقليمية والدولية وخلفيات الصراع مع العدو وأجواء الحرية التي ينعم بها والنظام الديموقراطي الأعرج الذي يسير عليه على رغم الحروب والأهوال والصراعات.
ولهذا كان على الحزب ان يختار «إما البقاء في موقع المقاومة، بكل ما تحمله من نقاء وطهارة وقيم، أو الولوج في عالم السياسة بكل ما تحمله من وسائل واساليب ودسائس ودنس».
كل التجارب العربية والاسلامية والدولية أثبتت انه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، المزاوجة بين منطق الثورة ومنطق الدولة وبين وسائل المقاومة وضوابطها وبين أساليب الدولة وقيودها وقوانينها ودساتيرها وثوابتها وسيادتها.
الاستثناء الوحيد في هذه الأمثلة جاء من التجربة التركية بعد وصول حزب اسلامي فاعل الى السلطة بأساليب ديموقراطية، حيث تمكن بفضل اعتماده منطق الدولة ومماشاة قوانينها والالتزام بدستورها وتوازناتها المدنية والعسكرية من الوصول الى رئاسة الجمهورية بعد رئاسة الوزراء وحصد الغالبية في البرلمان، على رغم التحفظ على النتائج المرجوة وعلى المحصلة النهائية لأن الصراع لم ينته فصولاً بعد والجيش لم يتخل عن عدائه للاسلاميين وتبنيه العلمانية القاسية، بل هو يعد العدة للانقضاض على الحكم، ووضع حد لهذه التجربة الاسلامية الفريدة التي نتمنى ان تنجح وتكون مثالاً يحتذى به.
وبانتظار ذلك، ما زال الجدل قائماً حول مصير الصراع بين منطق الثورة ومنطق الدولة وبين منطق المقاومة ومنطق الحكم... والدولة معاً.
عن صحيفة الحياة
18/2/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.