كتب المحلل والمستشار السياسي هنري سيغمان مقالا في مجلة "فورين بوليسي" جاء فيه: "أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي، أذهل اخيرا زملاءه في الحكومة الإسرائيلية - ومحللي الشرق الأوسط في كل مكان - بالمطالبة بأن تنهي إسرائيل وضعها كقوة محتلة في قطاع غزة والسماح ل"حماس" بإنشاء دول فلسطينية مستقلة في ذلك الجيب. لقد رفض الجميع تقريبا اقتراح ليبرمان، وقد جاء من الرجل الذي يشير إليه منتقدوه الإسرائيليون على انه "الحارس من كيشينيف"، لكونه في الواقع عمل حارسا يطرد غير المرغوب فيهم من أحد النوادي في العاصمة المولدوفية قبل هجرته إلى إسرائيل. لقد اقترح ليبرمان أن تستخدم إسرائيل نظاما حدوديا يزيل سيطرتها الفعالة على مداخل غزة الحيوية الاقتصادية بينما تبقي على متطلباتها الامنية الشرعية - وهي فكرة لا يمكن توقعها من زعيم إسرائيلي يميزه احتقاره للديمقراطية وكراهيته المرضية للعرب، سواء أكانوا مواطنين في إسرائيل أو واقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي. جيفري أرونسون كان المنشق الوحيد عن ردة الفعل العامة لاقتراح ليبرمان. وفي رسالة إلى هذه المجلة، قام هذا المدير لمؤسسة السلام في الشرق الأوسط بتأييد فكرة ليبرمان. وأشار إلى أنه عام 1974، ألزمت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها ب"إنشاء سلطة وطنية مقاتلة من أجل شعبها على كل منطقة محررة من الأراضي الفلسطينية". ويقول أرونسون إنه إذا لم يكن الفلسطينيون والإسرائيليون قادرين على تحقيق هذا الهدف على كامل الضفة لغربية، "فإن هذا ليس سببا لمنع إنشاء منطقة متصلة جغرافيا تحت السيادة الفلسطينية في غزة، أو في أي مكان آخر تكمن فيها مثل هذه الفرصة". وهو يعتقد أن دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة "لا يمكن إلا أن تصنع تحولا إيجابيا في المشهد الفلسطيني الداخلي والديبلوماسي الدولي". مع احترامي لتحليل أرونسون وتفكيره الاستثنائي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإنني اعتقد أن وجهة نظره بخصوص اقتراح ليبرمان خاطئة. ويشير التزام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 والذي يتحدث عنه أرونسون إلى "سلطة وطنية مستقلة مقاتلة". وأنا أعتبر المصطلح "مقاتلة" على أنه يعني سلطة ستتابع الكفاح بجميع الطرق لاستعادة الأراضي الفلسطينية - أو على الأقل تلك التي تقع ضمن حدود ما قبل 1967. وهذا بالتأكيد لا يتفق مع الشرط الذي أرفقه ليبرمان بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وهو "الحفاظ على متطلبات إسرائيل الأمنية المشروعة". وتوقع أن توافق "حماس" على إنهاء جهودها الخاصة لدحر الاحتلال الإسرائيلي عن الضفة الغربية مقابل اعتراف إسرائيل باستقلال غزة هو امر غير واقعي تماما. "حماس" لن تحقق "متطلبات إسرائيل الأمنية" إذا لم تعرض إسرائيل الانسحاب من غزة و95 في المئة من الضفة الغربية. بالتأكيد، فإنه حتى القيادة الفلسطينية "المعتدلة" في رام الله، والتي أعلنت نيتها التفكير في التبادل المتساوي للأراضي على جانبي حدود عام 1967، رفضت الاقتراح الإسرائيلي بالسيادة الفلسطينية على حدود موقتة. لقد عرضت "حماس" التخلي عن العنف ضد إسرائيل مقابل قبول إسرائيل بهدنة طويلة الأمد وانسحاب قواتها المحتلة إلى حدود ما قبل 1967. لكنها لن توافق أبدا على إنهاء "مقاومتها" مقابل إجراء يسمح لإسرائيل بتعميق مشاريعها الاستعمارية داخل الضفة الغربية. ويضيف الكاتب: "تخيل إذا ما كان الحرب الإسرائيلية التي يسمونها (حرب الاستقلال) قد انتهت بشكل مختلف عام 1948، بسيطرة الفلسطينيين على 99 في المئة من مساحة فلسطين، واقتصر اليهود على جيب مثل قطاع غزة. تخيل إذا ما عرض الفلسطينيون على اليهود دولة في ذلك الجيب، لكن بشرط أن يوقفوا كل الأنشطة التي من شانها أن تهدد "المتطلبات الأمنية" الفلسطينية. هل كان اليهود سيقبلون بذلك؟ ليبرمان قدم اقتراحه لأنه يفضل أي إجراء يعتقد أنه سيخفف من الضغوط الأميركية والدولية عن إسرائيل بالانسحاب من أكثر بكثير من نصف الضفة الغربية، والبقية التي يريد هو ونتنياهو أن يرفقها "بالدولة اليهودية" - وقد فعل ذلك بالفعل من أجل كل الأهداف العملية. هو ونتنياهو يبحثان بيأس على كل الاستراتيجيات التي يمكن أن تشتت انتباه العالم الخارجي لمدة كافية حتى يقوموا بترسيخ المنشآت الاستيطانية أكثر فأكثر وبشكل لا يمكن الرجعة فيه أكثر مما هو حاصل. وماذا يمكن ان يكون أفضل لذلك من إشغال المجتمع الدولي (جورج ميتشل، دينيس روس، اللجنة الرباعية) للأعوام الخمسة المقبلة بترتيب استقلال غزة والدولة التي تحقق "متطلبات إسرائيل الأمنية المشروعة" - بينما تكمل إسرائيل "تهويد" القدسالشرقية ومعظم إن لم يكن كل الضفة الغربية. قد تؤدي فكرة ليبرمان إلى "تحول في المشهد الفلسطيني والدولي"، لكنني أخشى أن ذلك سيحدث فقط بالطريقة التي تحكم بالموت على كل أمل ما زال موجودا بأي شيء سوى النتيجة العنيفة للسيطرة الإسرائيلية على الأرض لتحقيق "كامل أرض إسرائيل". إنها فكرة تم تجاهلها بشكل صحيح. لكن للأسف، تم تجاهل الفكرة التي نبذ من خلالها أوباما التصعيد الذي أدى إلى إطالة العذاب الذي يسمى "عملية السلام" وحول هدف حل الدولتين إلى شعار فارغ، وبدلا من ذلك تقديم مخطط للاتفاق للطرفين يمكن أن يدعم تطبيقه هو والمجتمع الدولي. ويكاد عمر تلك الفكرة التي طال تجاهلها أن ينتهي"