لقد ساءني كما ساء كثيرين من المخلصين واهل العلم والاختصاص ما انتشر هذه الايام من دعوات محمومة للامتناع عن أداء حق الدولة وحرمانها من تحصيل مستحقاتها من دفع رسوم الماء والكهرباء والمدارس والمترو والمواصلات والإيجارات العامة بهدف التأثير على ميزانية الدولة وزيادة عجزها المتزايد أصلا بدعوى دفع النظام الحاكم إلى التخلي عما قام به من أحداث عقب 30 يونيو وعزل رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي وتعطيل الدستور وغير ذلك من الإجراءات وما ساءني أكثر هو تصدر حركات تحسب على الاسلام هذه الدعوات والمطالبات مع ادعائها امتثال منهج الاسلام وتقدم نفسها للناس على انها حامية للدين ومدافعة عنه وذابة عن حياضه بينما هي في حقيقة اول من ينتهك حرماته ويرتكب محرماته بدون حجة من الله وبرهان ولا اعلم من اين اتوا بشرعية هذا الامر الذي هو من جملة المحرمات قطعا ولعل الكيد السياسي هو الذي دفع هذه الجماعات الى تقليد مجموعات سياسية في هذا الامر ورد الصاع اليهم فأين المشايخ والعلماء والدعاة من هذا الامر الذي يهدم الدولة ويقوض أركانها ويعمل على تأخرها؟ مسلمات يجب تقديمها: · أن للمسلم اخلاقا تنأى به ان يرتكب حراما او يفعل موبقا حتى وهو في حالة حرب مع اعدائه الكافرين وخصومة معهم كما اوصى النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه وأصحابه (لا تقتلوا صبيا ولا امراة ولا راهبا في صومعته) هذا في حال حرب مع كفار فما بالنا ونحن مع شركائنا في مصر التي شربنا من معينها وعشنا على اديمها بل واختلطت دماؤنا جميعا في سيناء والتحرير وموقعة الجمل ثم يأتي من يريد هدم المجتمع وتدمير اقتصاده والعمل على تزايد ازمات اقتصاده. · أن الاصل في تصرفات المسلم وأعماله ان تكون موافقة لشرع الله حتى يحقق العبودية لله تعالى فما وافق الشرع يجب قبوله وإن خالف هواه وما خالفه يجب الابتعاد عنه وإنكاره حتى وإن وافق هواه. · أن حب الأوطان والمحافظة عليها من الإيمان وعلامة على صحة قلب المسلم ولا تخالف عقيدة او تنافي ايمانا: · أن المسلم هو رسالة رحمة للناس وليس نذير شؤم يهدم المجتمعات ويعمل على خرابها بدافع الخصومة السياسية. · أن المجال السياسي وما تعتريه من خصومات هو من جملة افعال المسلم التي سيحاسب عليها وسيجزى على اعمالها فلا انفصال بين حال المسلم في المسجد وحاله في ميدان المعارضة. أوجه تحريم الامتناع والإضراب عن دفع مستحقات الدولة: بداية نقول إن ما ينتشر الآن من دعوات محمومة للامتناع عن دفع اموال الدولة مستحقاتها في الذمة امر محرم باتفاق لم يوافق عليه أحد من اهل العلم الذين نثق في علمهم وورعهم وسيكون بيان ذلك من خلال النقاط الآتية: ما هو التوصيف الشرعي لمستحقات الدولة؟ مستحقات الدولة من فواتير ماء وكهرباء وتلفونات وإيجارات عامة ومترو ووسائل نقل عامة ورسوم مدارس وجامعات في التوصيف الشرعي هي اموال عامة تعني أنها مملوكة للدولة وليست مملوكة لأشخاص أو حكام أو نظام حكم وهي تشمل كل ما يدخل في ملك الناس عامة, وما دخل في ملك الدولة بصفتها راعية لمصالح الناس, ولانتفاع الأفراد بهذه الملكية, كما أنها تتبع الدولة وتستغل لمصلحة الناس وبناء على ما سبق يمكن تعريف المال العام بأنه :" هو كل مال لم يتعين مالكه لا حصراً, ولا تحديداً وأباح المشرع انتفاع الأمة به جميعاً ".ويدخل ضمن مفهوم المال العام كل ما يدخل في ميزانية الدولة, والأموال التي خرجت من ملكية الأفراد, وكذلك المرافق العامة المخصصة لجميع الناس, والمساجد, والحدائق العامة, والمشافي, والأبنية التابعة لها ومركبات النقل العامة, وخطوط الكهرباء, والمياه في الشوارع قبل إيصالها إلى المنازل وبعده وغير ذلك مما هو مملوك للدولة ومن ثم فلا خلاف بين الفقهاء في أن مَن أتلف شيئًا من أموال بيت المال بغير حق، كان ضامِنا لِما أتلَفه، وأن من أخذ منه شيئا بغير حق لَزمه رده، أو رد مِثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان قِيميا ومن ثم فليعلم شعب مصر ان ما تملكه الدولة هو ملك للناس وليس ملك لها ومن كانت حرمة المال العام اشد حرمة من الخاص لاشتراك الناس في ملكه اما الخاص فمالكه شخص واحد. ما حكم هذا المال؟ وردت نصوص كثيرة تحرم المال العام وتنهى عن الاعتداء عليه والأدلة على ذلك متظاهرة ومتعاضدة منها ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ tقَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: ((فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ)) ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا. لكن قد يقول قائل إنني حينما ادفع هذا المال اقوي النظام القائم وأنا اريد أضعافه ولا اريد اضعاف الدولة. نقول إن الدولة (في النظام العام) أو بيت المال (في النظام الإسلامي) له شخصية اعتبارية مستقلة وأهلية خاصة وذمة مالية مستقلة تجعلها تكتسب الحقوق وتتحمل الواجبات وبذلك تكون شخصيتها منفصلة تماما عن القائم عليها ولا صلة لها به سواء كان رئيسا أو رئيس وزراء أو نظام حكم فالدولة جهة منفصلة ذات قوام حقوقي له تنظيم خاص به يمثل من خلاله مصالح مجموع الناس في الأموال التي ترد عليه وبالتالي فالدولة المصرية في مفهوم الشرع والقانون لا علاقة لها بالقائم عليها. لكن لماذا لا يجوز الامتناع عن دفع مستحقات الدولة؟ لا يجوز الامتناع أو الإضراب عن دفع مستحقات الدولة لأسباب بعضها يعود إما إلى: · المال نفسه الذي يمتنع عن دفعه للدولة. · وإما يعود إلى قواعد الشريعة التي من خلالها يحرم الفعل أما الأسباب التي إلى المال نفسه الذي يمتنع عن دفعه للدولة فمن أهمها: 1. لأنه استيلاء على هذا المال بغير حق : فهذا المال تعود ملكيته كما ذكرنا إلى الدولة وهي شخصية مستقلة لها ذمتها المالية الخاصة ومن ثم فالامتناع إنما هو بمثابة أخذ مال بغير وجه حق لأنه متعلق بذمة هذه الشخصية الاعتبارية ولهذا كان يتورع سلفنا الصالح عن التورط في مال المسلمين فهذا عمر بن عبد العزيز جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلاً وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما ، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر : انتظر فأطفأ الشمعة وقال له : الآن اسأل ما بدا لك ، فتعجب الوالي وقال : يا أمير المؤمنين لم أطفأت الشمعة ؟ فقال عمر : كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء بنورهم ، وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين.. 2. ولأن الامتناع خيانة للعقد المبرم مع الدولة: وذلك في المستحقات المتعلقة بفواتير الكهرباء والماء والغاز فأصل هذه المستحقات عقود مبرمة بين المواطن وبين شركات هذه الخدمات وواجب المسلم أن يؤدي الأمانة قال تعالى (أوفوا بالعقود) وعدم دفع هذه الفواتير مخالفة صريحة لبنود هذه العقود والإتفاقات. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل، بل العقلاء جميعًا" (مجموع الفتاوى 29/516 والقواعد النورانية ص53). 3. ولأن الامتناع أكل لأموال الناس بالباطل: فالواقع أن من يمتنع عن دفع فواتير الكهرباء والماء وغير ذلك من موارد الدولة قد انتفع بذلك وكان الواجب عليه ان يدفع ثمن ما انتفع به لمالكه أي الدولة أو الوكيل عنه وهي الشركات الحكومية فلما امتنع كان ممن يأكل أموال الناس بالباطل وهذا لا يجوز حتى مع الكافر فما بالنا في دولة إسلامية كبرى كمصر تعاني أصلا من نقص الموارد وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل يجوز توقيف ساعة (عداد) الكهرباء أو الماء في دولة كافرة من أجل إضعاف تلك الدولة ؟ مع العلم بأن الدولة تأخذ مني ضرائب ظالمة رغماً عني لا يجوز لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل. وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً : هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالهما ؟ علما بأن معظم هذه الأمور تتولاها شركات مساهمة يمتلكهاعامة الناس فأجابت لا يجوز ؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل ، وعدم أداء الأمانة ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) أما تحريمه بالنظر إلى قواعد الشريعة أولا: لحرمة الغاية التي يقصد منها هذا الفعل: فقد اتفق الفقهاء جميعا على أن الدولة لها شخصية اعتبارية مستقلة ولا صلة لها بمن يقوم عليها من حكم او نظام أو سلطان فإذا علمنا تقرر بالضرورة أن الامتناع عن دفع مستحقات الدولة لن يؤدي إلى زوال النظام ولكن سيؤدي إلى هدم الدولة حتى وإن زال النظام – جدلا- سيزول عن دولة مدمرة فاشلة لا تقوى على القيام بأعبائها ومن ثم يكون الأمر حراما لفساد غايته ومعلوم أن غاية المسلم ومقصده لا بد وأن تكون مصلحة شرعية معتبرة لان من اهم مقاصد التشريع هو تحصيل المصالح وتكثيرها وازالة المفاسد او تقليلها قال ابن قيم الجوزية "الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة ومصالح كلها وحكمة كلها" ثانيا: لأن الامتناع عن الدفع وسيلة محرمة الامتناع عن دفع فواتير الدولة وسيلة محرمة في ذاتها للأسباب السالفة ومن ثم فالوسيلة في الشرع لا بد وان تكون شرعية لأنها تأخذ حكم مقصدها فإن كان مقصدها مشروعا فلابد وأن تكون مشروعة هي أيضا ولذلك يقول الشافعي (الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام) الأم 73 ثم عبر العلماء عن هذا المعنى بقولهم (الوسائل لها أحكام المقاصد) قواعد الأحكام 1/46 وعلى ذلك عبر الإمام ابن جزي المالكي بقوله (والوسيلة إلى الحرام حرام) تقريب الأصول 255 وقال ابن القيم : " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها ، كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها معتبرةً بها ؛ فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ، ووسائل الطاعات والقُرُبات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، وكلاهما مقصود قصد الغايات ، وهي مقصودة قصد الوسائل " وعلى ذلك فلا يجوز الوصول إلى الصحيح أو المقصد الشرعي إلا بوسيلة شرعية لأن للوسائل أحكام المقاصد وهنا الوسيلة محرمة فقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي المجاهدين بالوصايا الأخلاقية حتى مع الأعداء كنهيه عن الغدر وعن قتل النساء والشيوخ والصبيان كما أنكر العلماء على جماعة من الرواة وضع الأحاديث النبوية بقصد الحسبة وذكروا أن هذا من أشد أنواع الوضع ضررا ما سلامة الغاية وحسن المقصد وهو دفع الناس عن الفساد كما قال أحدهم( إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي أبي اسحاق فوضعت الحديث حسبة) توضيح الأفكار 81/2 وقال الإمام الغزالي عن التوسل إلى الخير بالشر- فهذا كله جهل والنية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع- شر أخر فإن عرفه فهو معاند للشرع وإن جهله فهو عاص بجهله إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم) إحياء علوم الدين 4/368 ويقول ابن تيمية( ليس كل سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعا ولا مباحا وإنما يكون مشروعا إذا غلبت مصلحته على مفسدته مما أذن فيه الشرع) مختصر التفاوي المصرية) 169 وقال الإمام العز رحمه الله (لا يتقرب إلى الله إلا بأنواع المصالح والخيور ولا يتقرب إليه بشيء من انواع المفاسد والشرور بخلاف ظلمة الملوك الذيت يتقرب إليهم بالشرور كغصب الاموال وقتل النفوس وظلمهم العباد وإفشاء الفساد وإظهار العناد وتخريب البلاد) قواعد الاحكام 1/112 حتى وإذا قلنا إن البعض أجاز أن صحة الغاية لا يلزم عنها صحة الوسيلة فنقول إن ذلك متوقف على قيدين: القيد الأول: أن تكون الغاية مشروعة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد وهنا الغاية فاسدة لأنها هدم لمقدرات الدولة واستيلاء على أموالها بغير وجه حق.
القيد الثاني: أن يكون ضرر الوسيلة المحرمة التي توصل إلى تلك الغاية المشروعة أقل من مصلحة الغاية المتحققة بها لا أكثر ولا مساويا، وهذا أيضا قيد غير متحقق فمن يقول من العقلاء حتى وإن كانت مرجعيتهم غير إسلامية أن هدم اقتصاد مصر وانهيار أركانها أقل مفسدة من زوال النظام القائم بل إن الجوامع الوطنية القليلة التي التقت عليها اطياف العمل الوطني في مصر وجوب المحافظة على (الدولة) لأنها مفسدة كبرى يهدر في ظلها الامن وحفظ الاعراض والقيام على مصالح الناس. ثالثا: لقاعدة: الضرر لا يزال بمثله: من أوجه تحريم الامتناع عن دفع استحقاقات الدولة ما تقرره قاعدة (الضرر لا يزال بمثله) فهذه القاعدة تعد قيدا لقاعدة "الضرر يزال"، التي أوجبت إزالة الضرر قبل وقوعه ودفعه بعد وقوعه، فإن إزالة الضرر لا يجوز أن تكون بإحداث ضرر مثله ومن باب أولى أن لا يزال الضرر بضرر أعظم منه، فالشرط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير، ويتضح هذا من خلال هذا المثال، فمن غصب حبلاً وربط به سفينة له في البحر، فلا يقال ان هذا ضرر على صاحب الحبل فيجب نزعه ولو غرقت السفينة لأن غصب الحبل ضرر، وإزلته على تلك الحال ضرر مثل ضرر صاحب الحبل بل يفوق، مع أنه يمكن إزالة الضرر بإعادة الحبل وإيجاب قيمة الأجرة عليه فإذا كان الوضع الحالي عن فئة من الناس ضررا فيجب ان يعلم ان الامتناع عن دفع ما للدولة من حقوق ضرر يفوق هذا الضرر ويزيدون عليه فإننا راينا شعوبا تعيش دهورا لأنظمة وهي كارهة تطعم من جوع وتأمن من خوف ولكن لم نر شعوبا بلا دولة ولا نعلم مجتمعات بلا حكومات. لقاعدة: تفويت ما لا يدرك بتحصيل ما يدرك وهذه القاعدة فرع من فروع قاعدة الموازنات (تحصيل ادني المفاسد بتحقيق اعلاها) والمقصود بها في الحال المصري ان التأزم الاقتصادي هو عماد الدولة الحديثة وأن انهيار مقدراته هو انهيار للدولة بمعناها العام الذي يعني المحافظ على النظام العام ويكفل حماية المصالح الاساسية للخلائق من امن واقتصاد وحماية للحدود مفسدة لا تدرك والتاريخ المعاصر شاهد على ذلك فقد ضاعت دولة الصومال ولم تعد وضاعت العراق ولم تعد دولة موحدة وهي هي سوريا في مستقبلها في علم الغيب وغالبا لن تعود موحدة فتوفيت هذه المفسدة التي لا تدرك غالبا بتحصيل مفسدة تدرك وهي التعدي على المسار الديمقراطي ووضع خارطة طريق جديدة دون الرجوع إلى الشعب مفسدة يمكن ان تدرك بمعارضة سلمية او تفاوض توافقي أو الرجوع إلى الشعب المهم أنها مفسدة تدرك بحال اما سقوط الدولة فلا يدرك ومن ثم فإن ميزان الشريعة يوجب تحصيل ما يدرك وتفويت ما لا يدرك
قد يقول قائل أنا لا امتنع بالكلية هي ستكون دينا سادفعها عند انهيار النظام: هذا الكلام مردود وهو بمثابة رشوة ضمير من يفعل ذلك حتى لا يشعر بحرج شرعي فيرشو ضميره بأنه سيرد هذا المال ولو بعد حين وهو كلام مردود من وجوه: أولها: أنه فتح لباب فتنة كبيرة فإذا جاء الحكم الذين يريدونه سيأتي المعارضون والخصوم – لا سيما وان الشارع المصري في حالة انقسام حقيقي- سيمتنعون عن دفع مال الدولة ويرددون نفس كلام المعارضين الان ولن يدفعوا حتى يزول النظام وتظل مصر ملعبة في ايدي الخصوم فإذا رضوا دفعوا وإذا سخطوا إذا هم يمتنعنون. ثانيا: أنه قياسا على الزكاة التي لا يجوز تأخيرها إلا لمصلحة فالحرمة في التأخير هنا أشد من دفع الزكاة لأن التأخير في دفع الزكاة سيترتب عليه التأخير في دفع فقير او مجموع من الفقراء وفي الامتناع عن دفع مال الدولة مفسدة كبرى وهي التأثير على الجميع من خلال انخفاض ايرادات الدولة. ثالثا: اتفق الفقهاء على عدم جواز تأخير حق الغير في الذمة إن كان المكلف قادرا ومليئا فإذا كان هذا في المال الخاص الفردي فلا شك أنه أشد حرمة في المال العام الجماعي. رابعا: أن التأخير سيترتب عليه تعلق الذمة بحق الغير فإذا جاء الأجل فإما أن يدفعه عنه وارثه أو يظل متعلقا بمجموع الامة لأنه مال الدولة. أخيرا:الجماعات الجهادية لا تجيز الامتناع عن الدفع مع تكفيرها للأنظمة!!!! الغريب أنه مع ادعاء التحالف الوطني لدعم الشرعية وسطيته واعتداله ومع ادعاء كثير من رموزه إنكارهم على المتشددين أفعالهم نجد أن الجماعات الجهادية التي تحارب أنظمتها ومع العداوة المستحكمة بينهما لا تجيز الامتناع عن دفع فواتير الكهرباء فقد جاء سؤال في موقع التوحيد والجهاد وهو من أكثر المواقع تشددا ومغالاة هل يجوز دفع فواتير الكهرباء والخدمات الأخرى للطواغيت ؟ الإجابة: إن ما يحصل عليه المسلم من خدمات ومنافع بعقد بيع أو شراء أو مقايضة وانتفاع يجب دفع مقابله، سواء في مجال الصحة أو الماء أو الطاقة الكهربائية أو البيئة أو غير ذلك، وسواء حصلت على هذه الخدمات من مسلم أو كافر أصلي أو مرتد؛ لأن هذه الخدمات هي خدمات عامة ملك لجميع المسلمين، فليس معنى تولي المرتدين أمرها أن يحل سرقتها أو التهرب من أدائها، خاصة أنها عقود منافع أو بيوع يجب الوفاء بها. موقع التوحيد والجهاد.