يشعر الكثيرون بالإحباط , بعد تحطم الأحلام التي راوادتهم مع إقصاء الإسلاميين عن المشهد السياسي الذي يبدو أن قوات النظام بما لديه من شهوة انتقامية , لن تكتفي بالتوقف عند معناه السياسي فقط , وأن ما لديها من شهوة انتقامية , يشعرها بضرورة مواصلة الضربات ضد الإسلاميين لإقصائهم عن المشهد الاجتماعي والثقافي كذلك , ولو تطور الأمر – وقد حدث – إلى إقصاء عن مشهد الحياة نفسها لكان أفضل . لقد كنت واحدا من هؤلاء المتعاطفين مع التيار الإسلامي , ولا زلت أيضا أشعر بذات القدر من التعاطف , بل ربما لا أبالغ إن قلت إن ما لدي من حب وتقدير لهم و لأفكارهم النبيلة قد تعاظم . الإسلاميون بشكل عام يتمتعون بصفات كثيرة إيجابية , ويحلمون كما يحلم الشرفاء بوطن أكثر حضورا وتأثيرا في المشهد الدولي والإقليمي , وربما لهذا السبب كانوا يبدون للناس في حالة استعجال عاطفي لتحقيق آمالهم الوطنية , ما كان له أثر سلبي واضح على الأداء السياسي لهم , فكانت النتيجة هي ذلك الانهيار السريع لبناء كان يتسم بالهشاشة . وكما كنت واحدا من الذين كانوا يحلمون بتغيير حقيقي , فقد أصبحت أيضا واحدا من المحبطين بعد سقوط الحلم تحت سنابك الواقع القديم مرة أخرى . لكن مشكلة الإسلاميين التي لا أعاني منها أنني وإن كنت أشعر بالإحباط , فلا أشعر بالعجز ولا باليأس , لأن الإسلام الذي أعرفه يختلف بعض الشيء عن إسلام الإسلاميين . إسلامي حاضر دائما في كل المواقف والظروف , أما هم فإنهم يشعرون بأنه غائب , ولابد من إحضاره قسرا , وهذا يتعارض مع فلسفة الإسلام في التحول الثقافي والاجتماعي والسياسي . الإسلام له عدة منظومات لا منظومة واحدة , وكل منظومة منها لها واقعها الذي تنبثق منه وتدور حوله وتتلائم معه . هناك منظومة الإسلام لحظة الضعف أو الاستضعاف , وفيها يتم التعامل مع الواقع من خلال الإسلام أيضا , ولكن باستدعاء النصوص المقابلة لهذه الحالة , وهي نصوص الحوار مع الآخر , ومناقشته , وعرض المشروع الإسلامي بمميزاته , وبالصبر على عدم استيعاب الناس لما نستوعبه , وعدم فهمهم لما نفهمه , وإبداء قدر من التسامح والحب لتهيئة القلوب والعقول لتقبل ملامحه ومبادئه . وهناك إسلام القوة , بعد أن يصبح الشعب ظهيرا للفكرة , مؤمنا بها , مستوعبا لطاقتها وقدرتها على الإنجاز . وهنا تكمن مشكلة الإسلاميين , وهي أنهم يتصورون أن للإسلام مظهرا واحدا فقط لا يكون إلا متمثلا في منظومة القوة , وهذا ليس صحيحا , فالإسلام حاضر في كل الحالات وفي كل الظروف , الإسلام بمنظومتيه في حالتي القوة والضعف , فلماذا نشعر باليأس؟ الإسلام حاضر الآن من خلال حواره وأسسه وتنظيره , وعلينا فقط أن نعرضه على الناس دون قهر أو إجبار , إن دور الإسلاميين الآن هو تقديم الإسلام للناس في باقة من الحب لا في عبوة ناسفة .