ما هو السِّر وراء القدرة الغريبة لشركة الحراسات الأمنية الخاصة "بلاك ووتر" في العودة للواجهة، واستعادة ثقة الجهات النافذة في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "السي آي إيه"؟ حصلَت شركة "بلاك ووتر" سيئة الصيت والمثيرة للجدل، والتي اضطرت لتبديل اسمها مؤخرًا إلى "اكزي"، على عقد بقيمة 120 مليون دولار أميركي مقابل توفير الحماية الأمنية لمدة 18 شهرا للقنصليتين الأمريكيَّتين في كل من مزار الشريف وهيرات بالشمال الأفغاني. ويثير اختيار بلاك ووتر للفوز بهذه الصفقة الهامة أكثر من علامة استفهام؛ نظرًا للماضي المثير للجدل، والسمعة السيئة لهذه الشركة، خاصة بعد تورطها في العديد من الجرائم و"التجاوزات" الأمنية في العراق، والتي من بينها مسئوليتها عن مقتل 14 مدنيًّا عراقيًّا في بغداد في شهر سبتمبر عام 2007. وقد دفعت تلك الحادثة وزير الداخلية العراقي حينها إلى إصدار قرار بطرد 250 من عناصر شركة "بلاك ووتر" من العراق، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي العارم من تصرفات العناصر التابعة لهذه الشركة. وتأكيدًا لإخفاقاتها المتكررة في مهمتها المثيرة للجدل في العراق، اضطرت واشنطن خلال شهر مايو الماضي إلى سحب مسئولية حماية الدبلوماسيين الأمريكيين في بغداد من شركة "بلاك ووتر"، بعد أن أصبحت تمثل عبئا سياسيا وأمنيا ومصدر إحراج لمسئولي الخارجية الأمريكية. غرابةُ التوقيت ويأتي التوقيع على عقد الاتفاق الجديد بين وكالة "سي آي إيه" وشركة "بلاك ووتر" في الوقت الذي باشرت فيه اللجنة المُشَكَّلة من طرف الكونجرس الأمريكي أوائل عام 2008 جلساتها لتقييم ومراجعة العقود الحكومية المرتبطة بالعمليات العسكرية في كل من العراق وأفغانستان. ويتعلق الأمر هنا بصفقات هائلة وصلت تكلفتها الإجمالية عام 2008 إلى أكثر من 200 مليار دولار، علما بأن حجم تلك الصفقات الحكومية قد تضاعف في الفترة ما بين عامي 2001 و2008. ويؤكد التقرير الأولي للجنة الكونجرس المذكورة، والمنشور في شهر يونيو 2009 أن حوالي 250000 من العملاء المتعاقدين يساندون المجهود الحربي للجيش الأمريكي في بلدان المنطقة، من بينهم 70000 متعاقد في أفغانستان وحدها (يمثل العاملون في مجال الخدمات الأمنية حوالي 30 % منهم). ويشير التقرير هنا إلى أن مثل هذه الصفقات والعقود يمثل بيئة خصبة لعمليات "التزوير والاختلاس" والفساد المالي؛ نظرا للمنهجية المتبعة في منح هذه العقود للشركات الأمنية الخاصة. معايير "تفصيل" وفي محاولة منه لتبرير اختيار شركة "اكزي" – "بلاك ووتر" سابقا- لتولي المهام الأمنية للقنصليتين الأمريكيتين في هيرات ومزار الشريف، يقول "ليون بانيتا " المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: "تولى الاحتياجات الأمنية في مناطق الحرب الأولوية القصوى، وللأسف هناك القليل من الشركات التي توفر مثل هذه الخدمات الأمنية" مع العلم أن شركتين أخريين تقدمتا بعروض للفوز بهذه الصفقة هما: ("تريبل كانوبي)، و (دين كورب إنترناشيونال). وقد كشفت مسئولة البرامج الخارجية بوزارة الدفاع الأمريكية عن المعايير الثلاثة التي على أساسها يتم الفوز بالصفقات والعقود بين المتنافسين، وهي: (الكفاءة الفنية، وسجل الإنجازات الماضية، والتكلفة المالية). وحينما سُئِلَت: هل تم أخذ السجل السيئ في مجال الخدمات الأمنيَّة لشركة بلاك ووتر سابقا في الحسبان لدى منحها هذه الصفقة؟ تهربت المسئولة الأمريكية من الرد، في حين أكد المدير العام لوكالة "سي آي إيه": "اعتبرت لجنة تحكيم، التي شُكِّلت لهذا الغرض، أن "بلاك ووتر" قادرة على القيام بالمهام المطلوبة، وأنها قد أعادت النظر في نهجها السابق". وهناك عامل آخر كان حاسما في اختيار شركة بلاك ووتر للفوز بهذه الصفقة وهو المتعلق بالسعر، حيث قدمت هذه الأخيرة عرضا يقل ب26 مليون دولار عن عروض الشركات الأخرى، بحسب "ليون بانيتا" المدير العام ل "سي آي إيه"، الذي أشار في هذا السياق إلى أن الموقف ينسجم تماما مع القانون الأخير الذي يوصي بمنح الصفقات للأقل تكلفة. وفي تقريرها حول الموضوع أوصت اللجنة التابعة للكونجرس بتعديل هذا القانون الذي يؤدي إلى نتائج سلبية، نظرا لأن بعض الشركات تتعمد التقليل من قيمة عروضها كي تفوز بالعرض، على أن تعوض النقص الحاصل بطرق ملتوية حتى تبقى قادرة على الوفاء بدفتر الالتزامات، وهو ما يكون غالبا على حساب الجودة. ويذكر تقرير لجنة الكونجرس في هذا السياق الحالة الأفغانية، حيث صدرت مذكرة تتهم موظفي الأمن التابعين لشركة "آجنا "- إحدى الشركات الأمنية الخاصة – والمسئولين عن حماية السفارة الأمريكية في كابول "بتهديد أمن وسلامة السفارة من خلال سلوكهم السيِّئ". المقال بالفرنسية(نقلا عن الاسلام اليوم)