خالد البلشي يستقبل الصحفي التلفزيوني عادل العبساوي في مكتبه    قبل عمرة المولد النبوي.. سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025    تراجع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم في مصر الجمعة 15-8-2025 وعيار 21 بالمصنعية    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    15.8 مليون جنيه حصيلة بيع سيارات وبضائع جمارك الإسكندرية والسلوم في مزاد علني    عبير الشربيني متحدثًا رسميًا لوزارة البترول    مفتي الجمهورية يستنكر التصريحات المتهورة حول أكذوبة «إسرائيل الكبرى»    روسيا: طرد دبلوماسيينا من إستونيا «محاولة لشل السفارة» ولن ينجح    مشروع تقسيم الصفة الغربية.. نتنياهو يرفض التعليق وسموتريتش: يدفن فكرة الدولة الفلسطينية    تنسيق مغربي إسباني يحبط عملية تهريب دولية للكوكايين    بعد انتهاء مباريات اليوم .. تعرف علي ترتيب جدول ترتيب الدورى الممتاز الخميس 14 أغسطس 2025    محمد عباس يدير مباراة الزمالك والمقاولون بالدوري    ملف يلا كورة.. وداع منتخب اليد.. اكتساح مصر للسلة.. وقائمة الأهلي    موعد مباراة الأهلي وفاركو اليوم في الدوري المصري والقنوات الناقلة والمعلق    رحيل مفجع.. التصريح بدفن ضحايا ألسنة نار مصنع البلاستيك بالقناطر الخيرية    مصرع طالب في تصادم سيارة ودراجة بخارية بقنا    ليلة رعب بالقليوبية.. معركة بالأسلحة البيضاء تنتهي بسقوط المتهمين بالخصوص    الحر يضرب بقوة ودرجة الحرارة تصل ل49.. حالة الطقس اليوم وغدًا وموعد انتهاء الموجة الحارة    الكوميديا تسيطر على أحداث برومو "ماما وبابا" قبل عرضه في السينمات 27 أغسطس    هشام عباس يحيي حفلًا كبيرًا في مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء 18 أغسطس    علاء زينهم: أعيش في سلام نفسي وتعلمت مواجهة التنمر بروح التحدي    تامر حسني: «نفسي أعمل حفلات في الصعيد والأقصر وأسوان والشرقية» (فيديو)    لا تتجاهل هذه العلامات.. 4 إشارات مبكرة للنوبة القلبية تستحق الانتباه    ماذا يحدث في حلب، تسمم العشرات من أفراد "الفرقة 64" بالجيش السوري ونداء عاجل للمستشفيات    أول ظهور للفنانة ليلى علوي بعد تعرضها لحادث سير بالساحل الشمالي (فيديو)    بعد تصريحات نتنياهو، فصائل فلسطينية تطالب مصر برعاية اجتماع طارئ لصياغة "إستراتيجية وطنية"    مالي: اعتقال عسكريين ومدنيين بتهمة التآمر على الحكومة بدعم خارجي    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    د.حماد عبدالله يكتب: الضرب فى الميت حرام !!    ما هو حكم سماع سورة الكهف من الهاتف يوم الجمعة.. وهل له نفس أجر قراءتها؟ أمين الفتوى يجيب    النيابة تصدر قرارًا بحق المتهمين بمطاردة فتيات على طريق الواحات    "بوليتيكو": أوروبا تتأرجح بين الأمل والخوف مع لقاء ترامب وبوتين    طريقة عمل سلطة التبولة بمذاق مميز ولا يقاوم    رسميًا ..مد سن الخدمة بعد المعاش للمعلمين بتعديلات قانون التعليم 2025    رسميًا الآن.. رابط نتيجة تنسيق رياض أطفال 2025 محافظة القاهرة (استعلم)    «هتستلمها في 24 ساعة».. أماكن استخراج بطاقة الرقم القومي 2025 من المولات (الشروط والخطوات)    #رابعة يتصدر في يوم الذكرى ال12 .. ومراقبون: مش ناسيين حق الشهداء والمصابين    «كنت مستنياه على الغدا».. ريهام عبدالغفور تتحدث عن معاناتها نفسيا بعد مصرع والدها    خالد الغندور: عبد الله السعيد يُبعد ناصر ماهر عن "مركز 10" في الزمالك    حبس المتهمين بمطاردة سيارة فتيات على طريق الواحات 4 أيام    سحب رعدية تقترب.. أسوان ترفع درجة الاستعداد لمواجهة الأمطار    «اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم».. دعاء يوم الجمعة ردده الآن لطلب الرحمة والمغفرة    بيراميدز يخوض ودية جديدة استعدادا للمواجهات المقبلة في الدوري    الفصائل الفلسطينية: نثمن جهود الرئيس السيسي الكبيرة.. ونحذر من المخطط التهويدي الصهيوني في الضفة    هترجع جديدة.. أفضل الحيل ل إزالة بقع الملابس البيضاء والحفاظ عليها    تناولها يوميًا.. 5 أطعمة تمنح قلبك دفعة صحية    بالصور| نهضة العذراء مريم بكنيسة العذراء بالدقي    وزير البترول يكلف عبير الشربيني بمهام المتحدث الرسمي للوزارة    القانون يحدد ضوابط استخدام أجهزة تشفير الاتصالات.. تعرف عليها    طرائف الدوري المصري.. لاعب بيراميدز يرتدي قميص زميله    ستيفان مبيا: محمد صلاح كان يستحق الفوز بالكرة الذهبية في السنوات الماضية    بعد موافقة النواب.. الرئيس السيسي يصدق على قانون التصرف في أملاك الدولة    تعرف على عقوبة تداول بيانات شخصية دون موافقة صاحبها    لأول مرة بمجمع الإسماعيلية الطبي.. إجراء عملية "ويبل" بالمنظار الجراحي لسيدة مسنة    هل دفع مخالفة المرور يسقط الإثم الشرعي؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ الجيزة يخفض تنسيق القبول بالثانوي العام 5 درجات ليصبح 220 درجة    درة تاج الصحافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد "صدمة" فراج إسماعيل
نشر في المصريون يوم 17 - 07 - 2010

بعد سلسلة المقالات التي كتبها هنا الصديق والزميل الأستاذ فراج إسماعيل رأيت أن من الأهمية أن أنشر ثلاث مقالات متتابعة تحمل تقديري الشخصي لمحطات تاريخية مهمة في مسيرة الأمة الحضارية ومصر في القلب منها.. وأرجو من أصدقائي القراء أن يطلعوا عليها بتأمل وفي تؤدة لعلها تبلغ في القلوب مبلغ ما ارجوه منها من إعادة الأمل إلى النفوس المتعبة واليائسة، معتذرا عن صعوبة اللغة التي استخدمتها إذ اقتضت ذلك طبيعة الموضوع وامتداده ما بين الفكري والثقافي والتاريخي والحضاري، وهي خلطة لا تسمح بالاريحية ولا بالتبسيط :
(1)
كان ابن خلدون رحمه الله، شديد الوعي بدور "الصدمة" التي تخلفها الهزيمة الحضارية، على شعور الأمة المهزومة بقيمتها ووزنها الحضاري. إذ لا توظف هذه "القيمة" وهذا "الوزن"، والحال كذلك، في إحياء الشعور الجماعي بضرورة الاستنهاض بها، وإنما تتحول إلى "ضحية" الاستسلام لروح الانكسار، والذي تتكاثر تجلياته وتتوالد، على نحو ربما يكون من الصعب السيطرة عليه، طالما ظلت الأجيال المتعاقبة، تراوح مكانها عند ذات "الصدمة الأولى".
هنا واستهلالا نرى أنه من الضروري التمايز بين معادلتي "الإرث الحضاري" و"الوريث الإنساني"، فالأولى يظل تواصلها وحضورها التاريخي، مرهونا على دورها الرسالي، الذي يتأسس على ثنائيتي: "الحق - الباطل" و"العدل - الظلم"، وهي المعايير التي لا يُسأل عنها إلا "الوريث"، القيّم على إعلاء قيم الحق أو معايير الهوى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" هود 117.
فالحضارة في صعودها أو سقوطها هي صنيعة الإنسان ذاته، في فساده أو صلاحه، غير أن النخبة في العالم الإسلامي، ومنذ ما يزيد عن مأتي عام، ترى في مراجعتها لذاتها، عكس هذه السنة الاجتماعية الثابتة، وتسلك سبل المراجعة، على طريقة نقد جدلية "ماركس" المادية لنظرية "هيجل"، عندما زعم الأول أنه أعاد اعتدال الثاني على قدميه!.
المثقفون العرب عمدوا إلى تبرئة الإنسان العربي أو المسلم من "خطيئة الهزيمة"، وأحالوها إلى "الحضارة العربية الإسلامية"!! باعتبارها حضارة "بدوية" ناقلة لمنظومة قيم القرون الوسطى "المظلمة"، والتي باتت غير "مؤهلة" للتعايش مع الحداثة!!
وظل مفهوم الحضارة في خطاب النخبة، فضفاضا وفسيفساء واسعة تتيه فيها العقول وترتبك، وتثير من الشكوك والتساؤلات أكثر مما تجليه من إجابات والتباسات، وكأنها تناور... تريد شيئا تخشى الإفصاح عنه.
والمشكلة أن هزيمة العالم الإسلامي العسكرية على يد نابليون بوناربرت (1798 - 1801)، لم تكن السبب الوحيد في الشعور الجمعي بالانكسار، والذي امتد ليشعل الحرائق حول "الحضارة الإسلامية"، وإنما بسبب الفارق في تقدير الطرفين المسلم والفرنسي، لطبيعة المواجهة، فالأول اختصرها باعتبارها مواجهة نمطية تشبه شقيقاتها التي عاش العالم العربي والإسلامي تجربتها، في سنوات قريبة منها، أي اختصرها في شقها العسكري: مواجهة مثل كل المواجهات بين جيشين، والأيام دول، والحرب كر وفر، نصر وهزيمة، فيما اعتبرها الطرف الثاني "الفرنسي"، مواجهة حضارية، إذ اصطحب مع الجيش المقاتل، جيشا آخر من العلماء والأدباء والمفكرين.
كان وعي الفرنسيين أن مشروعهم الحضاري، أمضى في إلحاق هزيمة طويلة الأمد بالجانب الإسلامي، إذ إن تدمير القدرات العسكرية ل"العدو"، يمكن تعويضه وتستأنف المواجهات ما يعني تعليق نتائج الحرب، وارتهانها إلى المفاجئات والقدرة على الصمود.
كانت المفارقة كبيرة، إذ لم تحدث الهزائم العسكرية التي لحقت بالعالم الإسلامي في أوقات متقاربة في القرن الثالث عشر مثل "الصليبية الخامسة" عام 618 ه - 1221 م بقيادة "جان دي برس" والحملة "الصليبية السابعة" عام 648 ه - 1250 بقيادة لويس التاسع ومن بعدها كارثة سقوط بغداد على يد هولاكو المغولي عام 656 ه - 1258، وهي كما نلاحظ لا يفصل بينها إلا سنوات قليلة، لم تحدث "صدمة حضارية"، أحالت المسلمين كما هو حادث اليوم، إلى جلد الذات الحضارية والاستعلاء عليها، والوقف إجلالا وإكبارا لثقافة الغالب ومحاكاتها. إذ لم يكن للصليبين أو للمغول في ذلك الوقت، أية إبداع حضاري، يفرض على الأخر احترامه أو التعلق به، وكانت الحضارة الإسلامية في ذات الوقت، بعيدة عن أية منافسة حضارية من أي من الأطراف والقوى الدولية التي كانت معروفة آنذاك.
لا يعني ذلك أن العالم الإسلامي، كان مبرئا من المشاكل والأزمات، بل على العكس كان يعاني من أزمتين بالغتي الخطورة، الأولى على صعيد الوعي بوتيرة حراكه الحضاري، صحيح أن دمياط والمنصورة وجزء من القاهرة في مصر سقطت في أيدي الصليبيين، فيما دمرت بغداد بالعراق على أيدي الوحشية المغولية واستولوا على الشام كاملا ورابطوا على حدود مصر في غزة، وإني لأدعو القارئ إلى الإطلاع على التفاصيل المروعة التي رواها "ابن كثير" في "البداية والنهاية" عن تدمير بغداد، والتي توحي بكل المقاييس العقلية والعسكرية والإستراتيجية بأنه لن تقوم للمسلمين بعدها قائمة أبدا، إلا أن المسلمين انتصروا في النهاية، وفي بعضها ألحقوا هزيمة مهينة بالصليبيين بأسرهم الملك الفرنسي ذاته "لويس التاسع" في إحدى القرى التابعة لمدينة المنصورة المصرية.
الانتصارات كانت تعني في الوعي الجمعي المسلم، أنه ليس ثمة مشكلة أو أزمة داخلية، في عناصر إمداد الدولة بإمكانيات الحفاظ على وزنها الدولي أو الإقليمي، وهو الشعور الذي كشف زيفه "صدمة نابليون" في نهاية القرن الثامن عشر.
والحال أن المسافة الطويلة -ما يزيد عن خمسة قرون- الفاصلة بين انتصار ببيبرس "المملوكي" على المغول عام 1277 م وهزيمة العالم الإسلامي على يد بونابرت عام 1798م، هي التي عمقت هذا الشعور الزائف، بعدم وجود مشكلة حضارية عند المسلمين، وحالت دون الدخول في مراجعة للعطاء الحضاري الإسلامي وقيمته وحيويته وقدرته على التواصل حتى ذلك الحين.
كانت مجرى الأحداث تؤصل لهذا "الكسل" في مجال الاجتهادات العلمية والفقهية والاجتماعية، فالأزمة كما كشفتها الأحداث بالنسبة للمسلمين كانت "أزمة سلطة" وليست "أزمة مجتمع". وهي قراءة صحيحة لمجمل نتائج الصدام مع الآخر في ذلك الوقت، إذ كانت الدولة، ممثلة في "السلطة" ومؤسساتها الرسمية، تسقط وبسرعة أمام الغزاة، فيما يقاوم المجتمع الأهلي "أو المدني" -وهو التعبير الاجتماعي لحضارة الأمة وقيمها وثقافتها- ويقاتل وينتصر، بل ويؤثر في ثقافة "الغازي" أو "المحتل" وفي حضارته، إذ اعتنق المغول الإسلام، ونقل الصليبون بعد هزيمتهم ثقافة "المنتصر" الإسلامي إلى أوربا لتساهم فيما بعد في استنهاضها من تخلفها السياسي والحضاري.
ونلحظ هنا أنه في الوقت الذي تُهزم فيه "النخب السياسية" في العالم الإسلامي، كانت "النخب الحضارية" إذا جاز التعبير، تقاوم وتنتصر، وهي الحالة التي عمقت من مشاعر ثقة المسلمين في تفوقهم الحضاري، وحالت دون بروز أية قوى ثقافية، تثير الشكوك حول قدرة هذه الحضارة على الصمود والتصدي، ومن ثم إحالتها إلى التقاعد والبحث عن بدائل "أكثر تطورا".
وهذا هو الفارق بين المرحلتين، مرحلة ما قبل حملة نابليون والمرحلة التي جاء بعدها والتي لا يزال العالم الإسلامي يعيش تفاصيلها وكأنها مسرحية يعاد عرضها في المسرح على مدار الساعة.
وغدا نستكمل الحديث إن شاء الله تعالى
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.