كانت النية هذه المرة الكتابة عن التأديب الخاص بأعضاء هيئة التدريس، ولكن- بعد التعاليق على المقال السابق- قد يكون من الأليق أن نزيد وضوحا وجهة نظرنا عن تأديب الطلاب، إذ يبدو أنني قد أخفقت في إيضاحها. لقد ظن البعض أن المقال السابق يمثل دعوة إلى التراخي، وها نحن نؤكد مجددا أنه ليس دعوة إلى التراخي، بل دعوة إلى التقنين العادل، أو بالأدق المتوائم مع ما طرأ على المجتمع من تغيرات. ومعنى هذا أو ذاك هو أعادة النظر في العقوبة الموقعة على من يرتكب غشا أو يشرع فيه من الطلاب. كما وليس يعنى المقال أنه لا تثريب على صغار الغشاشين طالما أن الكبار يمارسون الغش بكل ألوانه مطمئنين آمنين، فالعبارة على سبيل السخرية والتهكم. ليس من العدل أو المنطق أن نحمل الصغار جريرة الكبار الذين هيأوا البيئة وأعدوها لممارسات الغش والتزوير وما هو أفظع منهما. فالصغار هم ثمرة الفساد، والفساد لن يعالج بدهس الثمار، وإنما باجتثاث الجذوع. لا ننكر أن ظاهرة الغش في الامتحانات الجامعية قد اتسعت، وآخذة في الاتساع، ولم ينل من اتساعها أو يؤثر فيه العقاب الرادع، وهو الحرمان سنتين من الدراسة. ولا مراء أن أولياء الأمور المطحونين هم أول من يعاني من قسوة العقوبة معنويا وماديا، فأبناؤهم سيسيحون في الشوارع على غير هدى، بلا عمل، وربما يقعون صيدا سهلا لسماسرة الموبقات. وهنا ثمة سؤال... هل العقاب مقصود منه الردع أم التقويم. أعتقد أن الردع يجب أن يخص الكبار الذين يضرون بمصالح البلد عن عمد، أما التقويم فيجب أن يكون للصغار. والتقويم يستوجب البحث عن أسباب ودوافع الغش ثم تقرير العلاج. الأسباب- كما نعلم كثيرة وتخلص في النهاية إلى الإفساد المسيطر على حياتنا وإلى غياب القدوة الحسنة. فالطلاب يقرأون ويسمعون عما يقترفه الكبار بلا مساءلة أو مؤاخذة. هذا فضلا عن أن الطلاب أنفسهم يقعون تحت ابتزاز (وهذا لفظ غاية في التأدب) بعض من يقومون على تعليمهم. إعادة النظر في عقوبة تأديب الطلاب ضرورة تفرضها الظروف المجتمعية. لا نطالب بإلغاء العقوبة- كما قد يظن البعض-، وإنما نطالب بالتدرج فيها، بمعنى من يضبط لأول مرة يكون عقابه الحرمان من امتحانات فصل دراسي كامل، ومن يضبط للمرة الثانية يحرم لمدة عام، ومن يضبط للمرة الثالثة يكون الحرمان لمدة عامين... أي نعامل الطالب كما نعامل الفطيم. ولنتذكر- مع الفارق- أن الفاروق عمر عطل حدا من حدود الله في عام الرمادة. كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهلاك حال إقامة الحد على الفقير الضعيف وترك الغني القوي.