أنا المتعدِّدَ... في داخلي خارجي المتجدِّدُ. لكنني أنتمي لسؤال الضحية. لو لم أكن من هناك لدرَّبْتُ قلبي على أن يُرَبي هناك غزال الكِنَايةِ... فاحمل بلادك أنّى ذهبتَ وكُنْ نرجسيّاً إذا لزم الأمرُ .... (محمود درويش). إلى صديقتي السورية "حلا"... سلامٌ لدمشق الأبية، ولعيون أطفال تحرُس بيضَ القُبَّرة، وإنّي أكتُبُ إليكِ عزِيزتي "حلا" وبعضُ الحبّ ذِباح...فخوذي هاذي الكأس والرّاح... أما بعد: أخذتني المجازات الكثيرة على مراسلتك، بعد أن شعرت بالمذلة والخيانة، جرّاء موقف وطني مما يجري في بلدكم، آخر ما قرأته من منشوراتك " ياجماعة قال لازم نلبس كيلوتات من حديد لأن أميركا بدها تضرب الأماكن الحساسة !" فعلمتُ أنّك بخير، على الأقلّ؛ قبل أن تضرب أمريكا الملعونة إحدى مناطقك الحسّاسة... صديقتي الدمشقية: إنّ دروب الحياة التي تولد فيكم من جديد، مكسُوة بالصّبّار والرّصاص، وأقدام أطفالكم باتت حافية لولا تلك الحجارة التي صيرتموها نعالاً، وحين ولّيتُم ظهوركم لحماية الأرض، كثرت المشانق والمقاصل، وخرجت الذئاب من حيث لم تحتسبوا، فنهشت ومزقت وافترست منكم خيرة العسس والرجال. يا دمشْقُ البِسي دمُوعي سواراً ....... وتمنّي .. فكلُّ شَيء يهُونُ وضَعِي طَرحَةَ العرُوس لأجْلي ....... إنَّ مَهْرَ المُناضلات ثمينُ مزِّقي يا دمشقُ خارِطة الذّل ........ وقولي للدّهر كُن فيكونُ (1) كنّا منذ اليوم الأول الذي حلّ بكم طيف الرّبيع العربي، مقتنعين أيما اقتناع أنّكم التاليين في قائمة مأكولات العام سام، وأن أمريكا التي رمت العراق بالورد ذات حرب باسم الكيماوي، تعدّ لكم أيضا إكليلا معطّرا من الليلك والأوركيد، وبدّلت رائحة صباحات دمشق الزكية، برائحة العطور المحظورة عالميا...إنّ أمريكا تسعى مشكورة إلى احلال السّلام بالمنطقة وكان سعيا مشكُوراً... "دمشقُ، دمشقُ.. يا شعراً على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ ويا طفلاً جميلاً.. من ضفائرنا صلبناهُ" (2) عزيزتي الدمشقية: تكالب العرب مرّة أخرى، وخرجوا بموقف رسمي؛ الدّعوة إلى عقد اجتماع طارئ لبحث سبل ايجاد حل لقضية سوريا الشقيقة...انتهى الاجتماع وأسفر بتشكيل "لجان من أجل مصالحة وطنية بين أطراف الشّعب، في أفق اجْراء انتخابات تحسم من خلال صناديق الاقتراع مع مصير نظام الأسد"...انتهى الاجتماع ونسي منسقوا اللجان التوصيات داخل مقر الجامعة العربية، وذهب كل إلى غايته، وإذا التقوا؛ فلا تقولي شاءوا، فإنّ الحظ شاء... أمريكا تدقّ طبول الحرب على وطن الشُّعراء والأدَباء والأحرَار، عبر امتداد تاريخ الشّام... يا شام يا شامة الدُّنيا و وردتها ........ يا من بحُسنك أوجَعتي الأزامِيلا وددْت لو زرعُوني فيكي مئذنةً ......... أو علَّقوني على الأبواب قِنديلا (3) أمريكا تدكّ البرّ دكّاً...وتملأ البحر بوارجاً، والإخوة العرب بارك الله في عمرهم يتباحثون أثمان البرميل ويترقبون قيمة الدولار، وانشغالهم بزواج الأربع والتداوي ببول البعير، لم يترك لهم وقتا ثالثا لأجل سوريا – الشقيقة -. صديقتي الدمشقية: كَوْنِي مغربيا؛ أشعر بالخزي والعار، وبخيانة صداقتنا الفيسبوكية، التي بدأت منذ أن تلبدّت سماء حمص بدم الأحرار، وطني يا عزيزتي "حلا" ولاية أمريكية، وهل يعصى الإبن البارّ أباه؟ وأنت تعلمين أنّ قمحنا من أمريكا، وزيتنا من أمريكا ومعجون أسناننا من أمريكا، وكهرباءنا من أمريكا، وحبوب منع حمل نسائنا من جود أمريكا...حتى التلفاز الذي يوصلنا إلى جنازات موتاكم تُفتحُ أزراره بإذن من أمريكا...فما عسانا نفعل عزيزتي؟ يبكيني أن يخذلكم وطني، وألا يعبر عن موقف/ واجب، ويعذّبني أن نكتفي بدور الجمهور يتابع الجزارة من المدرّجات، سلاحنا الصّفير والتّصفيق أحيانا والاحتجاج حينا. "أتى أيلولُ يا أماهُ.. وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ ويتركُ عندَ نافذتي مدامعهُ وشكواهُ أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟ أينَ أبي وعيناهُ وأينَ حريرُ نظرتهِ؟ وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟" (4) أتمنّى لكم عزيزتي "حلا" الاستقرَار الأبدي، ولسوريا الأبية؛ حياة الرّغد والحُرية والعيش الكرِيم. وتقبّلي أناشيد السّلام والحبّ من صديقك المغربي سعيد غيدى. (1)،(2)، (3)، (4): من أشعار الشاعر السوري نزار قباني.