من الطبيعي أن تتلقى السيدة العاملة في أي مجال من مجالات العمل، سواء أكانت طبيبة أم معلمة أم مهندسة أم محاسبة، أم سوى ذلك من المهمات التي يطلبها المجتمع، طبيعي أن تحصل على راتب شهري لقاء ما تقدمه من إنجاز في مجالها المهني، فهي تقدم خدمة للأمة والوطن، حتى وإن كانت هذه السيدة لا تقوم بعمل يذكر في بعض الوظائف، فهي فقط تصحو من نومها لتذهب إلى عملها، وتجلس خلف مكتب تتصفح فيه أوراقها الشخصية أو بعض الجرائد والمجلات، أو قد لا تفعل شيئًا من ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإنها تتلقى راتبًا، قد يفوق أحيانًا أحلام الكثيرين من الرجال الذين يجلسون على أرصفة البطالة في بلادنا. وفي المقابل تجاهد بعض العاملات في مجال آخر، فيما هو أجدى وأنفع للمجتمع والأمة والوطن من الكثير من الوظائف التي هي وظائف فقط بالاسم، ولا مردود عمليًا لها في واقع الحياة، يجاهدن في إنشاء جيل جديد من أبناء الأمة يدافع عن حقوقها، وينهض بها من كبوتها، ويسهم في تنمية مقدراتها الأخلاقية والمادية.. هؤلاء النسوة هن ربات البيوت، ومربيات الأجيال، اللائي لا ينتظمن في سلك الوظائف الحكومية، ولكنهن بالفعل يعملن بجهد وكد وتعب أكبر بكثير مما قد تقوم به المرأة العاملة التي تقضي وقتها خارج المنزل في العمل، وتكتفي في تربيتها لأبنائها وعنايتها بزوجها وأسرتها بتوجيه الخادمة إلى ما تفعل وما لا تفعل وفقط. أما ربات البيوت، اللائي اخترن أفضل مهمة وأسمى رسالة وهي بناء الجيل وصناعة الرجال، فإنهن يفعلن ذلك ولا يجدن من يعينهن على قسوة الحياة وشظف العيش، وقد يكن في أمسّ الحاجة لمن يدعمهن ويشاركهن في تحمل ذلك العبء الثقيل الذي يحملنه، ومن هذا المنطلق جاءت الخطوة الطيبة التي خطاها مجلس الأمة الكويتي حينما أقر مشروع قانون يتيح لربة البيت الحصول على مكافأة أو راتب شهري لإعانتها على تربية جيل المستقبل. وبالتأمل في مشروع القانون هذا فإن من شأنه أن يرغب النساء اللائي يخرجن للعمل رغمًا عنهن بسبب ظروف الحياة القاسية وعدم امتلاكهن المال اللازم للإنفاق على الأبناء والمشاركة مع الزوج في تحمل أعباء الحياة، سيرغبهن في الاهتمام بالأبناء والأسرة، بعد أن أصبحن غير مضطرات للخروج للعمل والتعرض للمضايقات التي يضطررن لمواجهتها. ومن جانب آخر سيسهم ذلك في إيلاء المرأة مزيد اهتمام ببيتها وأسرتها بعد أن صارت الأسرة العربية –لاسيما في دول الخليج- تعاني معاناة ظاهرة من سيطرة الخادمات الأجنبيات على الأسر، وتطبُّع الأبناء بالطباع الأجنبية الدخيلة على الأسرة المسلمة والعربية، ذلك فضلاً عما تمارسه بعض الخادمات من ممارسات ظالمة وإساءات تجاه الأبناء بالضرب والإهانة في حالة غياب الأم والأب. هذا القانون من جانب مجلس الأمة الكويتي يستحق الاحترام والتقدير، وهي تجربة جديرة بالدراسة والاقتداء في بلادنا، لا سيما ونحن نعاني من حالة تفكك أسري تكاد تعصف بالأسرة التي صارت مستهدفة من الغرب الكافر والشرق الملحد من الخارج، والعلمانيين وأرباب المصالح الشخصية من الداخل. وبدلاً من أن تُهدر طاقات المرأة في أعمال قد يقوم بها غيرها من الرجال ولا تشترط وجود النساء، أو حتى قد تضيع أوقاتهن في الخروج إلى وظائف لا طائل من ورائها أو ليس فيها أي عمل فِعليّ تقوم به المرأة، فإن ذلك سيتيح لها التفرغ الكامل لزرع القيم التربوية والأخلاقية في الأبناء دون عوز أو حاجة، أو دون مذلة المسألة أو التحكمات التي تواجهها أحيانًا من المديرين في العمل، الذين قد يمارسون الابتزاز على المرأة لأجل أنها امرأة ضعيفة تستحي أن تناطح الرجال رأسًا برأس. هذا القانون من شأنه أن ينقي مجال العمل من عدد كبير من الوظائف التي تثقل كاهل الدولة برواتب ومسوغات تعيين في حين أنها غنية عنها؛ لأن المتوظفات بها بالفعل لا يقمن بعمل يذكر، الأمر الذي قد يفسح المجال للقضاء على البطالة الحقيقية في صفوف الرجال، الذين يفترض فيهم أنهم العائلون الحقيقيون للأسرة والقوامون على الإنفاق عليها والقيام على شئونها لا النساء. ومن المتوقع أن تتنازل الكثيرات من النساء عن مثل هذه الوظائف زهدًا فيما فيها من عناء وتعب وإهانة دون تحقيق نتيجة حقيقية من مثل هذه الأعمال التي لا تزيد المرأة إلا عبئًا فوق مجموعة أعبائها، التي نرجو لها أن توفق لأدائها على أكمل الوجوه. [email protected]