القاعدة فى العربية الشائعة ألا تَلحق الفعلَ علامة التثنية ولا علامة الجمع متى كان الفاعل الظاهر مثنًّى أو مجموعاً ، ورغم هذا .. فقد ورد فى بعض كلام العرب إلحاق علامات التثنية والجمع بالفعل المصرّح بفاعله كما تلحقه تاء التأنيث ، ومن ذلك الكلمة الذائعة : "أكلونى البراغيث" (حتى سميت هذه اللغة "لغة أكلونى البراغيث" !) ، وعليها خرَّج بعضُ النحاة قولَ الله تعالى : "وأسرُّوا النَّجوَى الذين ظلموا ..." ، وكذلك قولَ النبى صلى الله عليه وسلم : "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار..." ، واعترض على هذا التخريج بعض المحققين من المفسرين والشُّرَّاح . ولكن هذا ليس ما أهمَّنى عند مراجعتى هذه المسألة أخيراً . ما أهمنى كان البحثَ عن تأويل معنوى لهذه اللغة ، ولم أقع على مثل هذا التأويل مع طول بحثى . ولكن المرء يميل إلى ملاحظة جانب المبالغة فى مثل هذا الاستخدام ، من جهة القاعدة اللغوية المقرَّرة : "زيادة ُالمبنى (أى الأحرف والعلامات الظاهرة) تدل على زيادة المعنى غالباً". وانطلاقاً من هذا التعليل الذى بدا لى .. سمحت لنفسى اتباعَ تلك اللغة ، وإن كانت قليلة ، فى القول: خذلونى الإخوان ! ... ... أما : فيمَ خذلنى "الإخوان المسلمون" ؛ ففى أشياءَ ومناسبات مختلفة ، آخرها طريقة معالجتهم أزمةَ "طز" الأخيرة . ولا أحب أن أطيل بذكر تفاصيل ومعلومات لا تزال حاضرة فى المشهد الثقافى والإعلامى ، فيوم (الجمعة 29/4/2006) كان الأستاذ محمد مهدى عاكف ، المرشد العام ل "لإخوان المسلمون" ، ضيفاًَ على الهواء فى برنامج "اليوم السابع" بفضائية mbc ، وتطرق الحوار إلى هذه المسألة ، وصرح خلاله الأستاذ عاكف بأنه "فخورٌ بكل كلمة" قالها فى ذلك الحوار الذى فجر الأزمة ، وفيما يتعلق ب "طز" التى وجهها إلى مصر وأهلها اكتفى بالقول : "لو عُرض علىّ الحوار قبل النشر كما كان الاتفاق ؛ لحذفتها" ، وكأنه بهذا يضيف إلينا جديداً لا نعلمه من الحياة الثقافية والصحفية بالضرورة! لذا فإننى سأعمِد ! ، مباشرةً ، إلى إيجاز ما كنت أتمنى أن يصنعه الإخوان وصارحت به الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ، فى لقاء جمعنى و إياه مصادفة غداةَ حديثه إلى برنامج "العاشرة مساءً" (فضائية دريم) حول الموضوع ذاته ، ووعدنى خيراً وأخبرنى أن "مكتب الإرشاد" يبحث الأمر، وهو الأمر الذى أكدته بعدُ الأخبار المتناثرة عن اقتراح صيغة اعتذارية ترضى الرأى العام وتحفظ فى الآن نفسه مكانة الأستاذ المرشد .. ولكن يبدو أن التيار الغالب استقر على معالجة لا تختلف كثيراً عن المعالجة الملتوية المستهينة بالناس عقولاً ومشاعرَ التى تسلكها الأجهزة الرسمية عندما يتورط رئيس أو وزير فيما يستحق المساءلة ويستوجب فى أقل الأحوال الاعتذار الصريح الذى يدل على أن ثمة إنسانيةً باقيةً فى النظام ! ... ... بغض النظر عما صنعه الأستاذ الصحفى سعيد شعيب (صاحب الحوار الأزمة) ، و بغض النظر أيضاً عن انتزاع الجملة التى أثارت قطاعاً من الرأى العام من سياقها الشِّفاهى والكتابى .. فقد كان جديرا بالإخوان ً فى رأيى على الأقل غيرُ ما صنعوا .. كان جديراً بهم أن ينتهزوها فرصة لتقديم نَموذج سياسى مختلف عن النماذج الشاغلةِ فراغَ الحياة السياسية المصرية ، نَموذج من السياسة المتخلِّقة (أى التى ! لا تتنكَّب عن سبيلِ الأخلاق المَرْضيَّة انتصاراً لعصبية أو خشيةً من خَسارة بعض "الأبناط" السياسية !) التى لا يعيبها أبداً أن تبادر بنَبالة ذوى المروءة إلى الاعتذار عما جرح شعور قطاع من الرأى العام (حتى ولو لم يكن جارحاً فى ذاته .. فكيف وقد كان ؟!).. نَموذجٍ يقدِّم بديلاً حقيقيًّا لما هو قائم : من نظامٍ لم يقدم اعتذاراً واحداً طيلة ستة وعشرين عاماً عن خطأ ارتُكب ، أو كارثة وقعت ، أو تقصير حصل ، أو إجرامٍ معنوىٍّ ومادىٍّ ، ولا حتى عن هفوة لسان سبق بها لسانٌ بسببٍ من جهلٍ أو خرَفٍ ! نَموذجٍ يقدم بديلاً حقيقيًّا أيضاً لما هو قائم : من أحزاب كرتونية هَزْلية لم تقدم أيضاً اعتذاراً واحداً طيلة الستة والعشرين عاماً نفسِها عن غيابٍ كاملٍ ، وغيبوبة شاملة ، وهزائمَ متلاحقة ، وأخيراً .. بلطجة هوجاء حمقاء ! كان جديراً بالإخوان أن ينأَوْا عن غَلاظةِ نظامٍ غَشوم يطرحون أنفسهم بديلاً له (أو على الأقل : يتوهم بعض المصريين وسواهم أنهم الإخوان قد يكونون كذلك !) ، وعن بلاهةِ معارضةٍ صُوريةٍلا قيمة لها ولا رصيد فى أرض الواقع .. وأحسب أن مثل الضجة الأخيرة كانت خيرَ فرصة ! لتقديم هذا النَّموذج إن هم أرادوا ! ... ... هذا واحدٌ فقط مما " خذلونى" فيه الإخوان .. وأحسب أن هذه المساحة الراهنة لا تكفى لسواه ! ... ... حاشية : من أدبيات الاعتذار : ".. فلا تدع الاعتذار (...) ؛ فإن أهل خاصِّتك والمؤتمنين على أسرارك هم شركاؤك فى العيش .. فإن الرجل قد يترك الشىءَ من ذلك ، اتِّكالاً على حُسْن رأى أخيه ، فلا يزال ذلك يجرح فى القلب وينمو حتى يولِّد ضِغْناً ويَحولَ عداوةً ! فتحفَّظْ من هذا الباب ، واحملْ إخوانك عليه بجَهدك" (الجاحظ . الرسائل . رسالة المعاش والمعاد ، أو: الأخلاق المحمودة والمذمومة) . "الإصرار على الذنب فيما بينك وبين خالقك : هُلْكةٌ ، وفيما بينك وبين صديقك : فُرْقةٌ ، وعند سائر الناس : مَثْلبةٌ وهُجْنة" (أبوهلال العسكرى . ديوان المعانى) . وما حَسَنٌ أن يَعذِر المرءُ نفسَه / وليس له ، من سائر الناس ، عاذرُ ! (؟) . إذا كان وجهُ العذر ليس بواضحٍ ؛ / فإن اطِّراحَ العذرِ خيرٌ من العذرِ ! (محمود الورّاق) . فإن يكُ عن جُرمٍ ، أو تكُ هفوةً / على خطأٍ منى ؛ فعذرى على عمدِ (أبوتمام) . [email protected]