فجأة أعلن المحامي العام لنيابات الاسكندرية إحالة الشرطيين المتهمين بقتل خالد سعيد إلى محكمة الجنايات ، القرار جاء مفاجئا للكثيرين ، كما أن شيئا من الغموض التصق به ، لأن الأخبار لم تحمل لنا تفصيلات قرار الاتهام أو الإحالة ، لأنه هو الذي يحدد الجريمة ومن ثم يحدد سقف الأحكام الممكن صدورها ، والراجح حتى الآن وفق ما تسرب أن قرار الإحالة إلى الجنايات هو بتهمة استعمال القسوة والتعذيب والاحتجاز بغير مقتضى القانون ، وتم استبعاد تهمة القتل أو الضرب المفضي إلى الموت ، أذكر أن المحامي العام بادر بالدعوة إلى مؤتمر صحفي الأسبوع قبل الماضي عندما صدر التقرير المبدأي للجنة الثلاثية التي أمر بتشكيلها النائب العام لإعادة تشريح جثة الفقيد خالد سعيد ، لم يكن التقرير النهائي قد صدر ، ومع ذلك سارع المحامي العام بعقد مؤتمر صحفي ووزع على الصحفيين صورا من التقرير الأولي الذي يبرئ الداخلية من دم خالد سعيد ، كان المؤتمر غريبا جدا ولافتا للانتباه ، جرت العادة أن يكون مثل هذا المؤتمر في نهايات التحقيق وتبلور الرؤية بالكامل تجاه الجريمة أو الواقعة ، أما أن يتم عقد مؤتمر صحفي لكل خطوة في التحقيقات أو ظهور ورقة أو مستند أو تقرير طبي أو شهادات الشهود فهو غريب ، والمهم أننا وقفنا على مؤتمر صحفي خاص بالكشف عن التقرير المبدأي للطب الشرعي في الواقعة ، ولكننا لم نحظ بمثل هذا المؤتمر الصحفي لكي نعرف أخطر مراحل التحقيقات ، وهي قرار إحالة المتهمين إلى المحكمة ، ألم يكن من حق الرأي العام أو الأولى بالمعرفة ، أن يتم توضيح مجمل التحقيقات وما أفضت إليه ، شهادة الشهود واعترافات أو أقول المتهمين وتفاصيل تقرير الطب الشرعي النهائي ، وبناء عليه ما انتهت إليه النيابة في قرار الاتهام الذي يحدد إطار المحاكمة وسقف الإدانة ، كثيرون لاحظوا أن قرار إحالة المتهمين إلى الجنايات صدر بعد أربع وعشرين ساعة فقط من صدور بيان الاتحاد الأوربي الذي يطالب الحكومة المصرية بتحقيقات عادلة ونزيهة في واقعة مقتل خالد سعيد ، وهو البيان الذي أحرج الحكومة المصرية وسبب لها هلعا حتى أن الخارجية اضطرت إلى استدعاء سفراء الاتحاد الأوربي وإبلاغهم غضبها من البيان ورفضها للتشكيك في القضاء المصري ، والحقيقة أن التشكيك صدر هنا في مصر ومن خلال ملايين المصريين قبل أن يصدر من جهات خارجية ، قرار النيابة ، حسب ما تسرب ، قال أن الوفاة نتجت عن ابتلاعه لفافة بانجو ، وسيبقى السؤال البديهي ، إذا كان قد ابتلع لفافة بانجو واختنق بها اختناق الموت ، فما معنى توجيه الاتهام لرجلي الشرطة بتقييد حركته وسحله وتعذيبه واستعمال القسوة معه ، إذا كان الرجل يموت من الاختناق فلماذا يعذبونه ، وهل يعذب ميت ، التصريحات الصادرة عن النيابة تقول أنها خلصت إلى استبعاد تهمة القتل أو الضرب المفضي إلى الموت من قرار الإحالة بعد سماع شهادة الشهود ، والحقيقة أن شهادات الشهود التي نشرتها الصحف بأسمائهم وسجلتها العدسات بالصوت والصورة وشاهدها الملايين تجمع كلها على وجود عملية ضرب مروع وسحل بقصد الموت وليس التأديب ، وبعض الشهود قالوا أنهم سمعوا بأذنهم المتهمين وهما يهددانه بالموت ، في المرحلة الأولى قررت النيابة صرف المجرمين من سرايا النيابة بدون أي ضمان وتبرئة ساحتهم من أي اتهام ، واتجهت القضية للطرمخة ، قبل أن تهيج الدنيا ويهيج الرأي العام المصري ويتظاهر الآلاف في مدن مصر المختلفة ثم تصدر البيانات الدولية منددة بما حدث ، فتجددت التحقيقات وتم سحبها من وكيل النائب العام الأول إلى نيابة أخرى أعلى ، وتم القبض على المجرمين وإحالتهم لمحكمة الجنايات ، في كل الأحوال ، فإن ما حدث ويحدث في واقعة اغتيال خالد سعيد يكشف عن وجود خلل ما في منظومة العدالة في مصر ، فيه حاجة غلط ، ولن نستطيع أن نكذب على الناس طول الوقت بالحديث عن نزاهة القضاء المصري ، والغضب الكاذب من التدخل الخارجي في العدالة المصرية ، منظومة العدالة في مصر بها اختلال ، ولا بد من ترميمها قبل أن تتسع هوة فقدان الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة ، العدالة ليست فقط قاضيا مستقلا ومحصنا ، وإنما منظومة كاملة مستقلة ومحصنة من تدخلات وتأثيرات السلطة التنفيذية . [email protected]