سواء كان الشاب المصرى خالد سعيد قد مات بفعل البانجو ( المخدر المعروف) ، كما تقول البيانات والتقارير الحكومية، أو مات بفعل البونجو ( اللكمات القوية للمخبرين، أدام الله عليهم الصحة والعافية) ، كما يؤكد شهود العيان، أو كان قد مات نتيجة للإثنين معا ، أى نتيجة للبانجو بونجو، تلك التركيبة التى تتسم بقوة قتل مزدوجة ومضاعفة ( مع الإعتذارللإعلان الشهير)، سواء كان هذا أو ذاك فمن المؤكد أن خالد سعيد ليس هو أول مصرى يلقى حتفه على أيدى المخبرين ، ولكنه أول مصرى يموت على هذا النحو الذى مات به أمام عدد كبير من شهود العيان ، وقد اكتنفت موته مجموعة من القرائن والملابسات التى تدفع إلى الإعتقاد بأن تلك الواقعة كانت جريمة ثأر بشعة قامت بها عناصر معينة فى الأجهزة الأمنية ضد مواطن مصرى أعزل، أو على أضعف الإيمان كان محاولة وحشية لتأديبه وتصفية الحساب معه، وإن كانت نتيجتها المأساوية قد تجاوزت فيما يبدو ما كان مقدرا لها من جانبهم ، فوصلت إلى حد إزهاق الروح جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد،... إن أقرب الأمثلة إلى ذاكرتى لجرائم المخبرين ضد من يفترض أنهم فى النهاية أبناؤهم أو إخوتهم ...أقرب الأمثلة شبها إلى ذلك هو ما حدث فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى عندما قام أحد المخبرين باستيقاف طالب جامعى أمام مبنى المدينة الجامعية بأسيوط ، وعندما اعترض الطالب على إيقافه بألفاظ لم تعجب المخبر كان جزاؤه هو قيام المخبر باستلال طبنجته وإطلاق طلقة استقرت فى رأسه فأصيب على الفور بالغيبوبة والشلل ... يومها أمر الرئيس حسنى مبارك بإرسال طائرة خاصة لنقل الطالب المصاب فورا إلى إحدى المستشفات الكبرى بالقاهرة ، غير أن جهود الأطباء لم تفلح فى إنقاذ المصاب، وإن كانت المبادرة السريعة من جانب الرئيس مبارك قد أفلحت حينذاك فى امتصاص جزء كبير من الغضب الذى كان قد بدأ يتصاعد فى الشارع الأسيوطى فى أعقاب جريمة المخبر منذرا بكارثة قد تتجاوز حدودها مدينة أسيوط لكى يصل حجمها إلى حجم الغاضبين على امتداد الوطن بأكمله ، ومما ساعد على امتصاص الغضب فى ذلك الوقت فضلا عن سرعة المبادرة من جانب الرئيس مبارك هو أن حجم الإحتقان الجماهيرى لم يكن قد وصل إلى ما هو عليه الآن ، فلم تكن الأحوال فى عمومها من السوء مثلما هى حاليا، وبوجه خاص لم تكن أعداد العاطلين قد أصبحت تعد بالملايين التى يضاف إليها ملايين أخرى فى كل عام ، ولم تكن مصر قد استولى على مقدراتها الإقتصادية حفنة من رجال الأعمال الذين تتسم نسبة كبيرة منهم بالجشع الشديد وضيق الرؤية واللامبالاة بأى اعتبار متعلق بالمصلحة العامة أو بالهم القومى ، ولم يكن الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة قد وصل إلى هذا الحد من الصفاقة والتبجح ، ولم تكن القوانين التى تعاقب الصحفيين بالحبس على نشر أخبار معينة أو آراء معينة قد صدرت بعد ، ولم يكن هناك صحفى أو كاتب واحد قد دخل السجن بحكم قضائى فى جريمة نشر منذ خمسين عاما سابقة على ذلك التاريخ على الأقل . ولم تكن مصر قد تراجعت إعلاميا إلى الحد الذى يجعل مسئوليها الحكوميين أنفسهم عندما يسعون إلى تحسين صورتهم فإنهم يلتمسون ذلك لدى وسائل إعلام غير مصرية أو على الأقل غير حكومية ، ولم تكن مصر قد تراجعت إلى جانب تراجعها الإعلامى ، سياسيا وثقافيا وفى جوانب أخرى عديدة إلى حد غير مسبوق، ومع كل جانب من جوانب التراجع يتصاعد جانب من جوانب الغضب الذى يجعل من كل شىء حولنا هشيما ينتظر الشرارة لكى تشتعل النيران ، فهل يدرك صناع القرار أن قتل مواطن على يد مخبر فى ظل ظروف كالتى قتل فيها خالد سعيد قد يكون هو الشرارة التى قد تشعل النار فى الهشيم . [email protected]