مئات الضحايا والقتلى وآلاف المصابين سقطوا من أجل فض اعتصام, ولو كان قتيلًا واحدًا لتحقق به نص الحديث (لزوال الدنيا أهون عند الله من سفك الدم الحرام), ولتحققت به نظرته صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة (والله إنك عند الله عظيمة ولكن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمتك, ومن قبل لوقفنا عند قوله تعالي (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا), فما بالنا هان القتل علينا وما بالنا نهدم الكعبة مئات المرات مع كل نفسٍ تقتل, ولا يرمش لنا جفن, أو تختلج لنا عضلة, أو ينقبض لنا قلب, أو تدمع لنا عين, لماذا سيطر علينا حب الدنيا وحب السلطة والصراع عليها, لماذا تركنا لنافخي الكير ومسعري الحروب ومشعلي الحرائق ليتصدروا المشهد؟ لماذا سلمنا أنفسنا لمن يبغونها عوجًا وينفسون عن أحقادهم وضغائنهم ليزهقوا أرواحنا بسلاحهم وبتحريضهم وبجهلهم وعنادهم... من الجانبين؟ لماذا استسلمنا لقتل أنفسنا وللانتحار بأيدينا؟ وصدقت فينا المقولة الخاصة باليهود (يخربون بيوتهم بأيديهم), لماذا تبلدت مشاعرنا وتحجرت قلوبنا وصمّت آذاننا وعميت أعيننا عن رؤية وسماع الحق الذي يدعيه كل فريق ونسينا أصول التحاور والنقاش وترك فسحة للمخالف يتحرك فيها عقله ليعمل تفكيره لعله يتراجع أو يقلل من مساحة وحجم العداء للآخر؟ متناسين ما قاله قرآننا في جدال المشركين (وإنّا أو إياكم لعلى هدًى أوفي ضلالٍ مبين), ماذا دهانا جميعًا؟! ولماذا وصلنا لهذه النتيجة؟ كيف تسيطر شهوات السلطة علينا إلى هذا الحد الذي نستهين فيه بكل القيم والمبادئ والأعراف والأحكام الشرعية؟ حتى أصبحنا نستدل بما عليه الآخرون من قواعد لا تتفق مع ديننا من تحديد الحد الأدني من الضحايا لفض الاعتصامات؟ ونقول إن عدد القتلى يتفق مع المقاييس والمعايير العالمية, وكأننا نتكلم عن جماد أوحجارة, كيف غاب عنّا قوله تعالي (من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا)، أفي كل يوم نقتل البشرية ممثلة في روحٍ بريئة ثم نتضرع طوال الليل أن يرحمنا ربنا, وأن يدخلنا جناته؟ كيف ماتت قلوبنا حتى أصبحنا ندعو على إخواننا وندعو لقتلهم ليل نهار, ثم نقوم ونتوضأ ونستعد لقيام الليل وصلاة الفجر؟ والصراع كله على منصب زائل, كيف يستقيم لمن يرفع سبابته بالشهادة أن يقتل 24 جنديًا لا حول لهم ولا قوة بدم بارد وقلبٍ ميت؟ كيف يستقيم لمن عاش وسط المسلمين ويسمع الأذان 5مرات أن يسمح لنفسه بقتل 38معتقلًا وأسيرًا لا حول لهم ولا قوة بإلقاء قنبلة غاز عليهم في سيارة ترحيلات.. ليس بها شبابيك إلا فتحة ضيقة ومغلقة من الخارج؟ كيف أصبحنا دعاة للقتل بغير حق ولا صدق, واستمرأنا سفك الدماء وإزهاق الأرواح وكأننا في موسم الحج نتقرب إلى الله.. بإراقة دماء الأضاحي ونسينا أن هذه دماء بشر, وليست خرافًا أو إبلًا أو بقرًا؟ لماذا كذبنا على أنفسنا وصدقنا أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ونحن جميعًا مسلمون أو أبناء وطنٍ واحد نتنافس على منصبٍ أو رئاسة أو زعامة في خلاف سياسي تتسع فيه الآراء, ويوجد فيه سعة في الخلاف ولا يستطيع أحد أن يزعم أن معه الحقيقة المطلقة أو الرأي الصائب الوحيد؟ لماذا وجدنا رجالًا كنا نعدهم من الأخيار أو العلماء الربانيين يسقطون ويتهاوون في منزلق التكفير والتخوين والتفسيق والتبديع لمجرد اختلاف الرأي والنظرة؟ لماذا نكذب ونكذب ونكذب حتى صدقنا أكاذيبنا وديننا يأمرنا بالصدق ونفى الإيمان عمن يحترف الكذب والتدليس؟ الموقف برمته عبثي بامتياز, شائك بجدارة, مؤلم بحسرة, يحتاج إلى تجرد وتقوى وخوف من الله, وإعمال للعقل والبصيرة وإلا فسوف نندم جميعًا يوم لا ينفع الندم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.