فى تصريح نقلته جريدة الشروق عدد الثلاثاء 22 يونيو 2010 على لسان الدكتور أحمد نظيف رئيس وزراء مصر المحروسة ، قال سيادته ( أن الاقتصاد المصرى اجتاز أزمة مالية عالمية ألقت بآثارها على اقتصادات دول كثيرة ولكن تجاوزتها مصر بمعدل نمو إيجابى كواحدة من ثلاث دول فقط بفضل نجاح سياسات وبرامج الإصلاح المنفذة خلال السنوات الماضية التى وجه إليها قائد ملهم هو الرئيس محمد حسنى مبارك ) . وفى نفس التاريخ ، نشرت جريدة "المصرى اليوم" جزء من التقرير السنوى لمجلة "فورين بوليسى" الأمريكية التى تصدر عن معهد "كارنيجى للسلام الدولى" فى الولاياتالمتحدة ، صنفت فيه مصر فى المركز ال 49 بين قائمة الدول الأكثر فشلاً فى العالم والتى ضمت 60 دولة ، بينما جاءت دول مثل جزر القمر وزامبيا وغينيا الجديدة وأنجولا والضفة الغربية فى مرتبة أفضل من مصر ! هذه المفارقة الظريفة تجعلنا نضع يدنا على موطن الداء المستوطن فى جنبات المحروسة عبر التاريخ ، أو تلك العادة الفرعونية الذميمة المتوارثة لتأليه الحاكم وتقديسه ! فكلامه الحق ، ورؤيته الصواب ، ولا رأى الا رأيه الملهم ، ولا قرار الا قراره الحكيم ! أما بقية الحاشية والوزراء فلا تعدو عن كونها "سكرتارية الرئيس" كما وصفهم الدكتور يوسف والى ذات يوم ! ، بمعنى أن الرئيس هو وحده الذى يفهم فى الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والاقتصاد واسعار الذهب والعملة والتعليم والثانوية العامة والأوقاف الى آخر مهام ال 33 وزارة التى تشكل فى مجموعها الحكومة المصرية على حد علمى ! وبالتالى فالجميع فى انتظار تعليماته ، لا أكثر ولا أقل ! وفى رأيى أن مثل ذلك التصريح يحمل بين طياته هروبا من المسئولية بدرجة أكبر من كونه نوعا من المجاملة أو التملق للرئيس الذى أكسبته الأيام حنكة السياسى ومقدرته على كشف الغث والسمين من بين ما يحيط به من مثل تلك التصريحات بمناسبة وبدون مناسبة ، خاصة وهو لم ينسب لنفسه ذات يوم القدرة على الالمام بكل تلك الأمور التخصصية ، والا فما الجدوى من وجود أولئك جميعا ؟! وبمقارنة الجزء الأول من تصريح د. نظيف بتقرير مجلة "فورين بوليسى"، تذكرت المثل الطريف الذى يردده طلبة الجامعات وتلامذة المدارس من باب المزاح والتهكم ، والذى يقول ( ذاكر كثير .. تغلط كثير .. تسقط ! ، وذاكر قليل .. تغلط قليل .. تنجح ! ) ، ومع اعتراضى على مضمون المثل ، الا انه يحمل الرد البالغ على تصريحات رئيس الوزراء وحديثه عن اجتياز الاقتصاد المصرى للأزمة المالية العالمية ، ليس فقط اجتياز ، ولكن أيضا بتحقيق معدلات نمو ايجابى يراها سيادته ! الا اذا كان يقصد ان عدم وجود آليات وادوات اقتصادية حقيقية منتجة فى مصر هو الذى وقاها من الانهيار الذى تعرضت له الدول الأخرى ! ، اذ أن الفارق كبير بين اقتصاديات دول تقوم على الانتاج فى شتى مجالاته وبالتالى فهى تعمل داخل منظومة واحدة يتأثر الجزء منها بالكل ، وبين اقتصادنا المصرى "المتميز" الذى يقوم على عناصر أغلبها لا يد لنا فيه ، مثل عائدات قناة السويس أو البترول أو تحويلات المصريين فى الخارج ! ، خاصة أن ما تفعله شريحة السماسرة مصاصى دماء الوطن ، أو ما يفرضه وزير مالية الحكومة ومحافظو الحكومة من ضرائب ورسوم جباية ، لا يعد اقتصادا يصب فى شرايين الدولة ويؤدى الى نمو معدلات انتاجها بأى حال ، ولكنه عملية "تستيف" لأرقام الميزانية ، و"تقليب" للمواطن لاستعادة ما سبق وحصل عليه من الدولة مقابل عمل أداه أو دعم حصل عليه الى آخره ، بمعنى ان ما يضخ فى الشارع المصرى تتم استعادته هو نفسه مرة أخرى على أساس أنه ضمن موارد الانتاج !!! فى دورة متكررة مستمرة دون أن يضاف اليها أى عنصر أو مورد جديد .. اللهم الا الديون ! ضمير مستتر {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين } الحجر 97 ، 98 [email protected]