أثق أن في إسلامنا العظيم ما يصلح بين دعاة الدولة المدنية ذات المرجعية العلمانية، حيث لا دين للدولة ولا دين في السياسة، وبين دعاة الدولة الدينية ذات المرجعية الإسلامية، حيث الإسلام دين الدولة وبعضه سياسة، دون أن يُعلمَن الإسلامي أو يؤسلَم العلماني؛ ولكن بأن يقتنع العلماني من منظور علماني عقلي ويقتنع الإسلامي من منظور إسلامي نقلي أنه لا فرق في النهج السياسي بين العلمانية والإسلام، وأننا إنما نختلف في التسمية فيسميه بعضنا علمانية وبعضنا إسلامًا. أ حق الأغلبية على الأقليات وحقوق الأقليات على الأغلبية: في مقال بعنوان: (الإسلام والديمقراطية والعَلمانية والليبرالية والمدنية والدينية أتناقض أم توافق؟ رؤية لأزهري)، فصلت البراهين القرآنية للإسلاميين والعقلانية للعلمانيين على أن لكل أقلية حق حكم نفسها في كل شأن يخصها وأن للأغلبية الحق في حكم الشأن العام الذي يجمع الجميع دون الشأن الخاص الذي يخص كل طائفة. ب الشورى في الإسلام هي الديمقراطية في العلمانية مع فارق غير مؤثر في مصر. 1 الشورى في الإسلام لا تتعلق بالأحكام المنصوص عليها، فليست شورى في سارق أيقطع أم لا، أو قاتل متعمد أيقتص منه أم لا؛ بل تتعلق بما لا نص فيه من أمور اجتهادية بشرية دنيوية هي مصالح مرسلة، وهذه هي السياسة. 2 والأمر بالشورى مقصوده الوصول إلى الرأي الصواب، وأمر الله لنبيه بمشاورة غيره يعني أن الرأي الصواب قد يكون رأي غيره، وإلا فالشورى عبث، والنبي ملزم باتباع الأولى بالصواب، فهو ملزم إذن برأي الجمع الذين يستشيرهم لأن رأي الجمع أولى بالصواب من رأي الفرد إلا أن يخطئ الجمع فيصحح الوحي مبادرًا كما بالحديبية أو متأخرًا كما ببدر. 3 إن الإسلام لم يشترط كيفية لتولية الحاكم ولا مدى لصلاحياته، فإذا اتفق غيرنا على توليته بالانتخاب وخصوا سلطته بالتنفيذ وانتخبوا نوابًا للتشريع واستقامت على ذلك دولهم ولا نعلم بديلاً خيرًا منه، فما المانع الشرعي أو العقلي؟ 4 لا فرق إذن بين الديمقراطية والشورى، إلا إطلاق سلطان المشرعين في الديمقراطية، وتقييده في الشورى بما لا نص فيه، ويظل هذا الفرق بلا أثر في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية، إلا أن يجتهد غير الإسلاميين والقرآن يكفل لهم كامل الحرية في ذلك فيبشروا ويدعوا إلى ما يؤمنون به حتى يصيروا أغلبية إن استطاعوا، ومن ثم يطالبون بإطلاق سلطان المشرعين؛ ولكن، إلى أن يصيروا أغلبية غدًا، عليهم أن يحترموا أغلبية اليوم؛ كي تُحتَرَمَ أغلبيتُهم غدًا. ج سيادة الله وحاكميته وسيادة الشعب وحاكميته في مقال بهذا العنوان بينت أننا رغم إيماننا أن الخالق هو السيد الأوحد والحاكم الأوحد نجده سبحانه يصف غيره من المخلوقين في نصوص قرآنية عديدة بأنه سيد أيضًا وحاكم أيضًا، فتكون سيادة الخالق وحاكميته مطلقة على كل المخلوقين، بينما سيادة كل مخلوق وحاكميته نسبية على من دونه، باعتباره منفذًا لحكم الخالق السيد الأوحد الحاكم الأوحد. د إسلام محمد لا إسلام الخلف 1 أما إسلام محمد فعماده الحرية واللا إكراه وينبوعه نصوص قرآنية منها: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256])، و(لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22])، و(مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45])، و(أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99])، و(مَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [18/الكهف29])، و(قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [02/البقرة83]). 2 وأما إسلام الخلف فعماده التسلط والإكراه، وينبوعه نصوص منسوبة بالباطل إلى نبي الإسلام عليه السلام منها: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله)، و(من بدل دينه فاقتلوه)، و(لا يقتل مسلم بغير مسلم)، و(لا يجتمع دينان بأرض العرب)، و(لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)، و(لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، و(النساء ناقصات عقل ودين)، و(إني رأيتكن أكثر أهل النار، تكثرن اللعن وتكفرن العشير).