لن تصدقوا أن هذا الرجل أسلم على يديه أكثر من أحد عشر مليون شخص.. نعم صدقوا، وتأكدوا من ذلك، فالرجل هو في حد ذاته "أمة"، وقديمًا قالوا: "إن رجلاً كألف، وإن ألفًا كأف".. وقديمًا أيضًا قال الصديق رضي الله عنه عن الفارس المغوار والصحابي الجليل القعقاع بن عمرو : "لصوت القعقاع في الجيش بألف فارس".. وقال يخاطب سعد بن أبي وقاص بعد أن طلب منه مددًا من الجيوش: "سأمدك بالقعقاع وهو فارس بألف". أما صاحبنا الذي أسلمت عليه تلك الملايين، فهوالدكتور الطبيب عبد الرحمن السميط، الداعية الكويتي، الذي وهب حياته للعمل في مجاهل إفريقيا وقضى تسعًا وعشرين سنة من عمره الذي ناهز الخامسة والستين، يعمل في تلك المجاهل والأدغال، ومع أناس لا يعرفون سوى الخزعبلات والخرافات دينًا وعقيدة، بعد أن أثرت فيه دراسة ميدانية تؤكد جهل أمثال هؤلاء بالله ودين الله؛ فولى وجهه إليهم، وجاهد فيهم ومعهم بالوعي والكلمة الطيبة وعلاج المرض والوقوف مع المحتاجين والمعوزين، وشرح معالم ومحاسن الإسلام الذي رضيه الله دينًا للناس أجمعين، حتى جعل ألسنتهم تنطق بالتوحيد لله رب العالمين وأجسادهم تركع وتسجد لمن يسجد له من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا سبحانه وتعالى، وأرواحهم تخفق في الملأ الأعلى تسبح مع المسبحين وتذكر الله مع الذاكرين. تذكرت سيرة هذا الرجل العطرة بعد أن انتقل إلى رحمة الله تعالى أمس الأول (الخميس)، ودفن في مسقط رأسه بالكويت أمس الجمعة.. تذكرته وأنا أتابع بصماته في عمل الخير، فأراه وقد أسس جمعية “العون المباشر” وأسس ورأس الأمانة العامة ل"لجنة مسلمي إفريقيا" من عام 1981م وحتى 1999م. وقلبي يخفق له مع كل وسام أو جائزة يحصدها؛ تأتيه طواعية ولا يسعى إليها استشرافًا لها، وذلك لقاء جهوده في العمل الخيري، ولعل خفقات القلب زادت عندي عندما تسلم "جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام"، ثم تبرع بقيمتها لتكون وقفاً لتعليم أبناء إفريقيا!! إن هذا الرجل "الأمة" أستقرئ في سيرته العطرة قول الله تعالى فيه وفي أمثاله من عباد الله الصالحين، منذ الصحابي مصعب بن عمير وبقية أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، والتابعين وبقايا السلف الصالح: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلاً}، وأكاد أترجم فيه واقعيًا المقولة الكريمة التي تقال عن الكرام البررة من الناس الذين يستحقون أن يكونوا أناسًا بحق: "فلان بن فلان رحمه الله، فقد جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين"، أي الموت.. وهي مقولة مستقاة من كلام رب العالمين لرسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. ولمن لا يعلم عن سيرة الرجل، فقد بدأ حياته المهنية بالعمل كطبيب في الكويت، ثم المملكة المتحدة، ثم الكويت مرة أخرى، قبل أن يتفرغ للدعوة في إفريقيا، ويقضي فيها قرابة الثلاثة عقود، وتكون الحصيلة خدمات طبية ودعوية، {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}، وكان من هذا الأكل ثمرات طيبة، طرحتها أشجار سامقة في السماء، غرزها الدكتور السميط متمثلة في 11 مليون شجرة - أقصد 11 مليون إنسان - أسلموا لله، ثم خدموا دين الله تعالى، بعد أن عرفوا حقيقته، وعلموا أنه الدين الحق، وانبروا حاملين لواء الدعوة إليه، فأنتجت دعواتهم أيضًا خيرًا كثيرًا. وكأن الرجل أراد له الله أن يترحم عليه عباده عدة مرات، وهو على قيد الحياة بعد أن أشيع نبأ وفاته أكثر من مرة ليترحم الناس عليه ويذكروا سيرته العطرة في كل مرة ثم يشاء الله له أن يعيش إلى أن تحقق نبأ وفاته على لسان نجله الذي أكده وأكد موعد ومكان دفنه في بلدته بالكويت. ولم يكن الرجل بعيدًا عن ابتلاءات الأمراض والعلل الصحية، مع أنه طبيب كان يداوي المرضى ويعالجهم، فقد أصيب بثلاث جلطات في الرأس والقلب، إضافة إلى داء السكري، وأصيب بجلطة في القلب عندما كان في الصومال وأجريت له عملية في الرياض.. وليس هذا فحسب، بل كسرت فخذه وأضلاعه والجمجمة أثناء قيامه بأعمال إغاثة ومساعدة للمحتاجين في العراق، فضلاً عن الآلام التي كان يعاني منها في قدمه وظهره، ومع ذلك لم تثنه هذه المعوقات عن السفر والترحال لإكمال مشروعه في الدعوة للدين الإسلامي، ومشاريع التنمية في أماكن كانت تختفي خلف الأدغال وسط المرض والفقر في إفريقيا. كما لم يكن بمنأى عن الابتلاءات التي يمحص الله بها المؤمنين الصادقين من أمثاله فقد سجن مرتين، الأولى في بغداد عام 1970م وكاد يعدم، والثانية عام 1990م عندما اعتقلته المخابرات العراقية أثناء غزو العراق للكويت ولم يعرف مصيره وقتها. وللرجل الميداني اهتمام بالكتب والدراسات والأبحاث فقد سجل بصمته ميدانيًا في مجاهل إفريقيا، ثم سجل بصمته للتاريخ كتابيًا، حيث أصدر أربعة كتب هي: "لبيك إفريقيا"، و"دمعة على إفريقيا"، و"رسالة إلى ولدي"، و"العرب والمسلمون في مدغشقر"، بالإضافة إلى العديد من البحوث وأوراق العمل ومئات المقالات التي نشرت في صحف متنوعة.. هل عرفتم الآن لماذا قلت عنه إنه "رجل أمة"؟ ولِمَ قالت القدماء: "إن هناك من الرجال رجلاً كألف وإن من الرجال ألفا كأفٍ"؟.. من في الأمة يحمل اللواء ويكمل المسيرة العطرة وسيسجل له التاريخ سيرة عطرة تجعل له بعد موته حياة ثانية لا تنساها الأجيال وتتذكرها البشرية ما تعاقب الليل والنهار؟! ◄◄دعاء من أجل مصر: ◄"اللهم يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أنت لها ولكل أمر عظيم.. أسألك أن تفرج عن الشعب المصري بحق بسم الله الرحمن الرحيم.. اللهم إني استودعتك مصر وأهلها، أمنها وأمانها، ليلها ونهارها، أرضها وسماءها، فاحفظها ربي من كل سوء ومكروه.. اللهم إنا نستودعك رجال مصر ونساءها وشبابها وأطفالها، يا من لا تضيع عنده الودائع".. = هذا ما أقدر على تقديمه الآن وهو دعاء من كل خلجات النفس وكل دقات القلب، من أجل مصر العروبة، مصر الإسلام، مصر الفتوحات الإفريقية والإسلامية العريقة، مصر الأزهر، مصر الحضارة، مصر التاريخ مصر الرقي والتقدم، مصر الأمن والأمان، مصر التي عاشت الأربعاء الماضي، يومًا دمويًا كئيبًا، لم تكن فيه مصر هي مصر التي نعرفها، ولا أهل مصر هم أهل مصر الذين نعرفهم طيبة وتسامحًا وكرمًا وإخوة صادقة للغريب قبل البعيد، ولا جند مصر هم جند مصر الذين نعرفهم، قاهرو التتار والصليبيين والإنجليز والفرنسيين والإسرائيليين.. {أشداء على الكفار رحماء بينهم}. دمتم بحب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.