ليلة أمس وقع التطور الأكثر خطورة في مسار الأحداث في مصر، حيث تم وضع الانقسام الأهلي الدموي في مصر على أجندة مجلس الأمن الدولي، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في تاريخ مصر الحديث، وهذا يعني أن "تدويل" الأزمة في مصر قد حدث بالفعل ولم يعد مجرد مخاوف من البعض أو أمنيات من البعض الآخر، وردود الفعل المتشنجة من قبل بعض ممثلي الحكومة الحالية والإعلام الموالي لها تكشف عن اضطراب وهلع أكثر من كشفها عن ثقة وطمأنينة بسلامة الموقف والقدرة على التحكم في مساراته، البيان الصادر عن مجلس الأمن أمس كان مخففًا، ويتحدث عن إدانته للعنف ومطالبته كل الأطراف لاحظ كل الأطراف بالبعد عن العنف والوصول إلى مصالحة وطنية، وبطبيعة الحال، فهذا ما كان متوقعًا من "إنذار أول" من مجلس الأمن، وهو عادة يكون بلهجة مخففة على أمل أن تصل رسالته إلى "كل الأطراف"، فإذا استمر نزيف الدم والعنف، فالمؤكد أن الاجتماع المقبل سيكون بيانه مختلفًا كليًا عن هذا البيان، ولعلنا نذكر جميعًا تدرج البيانات التي صدرت في بدايات الأزمة الليبية وكذلك الأزمة السورية، فلما ركبت "بعض الأطراف" رؤوسها وتصورت أنها تستقوي بالصين أو روسيا أو الجزائر، وصل الأمر إلى ما عرفناه جميعًا، كما أن جميع العواصم الكبرى باستثناء عاصمة بوتين حليف بشار انتقدت بوضوح كاف استخدام العنف الرسمي لقمع الاحتجاجات، وكنت أستغرب أمس وأنا أستمع إلى "عقلاء" في الإعلام المصري كان كل همهم كيف تكثف الدبلوماسية المصرية جهودها لإقناع المجتمع الدولي والدول الرئيسية فيه بأن ما يحدث في مصر ليس صراعًا أهليًا وأن مصر تواجه خطر الإرهاب، لأن البديهة التي كان يعرفها أهلنا البسطاء في أمثالهم العامية تقول "إيه تعمل الماشطة في الوش العكر"، بمعنى أن أي جهد تبذله في تحسين صورة هي في الأصل سيئة لن يجدي شيئًا، فعليك أولاً تحسين الأصل فيسهل عليك أي جهد بعد ذلك، وبشرح أكثر، فإن أي جهد للدبلوماسية المصرية لن يجدي نفعًا أبدًا إذا استمر العنف في الداخل وإذا استمر الإفراط في استخدام القمع والذخيرة الحية في مواجهة الاحتجاجات، وكل الأحاديث التي تروج إعلاميًا في الداخل عن أن الشرطة والجيش تواجه جماعة إرهابية ولا تواجه احتجاجات سلمية لا تصلح للتصدير، هي فقط للاستهلاك المحلي، تستطيع أن تبيعها للقناة الأولى والفضائية المصرية، ولكن أحدًا في العالم لن يستمع إليها ولن يعبأ بها ولن يشتريها، فهذه الجماعة الإرهابية كانت هي حكومة مصر قبل شهر ونصف فقط وكانت هي رئاسة الدولة المصرية قبل شهر ونصف فقط، فمن هي العاصمة التي يمكن أن تشتري منك هذا الكلام السخيف؟ وأنا أنصح القيادة الحالية بإبعاد بعض من يسمون بالخبراء الأمنيين والعسكريين الذين يظهرون بكثافة هذا الأيام على شاشات التليفزيون الرسمي للدولة وبعض فضائيات الفلول، لأن كثيرًا من هؤلاء ضرره أكثر من نفعه للسلطة الحالية، وبعضهم يحتاج للعرض على مصحة للكشف عن مدى سلامة قواه العقلية والنفسية، وقد شعرت بحجم البؤس وأنا أسمع "خبيرًا" يتهم الولاياتالمتحدة بأنها تحرض الإخوان المسلمين على مهاجمة الكنائس ودور العبادة. شخصيًا لا أتمنى أبدًا أن يحدث أي تدخل دولي في الشأن الداخلي المصري، ولكن المشكلة هنا، كما في ليبيا وسوريا واليمن من قبل أن هذا الأمر لا يرتبط بالأماني، وإنما بحركة الواقع التي تفرض نفسها على الجميع، وقدرات الدول على تحجيم التدخل الدولي ترتبط بقدرتها على حل مشكلاتها الداخلية بصورة سلمية وحكيمة وعاقلة، ونجاحها في تحقيق المصالحة الوطنية التي تحقق توافقًا أهليًا، وكلما كان صوت العقل والحكمة والإحساس العالي بالمسؤولية ناجحًا في إصلاح البيت من الداخل، كما تلاشت قدرات الضغوط الدولية على التدخل أو أن تجد لها موطئ قدم، خاصة أن بعض التدخلات الدولية ليست صافية النوايا وهي أقرب إلى التآمر منها إلى الرغبة في إصلاح ذات البين، وأما عندما يركب الجميع رؤوسهم ويفكرون بالذراع والسلاح وليس بالعقل والحكمة، ولا يحسبون بدقة تكلفة الدم ولا عدد القتلى الذي يمكن أن يتوقفوا بعده، فإنك تفتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي، وهو تدخل يكون أكثر تأثيرًا وخطورة عندما تكون الدولة في حالة تردٍ اقتصادي، وتعيش تفاصيل حياتها بالكامل تقريبًا على الخارج، في غذائها وفي دوائها وفي وقودها وفي سلاحها، الصورة تتبلور بسرعة، وعلينا الاختيار، العقل أم السلاح؟