لا يعرف العامة والخاصة في مصر ما تعنيه كلمة "حصانة القضاء".. فالكلمة بالنسبة لنا فضفاضة وغير منضبطة لا في فحواها ولا في أطرها القانونية.. الكل من عوام الناس يجهلون ما تعنيه الكلمة.. حتى باتت بمضي الوقت توقيع على "عقد عرفي" ينزل القضاة ووكلا النيابة منزلة "أنصاف الألهة".. وبات البعض يستخدمها بشكل لا يليق أبدا بجلال المنصب وقدسيته. وإذا كنا بصدد الكلام عن هيبة القضاء، فإن المسألة هنا لا تتجزأ كما قلت يوم أمس وفي هذا السياق، فإن مقتضى الحال يحيلنا بالضرورة إلى فتح ملف "الحصانة القضائية" وما هو سقفها وحدودها كما ينظمها القانون المصري.. لأن المشهد العام أحالها إلى فوضى وإلى استغلال مستفز ومصادم للرأي العام في الشارع وفي الأماكن العامة بل وداخل سرايا النيابة ذاتها. بعض وكلاء النيابة يعتبر تلك الحصانة محض بطاقة تعفيه من المسئولية القانونية، والهروب من المسألة القضائية ، والاستعلاء على خلق الله ، وصفع وركل وتوبيخ و"تهزيئ" من يشاء أيا كانت منزلته وعمره طالما كان من غير ذوي الحصانة في المؤسسات السيادية. من المؤلم حقا، أن تمسي الحصانة القضائية، لدى البعض، سبيلا للاعلان عن التمايز والاستعلاء الطبقي والمهني والعائلي والانفصال عن المجتمع والعزلة عنه والتأفف منه، والنظر إليه من أعلى.. لم تعد الحصانة أداة لحماية موظف عام لأداء وظيفته، وإنما "ورقة" لإرهاب وتخويف كل من يحاول أن يرفع كعبه ليكون كتفا بكتف حامل "الحصانة" الذهبية! لقد شهدت بنفسي وكيلا للنيابة على أعلى كوبر أكتوبر وهو يثير الرعب والفزع بين قائدي السيارات غير مكترث بعشرات من ضباط شرطة المرورالمصطفين على جانبي الطريق، والمشهد كان مستفزا لأبعد الحدود، ولقد حاولت آنذاك اللحاق به لالتقاط رقم سيارته، غير أني فشلت لسرعته الجنونية على كوبري مكتظ بالسيارات. في الأزمة الحالية، ما انفك نادي القضاة يتحدث عن "هيبة" و"حصانة" رجال القضاء والنيابة العامة، ونحن نريد من النادي أن يعرف لنا في بيان رسمي، معنى "الهيبة" و"الحصانة" وحدودها وسقفها.. وما إذا كانت "رخصة" لتحدي السلطات العامة والقانون واستسهال ارتكاب المخالفات، ودهس كرامة ومشاعر الناس في الشوارع وفي سرايا النيابة وبلا رحمة. كلنا بلا استثناء نجل القضاء ونوقره ونريد فعلا أن نحافظ على هيبته ونحمي حصانته .. ولكن أية هيبة وأية حصانة؟!.. أعتقد أن مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة معنيان بشكل مباشر في وضع وابداع آليات جديدة لمراقبة أداء رجال النيابة العامة والقضاة.. على نحو يحفظ لمؤسسة العدالة هيبتها وحصانتها، لأن ما يحدث في الشارع من بعضهم، يسيء اساءة بالغة بجلال المنصب وهيبته، واعتقد أيضا أن حل المشكلة يبدأ من معايير تعيين وكلاء النيابة واختيارهم.. لأن كل مظاهر الخروج على القانون من قبل بعضهم بدأت منذ انتصرت الواسطة على المعايير العلمية والمهنية والأخلاقية، وإزاحتها من على منصة تتويج وكلاء النيابة العامة. [email protected]