عادة ما تسوّق الديمقراطية باعتبارها رديفا للعلمانية! بمعنى أنه لاديمقراطية بدون علمانية ، وإذا شاء المرء أن ينعم ب"الحرية" فعليه أن يقبل ب"العلمانية" ! التسويق هنا يجري باعتبار هذا التلازم ، مسألة حتمية ، لاتقبل النقاش أو الجدل ، وكأنه وحي منزل من لدن "عليم حكيم" ! في الندوة التي عقدتها "الحركة العالمية للديمقراطية" بمدينة اسطنبول في الفترة ما بين 2إلى 6 من شهر أبريل الماضي ، أكد غالبية المشاركين على هذا التلازم باعتبار العلمانية شرطا للديمقراطية! ما حمل نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق أنور إبراهيم على أن يصحح في مداخلته هذه "العقيدة" التي باتت في قلوب العلمانين دينا مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يدية ولا من خلفه ، وقال إن العلمانية "ليست بالضرورة ضمانا لتحقيق الديمقراطية"، متخذا من الناصرية والبعثية وما سماها ب "الدكتاتوريات اللينينية" مثالا للتدليل على ذلك. وماذا نتوقع إذا حكم المتطرفون العلمانيون العالم العربي ؟! قد يرى البعض أنهم فعلا يحكومونه ، وأن غالبية النظم العربية هي نظم علمانية معادية للدين ، والحال أنها نظم ليس لها لا في العلمانية ولا في الدينية ، فهي تحدد موقفها من هذه أو تلك استنادا إلى مصدر شرعيتها وهي "الارادة الدولية" بالخارج ، وليس من شعبيتها بالداخل . فالنص الدستوري مثلا على إسلامية مصر ، وأن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع ، جاء ردا على نمو تيار التطرف الكنسي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، وكان قرارا يخضع لرؤية مصرية مستقلة ، وفقا لمقتضايات الأمن القومي المصري ، إذ لم تكن الأوضاع الدولية آنذاك على هذا النحو التي عليه الآن ، غير أن هذه المادة من الدستور باتت الآن هدفا للإعتداء عليها والتحرش بها ، وربما تتعرض للتبديل أو الإلغاء ، إذا ما رأت دوائر صناعة القرار في مصر أن ذلك ، قد يخفف الضغوط التي تمارسها القوى الدولية عليها ، في كثير من الملفات وعلى رأسها ملف الإصلاح السياسي وملف انتقال السلطة في مصر في مرحلة ما بعد مبارك ، بغض النظر عن رأي الأغلبية المسلمة التي من المفترض ديمقراطيا أن يكون رأيها هو المرجعية الأساسية في هذا الإطار . أي أن إسلامية مصر أو علمانيتها ، في المرحلة الراهنة ، لن يحدده المرجعية الفكرية المستقلة لمن على رأس السلطة ، كما هو الحال عليه في تركيا منذ سقوط الخلافة عام 1924 ، وإنما سيحسمه حجم الضغوط الدولية ، وما تمثله تلك الضغوط من اضرار على مجمل مصالح النخبة السياسية الحاكمة في مصر . وهي "لعبة خطرة" لاتستهدف مجاملة الأقباط أو حمايتهم من " الاضطهاد الإسلامي " كما يزعمون .. فأقباط مصر ، لايهمون الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمرة ، بل إن الأخيرة لايهمها إلا مصالحها فقط . ومصلحتها الآن في اضعاف الإسلام السني وتفكيكه بقدر الإمكان ، باعتباره مصدر ووقود ومخزون الطاقة الجهادية الكبيرة والمتواصلة والمتقدة عبر الأزمنة التي أذاقت الولاياتالمتحدة الأمرين في العراق الآن وفي أفغانستان مؤخرا ، ويهدد المشروع الإمبريالي الأمريكي في العالم الإسلامي الغني بمصادر النفط والطاقة . وهي كما قلت لعبة خطرة ... لأن الناس .. عوام الناس .. ليست همومها متطابقة بالضرورة مع هموم النخبة . إذ لايقاس عزوفهم عن المشاركة في المعارضة السياسية في الدول العربية ضد الديكتاتوريات السائدة ، باعتباره حالة عامة يمكن أن تنسحب على ما إذا مس دينهم مكروه أو أذى ، وأعتقد أن ثورتهم على من أساءوا لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، كان درسا بالغ الدلالة ، للأغبياء ولكل بليد في علم الاجتماع السياسي ، ولكل من يستسهل النيل من دين وعقيدة المسلمين ونستكمل الحديث لاحقا إن شاء الله تعالى [email protected]