لم تمض أربعة أشهر على بدء حراك البرادعي في مصر حتى ظهرت المشكلات والتشققات والخلافات والتي انتهت إلى إعلان أبرز اثنين من أركان حملته الاستقالة ، وهما الدكتور حسن نافعة والأستاذ حمدي قنديل ، كما أن ما كشفه حمدي قنديل في اعترافاته المنشورة يكشف عن أن الخلاف كان أقدم وأعمق ، لأنه ينطوي على فقدان ثقة بين الطرفين ، قيادات الجمعية الوطنية للتغيير أبدت قلقها من الغياب المتكرر والطويل للبرادعي عن مصر وهو ما يؤشر إلى أنه لا يأخذ الأمر بجدية كافية ، إضافة إلى أن أفكاره ومشروعاته السياسية اتصفت بالغموض ، والحقيقة أن تعبير "الغموض" استخدمه قراء كثيرون هنا في المصريون وغضبنا منهم حينها ، ولكن الآن نحن مدينون لهم بالاعتذار ، لأنه إذا كانت قيادات الجمعية التي تحمله يعترفون بذلك فالمؤكد أن تلك حقيقة لا يمكن إنكارها ، بالمقابل ، وضح أن البرادعي لا يضع ثقته الكاملة في قيادات الجمعية الوطنية للتغيير ، وحسب اعترافات حمدي قنديل المتحدث باسم حملة البرادعي ، فإن الرجل لا يثق كثيرا في النخبة المصرية ، ويعتبر أن الرهان على الشباب أجدى وأنفع ، وهذه نقطة مهمة للغاية ، ولعلها السبب في أن البرادعي بدأ يتجه أيضا إلى التماس مع الإخوان المسلمين الذين يمثلون القوة الشعبية المعارضة الرئيسية الآن ، والحركة التي تستطيع أن تتحرك في الشارع بقوة إذا أرادت ، والحقيقة أن رؤية البرادعي هنا لها ما يبررها ، أقول ذلك كمتأمل محايد للمشهد السياسي المصري ، البرادعي لا يحتاج إلى قوة معنوية أو قوة حضور سياسي من أحد ، لأنه يملك تلك القوة والجاذبية بشخصه وتجربته وخبراته الدولية والمراكز المرموقة التي أدارها والجوائز العالمية التي حصل عليها والاحترام الواسع الذي يحظى به في الداخل والخارج ، والخارج بشكل أساس ، ولذلك فإن احتياج البرادعي الحقيقي ليس لنخبة لها حضور إعلامي وسياسي تضفي عليه جاذبية أو لمعانا سياسيا مصطنعا ، وإنما احتياج البرادعي الحقيقي هو إلى قوة شعبية تحمله وتحمل مشروعه السياسي وتفرضه في الواقع ، في ظل انسداد آفاق العمل السياسي الدستوري التقليدي ، إن عشرة أو عشرين أو حتى مائة من الشخصيات الفكرية والأدبية والإعلامية التي التفت حول البرادعي مشكلة للجمعية الوطنية للتغيير لن تضيف الكثير إلى البرادعي ، هي قيمة في حد ذاتها ، لأن معظمها شخصيات محترمة ونبيلة ، ولكن مشكلتها أنها لا تملك حضورا جماهيريا ، ولا تستطيع أن تحشد عدة آلاف من الجماهير في أي محفل أو في الشارع ، حضورها الأساس في الصحف والمنتديات والصالونات والفضائيات ، وليست هذه هي أولويات البرادعي أو أي قوة تغيير في مصر الآن ، مصر متخمة بالنضال السياسي المخملي ، وهو جهد مشكور وإيجابي بكل تأكيد ، ولكنه يصلح فقط في حال انتظام حياة ديمقراطية حقيقية وفق استقرار دستوري ونظام سياسي عادل ونزيه ، أما عندما يكون نضالك من أجل أن تصنع "حالة بديلة" فإن ذلك سيكون مرهونا بقدرتك على امتلاك الشارع ، وهذا ما تفقده هذه النخبة وبالتالي ربما شعر البرادعي أنها إن لم تكن عبئا عليه فإنها ليست في صدارة احتياجاته ، أضف إلى ذلك أن الكثير من رموز الجمعية الوطنية للتغيير تتصف بشخصانية مفرطة والطموح الفردي أكثر بروزا عندها من غيره ، ولذلك بدأ البرادعي يتجه إلى الشباب ويتجه إلى الإخوان المسلمين ، وخطابه السياسي الأخير كان واضحا فيه مغازلة الإخوان والبحث عن جسور من التفاهم معهم ، وهم قد بادلوه التحية بأحسن منها هذا الأسبوع ، خاصة بعد القسوة المفرطة التي تم بها تزوير انتخابات الشورى وإقصاء مرشحي الإخوان ، تمت المصالحة من جديد بين البرادعي وبين الجمعية الوطنية للتغيير ، ولكن قناعتي أنها مصالحة مؤقتة ، لأن طريق الاثنين وضح أنه مختلف ، وإن كانت الغايات النبيلة عند الاثنين واحدة . [email protected]