وشهد شاهد من أهلها، أما الشاهد فهو الأستاذ حمدي قنديل، وأما أهلها فهي الجمعية الوطنية للتغيير التي أسسها الدكتور محمد البرادعي، ربما يكشف ما كتبه قنديل (الشروق 31مايو) عما يجري بين أعضاء جمعية البرادعي، خاصة أن قنديل هو المتحدث الإعلامي للجمعية لفترة قبل أن يعتذر عن عدم الاستمرار في موقعه، وربما امتد اعتذاره إلي الانسحاب من الجمعية ذاتها بعد أن أصبح جميع أعضائها متحدثين رسميين. هل انتهي الحراك السياسي الذي أحدثه البرادعي مع عودته الأولي إلي مصر.. وهل تجاوز الواقع السياسي أفكار الرجل وشخصه، أم أن كل عضو بالجمعية بات مشغولا بأجندته بعد غياب أجندة رئيس الجمعية؟ المؤكد أن الجمعية الوطنية ليست بقوتها التي بدأت بها بل يكاد ينفرط عقدها، ربما يعود ذلك إلي شخصية الدكتور البرادعي وأدائه منذ عوته.. وعلي سبيل المثال، فإن الرجل لم يفصح للمقربين من أعضاء الجمعية عن برنامجه وأهدافه وخطواته حتي الآن، ونقل لي بعضهم عن ميل الرجل الشديد إلي الحرص والكتمان حتي عن أقرب معاونيه، كما أن تصريحات البرادعي تنم عن عدم إلمامه بطبيعة من يتحدث إليهم، فقد أيد منح الإخوان حزبا سياسيا، فخسر مؤيدو الدولة المدنية ومعهم قطاع كبير من الليبراليين، كما أن انتقاده الحقبة الناصرية أدي إلي فقدانه تعاطف الناصريين في الداخل وفي المنطقة العربية مثلما حكي لي أحد أعضاء الجمعية. هناك شبه اتفاق بين المثقفين المؤيدين للبرادعي - قبل المعارضين - حول حرص الرجل الشديد علي ذاته.. وعدم محبته النزول إلي الشارع ليقود مظاهرات الجماهير أو أي شكل من أشكال الضغط علي النظام، فقط يريد الجماهير أن تنزل بالآلاف إلي الشارع دونه، مما يسحب منه إحدي أهم صفات القائد الذي يجب أن يكون في الطليعة دائما. أكبر نقد تم توجيهه إلي الدكتور البرادعي هو تكرار سفره إلي الخارج وعدم بقائه في مصر أطول فترة ممكنة، بل إنه لم يفكر في الاعتذار عن جميع ارتباطاته الخارجية.. بعد إعلان رغبته في ممارسة العمل السياسي الجماهيري في مصر، فالرجل لا يكاد يفرغ حقائبه حتي يملأها ثانية استعدادًا لرحلة جديدة للخارج، والتي كانت تستغرق ما يقرب الشهر أو يزيد قليلا.. أما الجديد هذه المرة، فهو أن الرجل الذي عاد منذ أيام قليلة سيغادرنا بعد أسبوع إلي لندن ليمكث أربعة أشهر كاملة بحجة ارتباطاته الخارجية.. ورغم رفض وانزعاج واعتراض المقربين منه لكن ذلك لم يفلح أثناء عزم الرجل السفر. ما سبق أدي إلي أن يفيض الكيل عند حمدي قنديل فكتب يطالبنا بمناشدة البرادعي للبقاء وتحديد موقفه ورؤيته.. فيما إذا كان يريد أن يكون هدف المسيرة هو تحريك المياه الراكدة فحسب أم تحويلها إلي طوفان.. لا أدري هل ما قاله قنديل كان رثاء للجمعية الوطنية للتغيير وصاحبها البرادعي أم إنه تعبير عن إحباط شديد أصاب قنديل لأنه توقع الكثير من البرادعي ولم يجده، وانتظر أن يكون البرادعي علي نفس مستوي المياه الراكدة بعد أن حركها، لكنه اكتشف أن التزامات البرادعي الخارجية تسبق وعوده الداخلية.. بعد أن اكتفي بتصريح هنا أو زيارة هناك.. وظنه أن إدارة حركة التغيير السياسي في مصر يمكن أن يتم عبر الإنترنت والفيس بوك.. بدلاً من أن يعفر ملابسه بتراب حواري مصر؛ لأنه لم يقتنع بأن التغيير يبدأ من الالتفاف حول الجماهير في الحواري وبأن القيادة يمنحها الشارع. حمدي قنيل ليس هو المثقف الوحيد الذي أحبطه أداء البرادعي بعد أن حلمنا بوجوده منافسًا حقيقيًا وقويًا في الانتخابات الرئاسية القادمة أمام مرشح الوطني.. عزائي للجمعية الوطنية للتغيير.. ودعوتي للأستاذ حمدي قنديل بأن يستريح ما بقي له من عمر.. فالتعيير الذي يريده لن يراه قريبا كما توقعنا.