بات الصهاينة أكثر قلقا وتوترا منذ جريمتهم فجر الأحد الماضي إذ أن الأمر بدء يتصاعد مع خروج أسرى الأسطول وتواتر رواية الحقيقة مع برنامج الرد التركي الذي جاء قويا في تعبيراته في خطاب الزعيم الكبير رجب طيب اردوغان في البرلمان التركي , وان لم يُعلن عن الخطوات التنفيذية لكن تحذيره من أن أي تبرير للإرهاب الصهيوني سيعتبر شريكا معه , يعطي دلالات خطيرة لمستقبل الموقف الصهيوني والاهم مؤشّر نجاح التقدم في معركة كسر الحصار . وبلا شك فان التعبيرات أمام حجم المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني والتي كسر فيها كل الحدود وذكّر عبرها بكل جرائم التاريخ الإنساني عندما يستهدف فريق إنساني إغاثي عالمي متحد أعزل في وسط البحر بهجوم عسكري وحشي وهذا الهجوم مغطى دولياً عبر واشنطن وحلفاء تل أبيب , وسقوط هذا العدد من الشهداء مع تأكد أنّ العدد الأكبر من الشهداء كان من نصيب قلب هذا الحراك الإنساني والروح المتدفقة من أبناء العثمانيين الجدد , ومع كل هذه المسارات الإنسانية الصعبة التي نكتب في غمارها إلاّ أنني اعتقد أن المجزرة هي هزيمة وانكسار ضخم لم يتراكم بمثل هذه الصورة منذ إطلاق الإسرائيليين والأمريكيين مرحلة تصفية القضية الفلسطينية باسم عملية السلام . أصل القضية إننا نعود لمبادئ هذه القضية لأنّ ذلك يُعيد تعيين الواجهة الحقيقية لاحداث غزة والتي يُكثٍّف عليها الإعلام والسياسة الدولية المهيمنة على جزءٍ كبيرٍ من وسائط النقل الإعلامي والتوصيف السياسي النهائي استبداداً وبلا حقوق لأصحاب القضية وبلا سماعٍ لأي جردٍ أو جدلٍ منطقي إنساني يُعيد التذكير بأصل قضية غزة بالمفهوم الإنساني المُجرّد الذي تستشعره الخلائق وتتوسطه تصورات التاريخ الإنساني فتحدد مصطلحاته وفقاً لاستقلال هذا المنظور الحُر , الذي أدى إلى تداعي تلك الجنسيات والديانات المختلفة لتتحد في أسطول الحرية الإنساني , فيما يَختطف الجناة الإسرائيليون والدوليون الحقيقة المطلقة في تزوير المشهد الإنساني لقضية غزة . إنّه سر هذا النصر الإنساني المبكّر على التحالف الإرهابي المكوّن من إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية ومنظمتها المركزية ايباك والحلفاء , فهزيمة هئولاء كلهم تكمن في أنّ أسطول الحرية ودماء شهدائه وخاصةً بعد اندفاع المشاعر الشعبية في تركيا بزخمها التاريخي والأيدلوجي ونبرة اردوغان المتضامنة بكل قوة وتأكيده بأنّ تركيا لن تتخلى عن غزة ونزول قضية غزة إلى الشارع الوطني التركي كقضية مقدسة ضِمن المكنون الإنساني والإسلامي الذي يتفق تلقائيا مع العدالة الإنسانية المجردة بمفاهيمها الأولية , والتي التقت مناضلي المجتمع المدني الغربي الذين يزدادون عدداً و حماساً معها كُل ذلك يُعيد القضية إلى دقة التوصيف المختطفة والمُضلل عنها النّاس من قبل التحالف الإرهابي , وهي أنّ قضية حصار غزة ليست سياسية ولا عسكرية ولا أمنية ولا صراعاً دولياً وان تقاطعت كل هذه الظروف معها لقهر الضحية في أصل القضية الفلسطينية , لكنّ ذات الفعل المجرد الذي يمارسه التحالف الإرهابي هو حصار كتلة مجتمعية من البشر وإغلاق أراضي عليها ومنع أساسيات الحياة الإنسانية للمدنيين والأطفال والعُزّل والقبض على طرق دخول أسباب الحياة المجمع عليها إنسانياً والتي لا يبررها مطلقا أي صراع سياسي مع حركة تحرر وطني كحماس , ولا يجوز أن تُطرح قضية الحق الإنساني في دخول وسائل التعمير البسيطة للأرض المحروقة بحرب ظالمة ووسائط العلاج والعيش المجرد لأي تبريرٍ لصراع سياسي أو عقائدي , وهنا النقطة الرئيسية التي عزف التحالف الإرهابي على تزويرها فالصراع مع حماس حتى مع من لا يعترف بالحقيقة بأنها باتت الممثل المركزي للشعب الفلسطيني لا علاقة له بحبس شريان الحياة عن كتلة من البشر , إنما الصراع قد يكون مطروحاً في أودية التنافس السياسي والعسكري مع حركة التحرير الفدائية , فيما هُنا يُبرر التحالف الإرهابي جرائم الحرب المستمرة عبر الحصار على شعب غزة بذلك الصراع السياسي , والذي لا يجوز مطلقا بكل معايير الحق الإنساني المجرد أن يطرح للتبرير فضلا عن التنفيذ. هنا يَبرز بوضوح كيف ينتصر الآن أسطول الحرية بدماء شهدائه وجرحاه ومتضامنيه وكل فريقه المساند نصراً جليا على التحالف الإرهابي المحاصِر والذابِح لغزة...كيف ..؟انه يعيد للجمهور العالمي الحقيقة المختطفة ويضج بها إعلاميا ويفاجئ التحالف الإرهابي الذي استطاع عبر عمل تاريخي على مدى عقود من ضرب التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني من الداخل والخارج . وإذا بالتحالف الإنساني المتحد من شريان الحياة بقيادة جورج جالوي ثم إلى أسطول الحرية بقيادة الشعب التركي ودموعه التي خلطت بين تاريخ آل عثمان بعمقهم الإنساني الجديد مع دماء أطفال وشعب غزة يقتحم المشهد وينقل المرحلة الى تضامن انساني حاشد تمثله تلك الجنسيات والاديان والاعراق المتحدة والمُجمعة بقوة على وحشية الحصار, لكن حجم المجزرة التي نُفذت فجر الحادي والثلاثين من أيار مايو المنصرم قلبت كل إحصاء متوقع لهذا الفضح التاريخي لتل أبيب الذي أعاد تنصيب الصورة لكل العالم في مشهدها الصحيح ...رهينة مدنية بيد تحالف إرهابي وهذا دليل دماء أسطول الحرية شمس ساطعة بتموجات الدماء التي دُفقت في البحر الأبيض المتوسط أمام مرأى العالم وهم من أكثر من خمسين دولة وأمة وعرق ودين . هنا بدء التحالف الإرهابي يشعر بأنّهُ يخسر وتتفاعل الحرب الإنسانية من حوله خاصة بان جورج جالوي وآخرين يُعدّون لحملة جديدة تتناوب مع أسطول الحرية وهكذا تُذكّر الإنسان في كل أركان المعمورة بالتعريف الحقيقي للقضية.... جيش إنساني مجرد يحاول أن يُخلّص رهينة مدنية مختطفة ويوصِل لها الغذاء والدواء , وهذا التكثيف التلقائي الذي بدأ يضج في الأفق منذ انطلاق الأسطول ومع كل محاولات الوأد وقطع الإرسال والتعتيم والتقييد والمواجهة المسلحة من الجيش الإسرائيلي لأولئك الصفوة من النبلاء مناضلين إنسانيين وشهداء فان أعلام النصر بدئت مباشرةً بالخفق بنجاح المهمة وانتصارها وهو بالضبط ما يخنق التحالف الإرهابي , ولذلك فان قراءتي الفلسفية والتحليلية ليست دفقاً من التفاؤل لكتائب الحق الإنساني وشهدائها وإنما هي أيضاً قراءة موضوعية لهزيمة الحلف الإرهابي ... وانتصار الشهداء.