التقرير الذي نشرته "هاآرتس" الإسرائيلية أمس أتى ليؤكد الهواجس والإحباطات التي بدأت تتكشف في الوعي الإسرائيلي عن حال الحصار الذي فرضته على نفسها بسبب عنادها في حصار غزة والسلوك الهمجي الذي استخدمته في اقتحام سفن قافلة الحرية ، ها آرتس قالت بوضوح أن حصار غزة تحول الآن إلى حصار لإسرائيل نفسها ، ومن ثم دعت الصحيفة حكومة تل أبيب إلى سرعة رفع الحصار عن غزة لكي تنجو هي من الورطة التي تعيشها والتي تتعاظم مع الوقت بازدياد غضب العالم من غطرستها ، هذه الرؤية التي طرحتها الصحيفة لا تمثل وجهة نظر خاصة أو فردية ، وإنما تمثل اتجاها في النخبة الإسرائيلية ، والمؤكد أن هناك جهودا محمومة تدور الآن وخلايا عمل لا تنقطع ، في الأروقة الخلفية، بعيدا عن الإعلام والصخب ، للبحث في عملية إنقاذ من هذا الحصار الذي بدأ ينسج خيوطه حول الدولة العبرية ، والموقف من حملات القوافل التي يتم تجهيزها الآن في أكثر من دولة لاقتحام الحصار على غزة بدون أي اكتراث للتهديدات الإسرائيلية ، وفي الطريق الآن السفينة "راتشيل كوري" وهي سفينة التحدي والتذكير لإسرائيل بوحشيتها ، لأنها تحمل اسم المواطنة الأمريكية "راتشيل كوري" التي سحقتها الجرافات الإسرائيلية لتحيل جسدها الحي إلى أشلاء ، ووقتها ابتلع الرئيس الأمريكي جورج بوش لسانه الطويل وأحنى رأسه المتعجرفة ، وتجاهل مواطنته ، ولم يجرؤ على طلب محاكمة قتلتها ، باختصار : خانها الرئيس الأمريكي وباعها للصهاينة ، وتركهم يروجون اتهامهم لها بأنها إرهابية وأنها كانت تريد أن تتستر على مهربي السلاح عبر الأنفاق ، لأنها تصدت بجسدها للجرافات الإسرائيلية التي أرادت أن تهدم منزل أسرة فلسطينية ، "راتشيل كوري" تعود اليوم إلى إسرائيل ، متحدية الجرافات والمدفعية والكوماندوز والبحرية والإرهاب الإسرائيلي ، وتقول أنها ماضية إلى غزة أيا كانت العواقب ، والعالم كله ينظر إليها الآن ويتابع مراحلها واقترابها ، والمؤكد أن هناك الكثير الذي يجري في القنوات الخلفية لمحاولة احتواء الموقف ، والمؤكد أن الصهاينة لن يجرؤا على أن يكرروا همجيتهم مع "راتشل كوري" السفينة ، كما لن يستطيعوا أن يتهموا ركابها بأنهم إرهابيون أو أنهم يدعمون الإرهابيين كما فعلوا مع المواطنة الأمريكية النبيلة ، إسرائيل لن تستطيع أن تتهم العالم كله بأنه إرهابي وأن مواطني الشرق والغرب والشمال والجنوب يدعمون الإرهاب ، إسرائيل لن تستطيع الآن أن تمارس التضليل والكذب بالدعاية السخيفة ضد كل من ينتقد غطرستها بأنه إرهابي ، انتهت هذه اللعبة الآن ، وأفلست آلة الدجل السياسي والديبلوماسي والإعلامي التي كانت تتلاعب بها ، وتضلل بها العالم كله ، كما أن الأمريكيين لم يعودوا يملكون المنطق أو أي مبرر يمكن أن يدافعوا به عن الوحشية الإسرائيلية مع الأبرياء من كل الأجناس والبلدان ، حتى مع المواطنين الأمريكيين أنفسهم ، وهذا هو جوهر حال اليأس الذي بدأت النخبة الإسرائيلية تشعر به على النحو الذي بدا في تقرير "هاأرتس" ، لم تعد غزة الآن هي المحاصرة ، وإنما إسرائيل هي التي تخضع الآن للحصار ، بينما غزة كبرت في عيون العالم كله ، وأصبحت محمية بقوة الأخلاق والضمير والإنسانية من دول العالم أجمع ، وهذا من أجمل معاني النصر ، تلك البقعة الجغرافية التي يصعب أن تحدد مكانها على خريطة جغرافية العالم ، أصبحت اليوم محط أنظار العالم ومفجر آلام الضمير الإنساني وقبلة الإعلام العالمي كله ، ومولدة أعقد صراع سياسي إقليمي ودولي في هذه اللحظة ، والمؤكد أن شخصية في حجم وجدية وصلابة "رجب طيب أردوغان" تعني كلماتها جيدا عندما يقول علنا "إن إسرائيل ستعرف قريبا حجمها الحقيقي" ، ولعل حصار المستضعفين في غزة يكون سببا لإحداث مراجعة تاريخية لمواقف الكثيرين من أصدقاء "إسرائيل" تجاه مستقبل الدولة العبرية ودورها . [email protected]