ضحك الإعلام الغربي كما لم يضحك من قبل على مقال نشرته صحفية مصرية في "المصري اليوم" وأفاض بعضهم في اتخاذه نموذجًا لما درج عليه الإرث المصري الفرعوني من تأليه الحاكم وتحويله إلى فرعون يعلو ولا يعلى عليه، يأمر فيطاع، يقول فلا يرد قوله، يغمز بعينه ذات اليمين أو ذات الشمال فيلبون غمزاته. المقال الذي أثار ضحكهم لم يحمل إرثًا فرعونيًا فقط ولكنه ينزل النساء منزلة الجواري أو ملك اليمين للحاكم مع أن البكاء لم تجف دموع تماسيحه بعد عن مزاعم اضطهادهن وجرهن إلى عصر الحريم أثناء حكم الرئيس مرسي واضطهاد الدستور المعطل لهن، وذلك على غير الحقيقة. عندما ترشحت امرأة سلفية للبرلمان السابق ووضعت في صور حملتها الانتخابية وردة بدلًا منها لأنها منتقبة، أفردت برامج التوك شو حلقات كاملة وتفننت الأقلام في توصيف ذلك بالجهل والجهالة والصورة النمطية للمرأة في عقلية الإسلاميين بأنها كائن لمتعة الرجال وقضاء شهواته. لسوء حظنا كمصريين أمام العالم أن الانقسام الحالي كشف أسوأ ما فينا، إذ لا نتورع عن القتل بدم بارد فحسب بل ترمي الصحافة المصرية والقنوات الخاصة المتظاهرات في رابعة العدوية بأحقر الاتهامات وتعرض فيديوهات مزورة لتلبيس الباطل وإقناع البسطاء به. من حق كل مصرية أن تتظاهر تأييدًا للانقلاب أو دفاعًا عن الشرعية ولا يصح نعتها بالأوصاف الحقيرة وقذفها في عرضها وشرفها. المتظاهرات دفاعًا عن الشرعية وأصوات الناخبين يعبرن عن شموخ المرأة المصرية وعلو شأنها، فيما يعكس مقال الجواري وملك اليمين القاع الأسفل من عصر الحريم والجواري. تحت عنوان "يا سيسي أنت تغمز بعينك بس" قالت الكاتبة: يكفيه أن يغمز بعينه بس.. أو حتى يبربش. سيجدنا جميعًا نلبي النداء.. هذا رجل يعشقه المصريون.. ولو عايز يقفل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب، ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله". حملات فرعنة السيسي وتأليهه وتعظيمه تضيف بعدًا جديدًا مخيفًا إلى حملات جمع التوكيلات له في مرحلة سابقة والتي بدأنا الآن نهتدي لحل ألغازها بالتوازي مع حل لغز الطرف الثالث أو اللهو الخفي. ليست هذه الكاتبة وحدها وإن كانت تفردت بذلك العرض المذهل المستهجن على نطاق واسع، فكتاب كبار بعضهم رؤساء تحرير صحف حكومية كانوا متهمين بالأخونة حتى قبل دقيقة واحدة من بيان الانقلاب، تحولوا 180 درجة إلى الاتجاه الآخر. أحدهم كتب مباشرة عقب دعوة السيسي للاحتشاد أنه جندي من جنوده. والغريب أن عددًا من الكتاب الليبراليين اتّهموا هذا الصحفي في عهد مرسي بمنع مقالاتهم! الذين ينافقون السيسي اليوم مستعدون لنفاق أي حاكم عندما تكون في يده السلطة وأوامر الاعتقالات، ولو أظهر مرسي قوة وحزمًا في التعامل مع الشتامين وليس المنتقدين لنافقه كثيرون من الصحفيين والإعلاميين الذين بنوا بطولاتهم على سبه وهجائه. كاتب كبير لم يعتبر السيسي مجرد وزير دفاع وقائد للجيش بل "رجل لهذا الزمان" وغيره رأوا فيه جمال عبد الناصر، وآخرون رأوا أنور السادات، ولم أفهم كيف تجتمع فيه شخصيتان متناقضتان ومختلفتان سياسيًا ونفسيًا إلا إذا كان ذلك من وحي المنافقين الذين يهرفون بما لا يفهمون. أتأسف أن يقال عنّا إننا شعب يعشق جلاديه، يطربه الحاكم المستبد ولا يعجبه الحاكم الرؤوف العادل، ولهذا لا يستمر معنا إلا المستبدون والجلادون. أفهم أن ما يجري الآن هو دفع للسيسي نحو رئاسة الجمهورية، لكني لا أعلم ما إذا كان ذلك من بنات أفكار هؤلاء الصحفيين والإعلاميين والكتاب، أم وراءه جهات أخرى. قصة التوكيلات ولغز الطرف الثالث يجعلانني أفضل عدم الاستعجال في التوصل إلى الإجابة، لكني أحتفظ لنفسي فقط بالتحذير بأن ذلك لو حدث سيكون أكبر عملية استغفال ووأد تتعرض لها ثورة يناير وثوارها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.