«قبل نحو 30 عاما اعترف الرئيس حسنى مبارك بأنه لا يمتلك الخبرة الكافية لحكم مصر التى تولى رئاستها بعد اغتيال الرئيس أنور السادات بثمانية أيام فتعهد بالاستماع إلى مستشاريه وترك الحكم بعد فترة واحدة فقط، ولكنه الآن يستعد لخوض الانتخابات من أجل الفوز بفترة حكم سادسة».. هكذا استهل الكاتب والمحلل السياسى البريطانى آدم شاتز دراسته المطولة عن المشهد السياسى فى مصر والتى نشرتها مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» تحت عنوان «نفَس مبارك الأخير». وقال الكاتب إن الرئيس مبارك تعهد قبل سنوات باستمراره فى خدمة مصر وحكمها مادام فى صدره قلب ينبض، ويبدو أنه سوف يفى بهذا التعهد على الرغم من أنه لم يف بالكثير من التعهدات التى قطعها على نفسه خلال سنوات حكمه وخصوصا فيما يتعلق بإقامة نظام ديمقراطى. والحقيقة أن ثلاثين عاما من حكم الرئيس مبارك أثبتت فشل الرهان الغربى على تحرير الاقتصاد المصرى كمقدمة لتحرير النظام السياسى، وفقا لرؤية الكاتب البريطانى. ففى السنة التى تبنت فيها مصر خطة صندوق النقد الدولى لتحرير الاقتصاد عام 1992 تم إرسال أول مجموعة من النشطاء السياسيين المصريين إلى المحاكمة أمام محكمة عسكرية فى انتهاك صريح لكل مواثيق حقوق الإنسان التى وقعت عليها الحكومة المصرية. كما أن وصول الرئيس مبارك إلى السلطة كان «مفاجأة للكثير من المراقبين داخل مصر وخارجها باعتبار أنه كان شخصية بعيدة عن العمل السياسى حتى عندما أصبح نائبا لرئيس الجمهورية عام 1975» على حد قول آدم شاتز الذى أشار إلى أن السيرة الذاتية للرئيس مبارك لم تحمل أى إشارة إلى اهتمامه بالعمل السياسى منذ أن كان طالبا فى مراحل التعليم وحتى وصوله إلى قيادة القوات الجوية المصرية بما فى ذلك افتقاره لعضوية تنظيم الضباط الأحرار الذى قاد ثورة 23 يوليو فى مصر وكان من قادته الرئيسان الراحلان جمال عبدالناصر وأنور السادات. وأوضح شاتز أن المصريين لا يأخذون وقتا كثيرا لاستدعاء مشاعر «الإحباط والعار والامتهان» وعن المقولة السائدة بأن ما يحدث فى مصر يؤثر فى العالم العربى كله قال إنه لم يعد يحدث فى مصر الكثير الذى يمكنه التأثير فى العالم العربى لأن مصر تراجعت أمام المملكة العربية السعودية ناهيك عن دول غير عربية مثل تركيا وإيران فى القيادة الإقليمية. وحتى قطر الصغيرة أصبح لديها سياسة خارجية أكثر استقلالية مقارنة بمصر. وعلى الرغم من كون مصر أكبر بلد عربى بعدد سكانها البالغ 80 مليون نسمة فان الكثير من العرب وحتى المصريين أنفسهم ينظرون إليها بوصفها دولة عميلة للولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تعتمدان على مبارك لضمان الاستقرار الإقليمى فى إطار الصراع مع «محور الممانعة» الذى تقوده إيران. وأكسبت سياسة تحرير الاقتصاد المصرى التى أطلقها السادات تحت مسمى الانفتاح فى عام 1974 مبارك إشادة من البنك الدولى. وتم حذف النصوص الدستورية التى تشير إلى الاشتراكية فى تعديلات عام 2007 وأضيفت جملة تقول: «اقتصاد جمهورية مصر العربية يقوم على تنمية روح المبادرة». لكن الاقتصاد المصرى ليس حرا لكنه خاضع لسيطرة مجموعة من رجال الأعمال المقربين من السلطة وعائلة الرئيس مبارك خصوصا أن رجال الاعمال يسعون لعلاقات وثيقة جدا ومربحة مع الدولة على حد قول الكاتب البريطانى. وتقول الدراسة إن حسين سالم وهو أحد المقربين من أسرة الرئيس مبارك يمتلك حصة فى شركة شرق المتوسط للغاز وهى عبارة عن كونسورتيوم مصرى إسرائيلى حصل على عقد بقيمة 2.5 مليار دولار لبيع الغاز الطبيعى المصرى إلى إسرائيل. وبينما بدأ الغاز يتدفق إلى إسرئيل اوائل عام 2008، كانت الدولة العبرية تشدد الحصار على قطاع غزة. كما أن نظام الحكم فى مصر من منظور التقرير البريطانى طور شراكة مع إسرائيل فى مجال التجارة و«الأمن» الذى هو الآن أوسع نطاقا بكثير مما كان يمكن تصوره مع السادات. فأجهزة المخابرات فى الجانبين تعمل بشكل وثيق، حيث وفر مبارك السلاح والتدريب للسلطة الفلسطينية فى حربها ضد حماس، فى الوقت الذى تبذل فيه القاهرة كل ما فى وسعها لاستمرار الحصار على غزة، بحسب الدراسة. ومن جهة أخرى، رأت الدراسة أنه فى ظل حكم مبارك أصبحت «الصلاة» ممارسة شعبية جدا مثل التسوق وكرة القدم حيث تقوم بذات الوظيفة تقريبا وهى صرف الانتباه عن الإحباطات التى لا تعد ولا تحصى فى الحياة المصرية. وغاليا ما تقارن مصر حسنى مبارك بإيران فى الأيام الأخيرة للشاه، حيث تقلصت الطبقة الوسطى بسبب التضخم، والغضب من تحالفات النظام مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل، والشعور العميق بالذل الذى يظهر على نحو متزايد فى صورة حماسة إسلامية بالإضافة إلى ازدراء شبه عالمى للطبقة الحاكمة فى البلاد. (حسب مصادر الشروق)