أحيانًا ينتشر خطاب الإحباط بين القوى التي شاركت في ثورة يناير 2011 كلما وجدت الأمور تتأزم، وكلما شعرت بطول الطريق إلى تحقيق كامل أحلام وأشواق الثورة، وكلما أدركت أن ما تحقق من تلك الأشواق أقل كثيرًا مما كانت تحلم به وتعانق به عنان السماء في عنفوان الثورة وفي أعقاب انتصارها الكبير برحيل نظام مبارك، والحقيقة أن ثورة يناير لم تفشل أبدًا، بل نجحت نجاحًا كبيرًا حولت به مجرى التاريخ في المنطقة، كما أعادت به صياغة الإنسان المصري وصنعت توازن قوى جديدًا في الخريطة السياسية للوطن لم يكن له سابق عهد، كما فجرت طاقات الفعل والمشاركة والعطاء في الإنسان المصري، رغم أن كثيرًا من هذه الطاقات بفعل الاضطراب وتناقض الرؤى يضرب بعضه بعضها ويعطل بعضه بعضًا، ولو توحد المسار لحققت تلك الطاقات المعجزات، المشكلة الأساسية أننا بعد انتصار ثورة يناير أعطينا طموحات أكبر كثيرًا من طبيعة المرحلة ومن حساباتها، وبالتالي عندما تحقق جزء من هذه الطموحات ولم يتحقق الباقي تصورنا أن هذا فشل، وهو مجرد سوء تقدير للأهداف والطموحات بما يتوافق مع الواقع والقدرات الحقيقية، منذ متى كان التيار الإسلامي يستطيع أن يحشد ملايين من أنصاره في الشوارع والميادين أيام مبارك أو ما قبله؟ منذ متى كان التيار المدني الليبرالي النخبوي يستطيع أن يحشد الملايين من المواطنين في الشوارع والميادين؟ منذ متى كنا نرى هذه الحشود الهائلة من المصريين المؤيدة لهذا الفريق أو ذاك تنزل إلى الشوارع والميادين كل عدة أيام أو أسابيع؟ هذا تاريخ جديد يكتب، وتلك طاقات رائعة تفجرت في ربوع مصر، وكان البعض يراهن على انحسار المد الثوري، وضعف همة الناس للمليونيات خلال العام الماضي بعد الفراغ من الانتخابات الرئاسية، لكن الشعب فاجأ الجميع بحيويته وقدرته على الاحتشاد من جديد إذا دعت الضرورة ذلك، ورأينا المليونيات والمليونيات المضادة، كأن ثورة يناير ولدت قبل عدة أيام أو أسابيع، وليس قبل أكثر من عامين ونصف، لم يهدأ فيهما الشعب أو يتوقف عن مطالبه للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. ثورة يناير وضعت لمصر مسارًا واحدًا لصناعة مستقبلها، لا محيد عنه، ولا بديل له، وهو المسار الديمقراطي، وبنية مؤسسية حقيقية لتلك الديمقراطية، بدستور توافقي عادل وانتخابات برلمانية شفافة وانتخابات رئاسية جديدة، صحيح أنه وقعت أخطاء، واختلافات في الرؤى، وجدل حول ما حدث مؤخرًا بعزل الدكتور مرسي، ما بين مؤيد ومعارض، أتمنى أن ينتهي على خير، ولكن الجميع، ومن كل الأطراف، يدرك أن الديمقراطية هي المستقبل، والشعب هو الحكم والحاكم والمرجع عند الخلاف، بدليل سقف المطالب المرتفع جدًا من الجانبين، وهي حالة لم يكن لنا بها عهد في تاريخ مصر الحديث كله، وأيًا كان الخلاف حول مليونية 30 يونيه التي مهدت لإسقاط الرئيس السابق، إلا أنها لم تكن لتولد إلا إذا كانت تتكئ على "الفتح" السياسي والتاريخي الذي حققته ثورة يناير، ولو لم يكن المصريون قد حققوا ثورتهم الكبرى في يناير 2011 ما كانوا عرفوا مليونية 30 يونيه، لقد حققنا الكثير، وما زلنا نحلم بالمزيد، ونحلم بالتوحد، وبتجاوز المحنة الأخيرة، نتعثر أحيانًا لكن نقوم من جديد، نخطئ أحيانًا لكن نسارع لتصحيح المسار، وعلى المستوى الشخصي، ومنذ أيام ثورة يناير الأولى، وأنا أرى لطف الله بها وبشعب مصر في مواطن عديدة وتحديات كانت قاصمة، وهو ما ملأني ثقة وتفاؤلًا بأنها ستحقق مأمول الشعب المصري من ثمراتها، وأن الله تعالى أراد خيرًا بمصر وشعبها، أثق في ذلك، وأثق أن المستقبل سيكون أفضل كثيرًا بإذن الله. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.