من خلال جولة سريعة على المقالات المنشورة فى الجرائد المصرية والعربية وتعليقات القراء على تلك المقالات فى النسخ الإلكترونية تستطيع بسهولة شديدة معرفة ميول بل وانتماءات المعلقين عليها، بل وتستطيع تحديد نوعية الردود من عنوان ومحتوى المقال. على سبيل المثال، جريدة محافظة ك"المصريون" اليومية والتى تنشر تعليقات القراء كما هى دون تدخل من الجريدة ودون أدنى مسئولية من الجريدة على محتوى تلك التعليقات، تجد أحياناً تعليقات جادة وموضوعية تناقش فكرة المقال ومحتواه، سواء كان بالإيجاب أو السلب، ومن ناحية أخرى، تجد تعليقات كثيرة جارحة وخارجة عن الآداب العامة وعن القيم الإسلامية تهدف إلى سب الكاتب وإيلامه وإيقافه عن الكتابة. فالقارئ إذا لم يجد المقال متوافقًا مع ما يريد أن يقرأه أو إن وجده معارضًا ناقدًا لتياره يكيل له من أنواع السباب ما يخشى الكاتب أن يقرأه قارئه وأصدقاؤه وأفراد أسرته. هذه نوعية من التعليقات على مقال واحد نشر فى "المصريون" بتاريخ 9 يوليو 2013 لكاتب عمود ثابت فى الجريدة: كاتب فاشل وغبى، كاتب حاقد لا يستحق التعليق لأنه تافه، سطحى، أهبل وأهطل، قذر، حثالة، كل كلامك كذب وافتراء، حيوان، إلخ. معلق آخر يتساءل عن نوع الحشيش الذى يدخنه الكاتب أو الكأس الذى شربه قبل كتابة مقاله، إلخ. الأمر يصل أحياناً إلى الطعن فى تدين وإيمان الكاتب ووطنيته، وهناك أمثلة أقلها: عميل، انتهازى، علمانى، ليبرالى، معادٍ للمشروع الإسلامى، إلخ. الأمر يتطور أحياناً إلى سب الصحيفة ورؤساء تحريرها، ومثال على ذلك: تعليق أحد القراء على المقال السابق قائلاً: العيب على الجريدة العميلة التي تفتح الباب لمثل هؤلاء المأجورين، الطيور على أشكالها تقع، إعلام الشياطين الكاذبين وفلول النظام الهالك، إلخ. الأمر يتطور أحياناً إلى الدعاء على كاتب المقال، فعلى سبيل المثال كتب معلق: لعن الله المستهزئين بالحق وأهله، الذين يناصرون أهل البغى والعدوان ويريدون العودة إلى الفساد، إلخ. الأمثلة كثيرة وتحتاج إلى دراسة أو طبيب نفسى لمعرفة دواعى هذا الهجوم على كاتب تجرأ وانتقد ما يؤمن به القارئ وهجوم القارئ على الكاتب باللفظ والقول، مما يحاسب عليه القانون، وكأن الكاتب سب أبيه وأمه أو أنه يعمل لدى القارئ ومطالب بكتابة ليس ما يرقى لقراء الجريدة ككل، ولكن ما يرضى أصحاب فكر أو تيار معين. التعليقات على جريدة "المصريون" مرتبطة بحساب الشخص على "فيس بوك"، ولذلك يمكن بضغطة واحدة الدخول إلى صفحة المعلق على "فيس بوك" ومعرفة انتمائه أو من خلال صورة البروفيل الخاصة به، والتى تكون فى الغالب صورة محمد مرسى أو صورة أحد الدعاة والتى تفضح انتماء الشخص، وبالتالى أسلوب تفكيره للأسف. المثير فى الأمر أنه لو كتب أحد المعلقين مشجعاً الكاتب على نهجه أو متعاطفاً معه فإنه هو الآخر ينال نصيبه من السب والنقد السلبى الذى يطعن فى تدينه وعلاقته بربه من باقى المعلقين. التعليقات على المقالات ليست مخصصة للسب وللتجريح الشخصى، ولكنها مخصصة لعرض وجهة نظر القارئ فى محتوى المقال، سواء كان بالإيجاب أو السلب، فعند الدخول على الصحف العالمية كالواشنطن بوست، تجد أن القراء يتركون تعليقات أكاديمية قد تستحق القراءة أكثر من المقال نفسه وبدون تسفيه أو سب أو حتى مجاملة الكاتب. القراء مهتمون بالمحتوى لا بشخص الكاتب فهو يقدم معلومة وتحليلاً لقضية بشكل مختلف وإن لم يجد المرء جديدًَا فى المقال فلم قراءته إذن؟ الأمر يزداد سوءاً على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، والذى أصبح الآن فى حالة الانقسام التى تعيشها مصر موقع التشاحن والعداء الاجتماعى، فمجرد كتابة وجهه نظر ما تجد تعليقات من المعارضين خارجة عن أدب الحوار تصل أحياناً إلى سب وقذف الكاتب، وقد تأتى من أشخاص فى عمر أولاد أو تلامذة صاحب الحساب تهدف إلى تسفيهه ودفعه إلى التوقف وإيلامه. ولذلك قام الكثيرون مؤخراً بالخروج من "فيس بوك" حفاظاً على ماء الوجه أمام طلابهم أو أهلهم أو باتخاذ قرار تنقية قائمة الأصدقاء من هؤلاء. للأسف معظم إن لم يكن كل أصحاب التعليقات الخارجة والتى تسب ولا تنتقدهم ممن ينتمون إلى تيار الإخوان أو من المتعاطفين معهم، وكأن من انتقدهم كفر وأصبح عرضه وشرفه حلالاً لسهام ألسنتهم. وهذا يؤلم أكثر لأن ديننا الحنيف يحض على مكارم الأخلاق والمؤمن الحق هو من سلم الناس من لسانه ويده. فالمعلق البذىء يظن أنه ينتصر لقضيته وتياره، بينما هو يضره أكثر مما يتصور، لأن السب يعنى ضعف الحجة وسقوط قضيته. هذا ينطبق أيضاً مع ما شهدته الساحة مؤخراً من تطاول من بعض دعاة وملاك الفضائيات الإسلامية إن جاز تسميتها هكذا على فنانين وسياسيين وصحفيين بالسب والقذف، مما يتعارض مع ديننا الحنيف، فلا يدعو للفضيلة بذىء، حتى وإن حفظ أمهات الكتب، ولذلك فالرجوع للحق وللأخلاق الحسنة لا تسبقها فضيلة، فالإسلام شوه فى الفترة الأخيرة بشدة ممن يتصورون أنهم حاملو رايته.