مصر المحروسة البلد الذي أمنه الله وحفظه الله وحصنه الله، بلد الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان, كنيت مصر ولقبت بالمحروسة، فكانت تسمى بالمحروسة منذ الفتح الإسلامى. أنطق الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بالوحى، فقال كما جاء فى القران (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين). لم تكن عبارة نطقها يوسف عليه السلام عن هوى، وإنما كانت وحيًا أوحاه الله إليه فنطق بالله عن الله.. لتكون كلمة الله وإرادة الله ومشيئة الله.. والإرادة الإلهية. ثم كانت مصر المحروسة البلدة التى آوى إليها المسيح عيسى ابن مريم برفقة أمه الصديقة مريم ابنة عمران, وقد أشار القرآن إلى ذلك الإيواء بقوله تعالى (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين). ثم جاء خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليؤكد لنا تلك المشيئة الإلهية، التى حفظت مصر المحروسة، حيث قال فى حديثه النبوى الشريف وهو الذى لا ينطق عن الهوى: (مصر كنانة الله فى أرضه وما ظلمها عدو إلا وقصمه الله). وتلك حقيقة تاريخية أقرها التاريخ عبر السنين. وإليها أشار حافظ إبراهيم شاعر النيل فى قصيدته (مصر تتحدث عن نفسها)، حيث يقول عن لسان مصر (ما رمانى رام وراح سليمًا من قديم عناية الله جندى). فأكدت أحداث التاريخ أن مصر المحروسة كانت الصخرة التى تتحطم عليها جيوش الغزاة وجيوش الاحتلال وجيوش المستعمرين. فعندما غزا التتار العالم، واكتسحوا البلاد والعباد بقيادة جنكيز خان وهولاكو، وكانوا كالسيل الجارف لا يقف أمامه أحد، وأسقطوا الخلافة الإسلامية العباسية فى بغداد.. واكتسحوا أرض الشام.. وفر الجميع.. وساروا فى طريقهم لاكتساح مصر، وإذ بالمولى سبحانه يقيض لمصر المحروسة فتى ربانيًا هو سيف الدين قطز ومعه شيخ العلماء العز بن عبد السلام.. فيقوم ليجمع شمل أبناء المحروسة.. ويصيح صيحة الحق واإسلاماه.. ويخرج لملاقاة المغول فى عين جالوت، ويهزمهم هزيمة منكرة، هذا كان قديمًا. وفى العصر الحديث.. قامت الحرب العالمية الثانية وكانت مصر المحروسة تحت الاحتلال الإنجليزى.. وهدد هتلر بضرب الإنجليز وكل البلاد التى استعمروها، واستطاع هتلر ضرب لندن وباريس، ولكن الله حفظ مصر المحروسة، ولم يتمكن منها هتلر حتى انتهى نهايته الأليمة. وفى العدوان الثلاثى عام 1956 كانت مصر وحيدة ولم تكن قد كونت جيشها.. وأتتها قوى الشر الثلاثية: إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.. وخرج قائدها إلى الأزهر قائلاً: سنقاتل.. وقال الشعب المصرى سنقاتل.. وأجمع الكل على أن مصر ستسقط، فلا طاقة لها ولا قدرة لها ولا جيش لها.. ولكن الإرادة الإلهية حفظت مصر المحروسة، وأيدها بجند من عنده حتى أيدها بالإنذار الروسي الشهير.. وذلك لأنها محروسة بعناية الله. وستظل مصر محروسة بعناية الله تعالى.. لما ذكرناه، بالإضافة إلى أن مصر بلد الأمن والأمان لأبناء الرسول وأحفاده الذين طردوا من مكةالمكرمة.. وطردوا من المدينةالمنورة وفيها روضة جدهم، وذبحوا فى العراق وسلسلوا فى الشام.. ولكنهم حفظوا فى مصر ونالوا الأمن والأمان، وعاشت مصر حرة أبية بشعبها العظيم وجيشها القوى المتين فأولادها يعشقون ترابها، وقد أقسموا بحياتهم وأرواحهم ألا يفرطوا فى شبر واحد من أرضها، ولو بذلوا فى سبيل حريتها كل عزيز وغالٍ: وستبقين يا مصر عزيزة وحرة مستقلة رغم أنف الطامعين وحقد الحاقدين. ولذلك ستظل مصر على الدوام بلد الأمن والأمان وستظل محروسة بعناية الله تعالى.