في صوم رمضان خصيصة رفيعة ليست في غيره من العبادات، وهي أن صومه مقرون بالله تبارك وتعالى، حيث يقول رب العزة: "الصوم لي وأنا أجزي به"، ولهذا الشهر العظيم منزلة كبيرة غالية فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم دستور المسلمين في شتى بقاع المعمورة، واختص هذا الشهر بلية القدر، وفيه كتب على المسلمين فريضة الصيام، يقول تعالى في محكم التنزيل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{. وللصوم معنيان، معنى لغوي يشير إلى الإمساك كما في قول الله تعالى عن مريم عليها السلام: } فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26) {، والصيام في الشرع يعني الإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بشرائط وضوابط خاصة ومضبوطة. أما الصيام من حيث كونه عبادة فهو فرض على أمة الإسلام كما فرض من قبل على أهل الملل السابقة الموحدة بالله تعالى. وأكد الله عز وجل اختصاص شهر رمضان بالصوم لأنه الشهر المبارك العظيم الذي أنعم فيه على عباده المتقين بأفضل وأجل نعمة إلهية معجزة وهي نعمة نزول القرآن الكريم، يقول تعالى: } إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) {. ومن رفعة هذه العبادة الروحية أن الدعاء فيها لا يرد وإذا كان الدعاء مستحب في كل وقت وحين فإن هناك من الأوقات والأحوال يكون فيه الدعاء أرجى للقبول والله أعلى وأعلم، ومن هذه الأحوال حال المرء وهو صائم، ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) يرشدنا إلى ذلك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" (رواه ابن ماجه)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا في بيان أهمية ومنزلة الدعاء للصائم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر والإمام العادل والمظلوم". وشهر رمضان له مكانة في الإسلام لا يضاهيها شهر آخر لما له من فضائل على المسلمين فردًا ومجتمعًا، فمن أعظم علامات الرحمة فيه أن الله عز وجل يفتح أبواب الجنة ويغلق أبواب النار ويصفد الشياطين، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" (رواه مسلم). وللعلماء آراء في تفسير هذا الحديث جديرة بالذكر؛ فمنهم من قال يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين هم مسترقو السمع منهم وأن تصفيدهم يقع في ليالي رمضان لأنهم منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التصفيد مبالغة في الحفظ. وقال بعض العلماء إن فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فضل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة كريمة. ولصوم رمضان فضائل وفوائد عديدة حيث إن الصوم في حقيقته كعبادة وفريضة بدنية في المقام الأول إلا أنها تحقق رفعة ورقيًا للمسلم حيث ترفعه من حضيض الحيوانية إلى المستوى الذي ارتأه الله تبارك وتعالى له، ويذكر العلامة محمد فريد وجدي في كتابه من معالم الإسلام أن هناك حكمة في تدخل الإسلام الحنيف في أمر التغذي، حيث إن الجسم والروح مترابطان في هذه الحياة، والروح جوهر كريم لا تكدره الأعراض، ولكنه مودع في هذا الغلاف المادي، وهو الجثمان، لا يسمح له أن يتصل بالوجود إلا من خلال الحواس التي جعلت فيه، ولا أن يدرك منه ما يدركه إلا بواسطة المادة المخية التي جعلت أداة للإدراك، ولما كان هذا الجثمان مخلوقًا من التراب فهو عرضة لكل ما يعتور الأجساد المادية من الآثار، وأد ما يصيبها منها ما ينصب عليها من ناحية الغذاء، لذلك كانت حاجة الإنسان ماسة إلى تعهد جسده بالمطهرات والمزكيات وليس منها ما هو أفعل فيه من الصيام.