وجه الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور الدعوة إلى القوى السياسية المختلفة لحوار عاجل من أجل المصالحة الوطنية، كما توالت أصوات المعتدلين في جبهة الإنقاذ والقوى المدنية إلى لم الشمل والتأكيد أن مصر سيبنيها كل أبنائها، وأنا أثق في أن هذه دعوات جادة ومخلصة، ليس لأسباب تتصل بأشخاص من أطلقوها، وإنما لأسباب تتصل بمعادلة الواقع الحالي والهواجس التي تملأ الجميع ونحن على أعتاب أخطر مرحلة من مراحل ثورة يناير، والتي يمكن أن تشكل صورة مصر لنصف قرن مقبل، ولذلك أتمنى أن تجد تلك الدعوة آذانًا صاغية من جميع الأطياف، وخاصة من التيار الإسلامي وأحزابه الرئيسية، وأحذر كل الحذر من التصلب هنا أو المقاطعة أو التردد، حتى لو كان هناك موقف رافض لما تم من إجراءات بعزل الدكتور مرسي، فمن الخطورة بمكان أن نوقف عجلة التاريخ عند نقطة أو موقف أو إجراء، خاصة وهناك قوى ظلامية تتمنى مثل هذه القطيعة والمقاطعة بل وتحرض عليها، بل وتدعو إلى إقصاء الإسلاميين جميعًا، بما فيهم حزب النور أو حزب مصر القوية، وهناك محاولات مكثفة لشيطنتهم في فضاء إعلامي مشحون بالكراهية، فلا يصح أن يمنحوا الفرصة لتحقيق هذا الإقصاء المضر جدًا بالشراكة الوطنية ومستقبل الديمقراطية ومضر جدًا بالوطن كله ومصالحه وأمنه القومي في صميمه، لقد أخطأ الإسلاميون عندما ظنوا أنهم يمكن أن ينفصلوا عن الشراكة الوطنية فمزقوا النسيج الذي صنع نصر ثورة يناير، وانعزلوا عن الجميع وأغراهم منصب الرئاسة فتمايزوا حتى سهل اصطيادهم وضربهم دون أن يبكي عليهم أحد، وعليهم أن يبادروا إلى إصلاح هذا الخلل الخطير، ليس لمصلحتهم فقط، وإنما لمصلحة القوى المدنية أيضًا ومصلحة الوطن كله في البحث عن تحقيق دولة العدل والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، أيضًا على الجانب الآخر، يتوجب على القوى المدنية أن تتجاوز نشوة الإحساس بالنصر والخطاب الذي يتقمص إملاءات المنتصرين، فما حدث قبل أسبوع هو مجرد فصل في كتاب جديد، والجهود المحمومة الآن لإقصاء الإسلاميين من المشهد الجديد تتصل جوهريًا بمخطط عزل القوى المدنية مستقبلًا من ظهيرها الشعبي القوي "الإسلاميين" الذي حما ظهر ثورة يناير، والتي كادت تنكسر وتسحق لولا لحاق التيار الإسلامي بها، وموقعة الجمل لن ينساها التاريخ، وإذا نجحت خطوة إقصاء الإسلاميين فإن الضربة التالية هي كسر ظهر القوى المدنية وتهميشها ثم سحقها، خاصة وأن بعض الجهود التي شاركت في موجة 30 يونيه، هي ضد الاثنين، الإسلاميين والقوى المدنية معًا، فكتائب البلطجة والفلول وبعض الأجهزة لن تضع يدها في يد أي قوى ثورية أبدًا، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقد وضعتها مع القوى المدنية فقط كمرحلة، لإزاحة خطر الإسلاميين وإسقاط الإخوان من رأس السلطة، فإذا تمت المرحلة ستكون المرحلة التالية هي سحق القوى المدنية، وإعادتها إلى سلالم نقابة الصحفيين كحالة فولكلورية أكثر منها حراك شارع حقيقي وصانع للأحداث، فعلى كل مؤمن بثورة يناير وأشواقها لوطن حر وكريم وحياة ديمقراطية ودولة مؤسسات، أن يخرج سريعًا من نشوة الانتصار أو آلام الانكسار، وأن تبدأ عمليات ترميم سريعة للعلاقات بين التيار المدني والتيار الإسلامي، وإعادة صناعة جبهة وطنية شعبية قوية وصلبة، فهذه الجبهة هي الضمانة الوحيدة والأكيدة لانتصار الديمقراطية في مصر، وقطع الطريق على خطط التصفية المنهجية والمرحلية للثورة والتي تتم الآن على نار هادئة، وكما خسر الإسلاميون معركتهم عندما تصوروا أنهم يمكنهم أن يمضوا وحدهم في الطريق بدون الشراكة والظهير المدني، فسوف تخسر القوى المدنية بجهد أسهل كثيرًا من الذي تم مع الإسلاميين، إذا استسلموا لمشاعر عابثة وساذجة وشامتة وتصوروا أنهم يمكنهم أن يمضوا في طريق بناء الدولة بدون شراكة الإسلاميين، ولذلك أنا واثق من جدية وعقلانية بيان الدكتور البرادعي عندما قال أمس إن الدولة سنبنيها جميعًا. على جميع القوى المدنية والإسلامية أن تحرص كل الحرص على سرعة لم الشمل وعلى تفعيل المصالحة الوطنية، وقطع الطريق على المتربصين بالثورة، وحذارِ من توسيع الصدع، وحذارِ من لغة الإقصاء، وحذارِ من الانفراد بالقرار، ستخسرون جميعًا، وتندثر ثورة يناير حتى تصبح تاريخًا من التاريخ، وسيعيد النظام القديم إنتاج نفسه بسهولة، وبأسرع مما كنتم تتخيلون.